الدكتور إبراهيم السامرائي، عالما واستاذا وعصاميا ووطنيا كبيرا

الدكتور إبراهيم السامرائي، عالما واستاذا وعصاميا ووطنيا كبيرا

د. حسين الهنداوي

كنت قد عرفت الدكتور إبراهيم السامرائي (1923-2001) للمرة الاولى اثناء سنوات الدراسة في كلية الآداب بجامعة بغداد بين 1966 و1970، اي خلال ما بات يعرف بـ"العصر الذهبي" للحياة الاكاديمية في العراق الذي أطاح به وصول الطغمة البعثية الى السلطة في بغداد.

كان حظا كبيرا بذاته، تزامن وجود عباقرة اللغة العربية الالمع، في تاريخ العراق وربما في العالم العربي، معا في نفس الوقت ونفس القسم وفي مقدمتهم الدكتور إبراهيم الوائلي والدكتور حسين محفوظ والدكتور محمد مهدي المخزومي والدكتور علي جواد الطاهر وسواهم فضلا عن الدكتور إبراهيم السامرائي نفسه الذي كانت روحه "التقدمية" في نظرنا تشجعنا على الاقتراب منه، وقد اشتكيت اليه مرة من ان بعض أساتذة العربية في الكلية ينحازون الى تلاميذهم عند منح الجوائز في المنافسات الشعرية، فأجابني مع ابتسامة طيبة ان "ذلك يحصل للأسف دون قصد".

بعد التخرج من الجامعة كنت اتابع نشاطاته العلمية الكثيفة عن بعد، ولم اكن أتصور بانني قد التقي به مجددا لولا الصدفة الثمينة. ففي عام 1992 وبينما كنت في مهمة عمل لمنظمة العفو الدولية في العاصمة اليمنية العريقة صنعاء فوجئت ببهجة بوجودي وجها لوجه مع استاذي الجليل القادم مثلي في افتتاح معرض فني اقامته الجامعة تلك للفنان التشكيلي والشاعر العراقي الصديق الراحل محمد سعيد الصكار بدعوة من رئيس الجامعة الشاعر اليمني الدكتور عبد العزيز المقالح وبحضور نخبة من الادباء العرب. وقد اصر الدكتور إبراهيم السامرائي على أخذنا، الراحل الصكار وانا، الى شقته البسيطة حيث استقبلتنا عقيلته الكريمة بترحيب وكرم ما بعده كرم. في ذلك اللقاء الذي استغرق عدة ساعات كان الدكتور السامرائي يتفجر خلاله الما لما تعرض له الشعب العراقي من قمع وتدمير وغدر وقد ادهشني بحرارة مشاعره الوطنية والتقدمية وحبه لوطنه، وبعمق تحليلاته وسعة متابعاته للتطورات السياسية في العراق والمنطقة. ولئن انس لن أنسى انه شدّد عليّ خلال لقاء لاحق في بيته بالتزام الحذر الشديد خلال وجودي في صنعاء من حبائل الأجهزة القمعية البعثية المتغلغلة بقوة في اليمن الشمالي آنئذ والتي كانت تراقبه عن كثب لمجرد احتفاظه بمسافة حذر معها.

لقد عاش الدكتور إبراهيم السامرائي عيشة كفاف أينما حل وارتحل، وظل عصاميا ووطنيا وتقدميا وانسانيا ومعتدلا باصرار حتى آخر رمق من حياته، وقد صدق جدا الدكتور خلف رشيد نعمان بقوله: "أما آن لهذا العالم المكدود والمُتعب والمُغترب الذي يتنقل في بلاد الله من غُربة الى اخرى وقد تجاوز الثمانين أن يستريح في بلده، وأن يُكرّم فيه كما يُكرم العلماء الأفذاذ، ولا نريد ان يكتب التاريخ عنه: أنّه ظل بعيداً عن وطنه"..

اما عن تاريخه الحياتي والعلمي، فقد كتب الكثير عنه وفي كل بلاد العالم كأحد علماء اللغة المعدودين في العالمين العربي والإسلامي، ومرجعية لغوية كبيرة شهدت له مجامع اللغة العربية وكبار العلماء.. حيث جعل اللغة العربية همّه وشاغله الابداعي الشاغل طوال سني حياته...

ولد الدكتور ابراهيم بن احمد بن راشد السامرائي في مدينة العمارة جنوب العراق عام 1923 في عائلة أصولها من مدينة سامراء. وكانت طفولته قاسية حيث توفي والداه ولم يبلغ العاشرة بعد. تلقى تعليمه الابتدائي والاعدادي في العمارة ثم اكمل دار المعلمين الابتدائية و دار المعلمين العالية ببغداد ودرس في كلية الملك فيصل عام 1946-1948 ثم فاز ببعثة علمية الى جامعة السوربون بباريس عام 1948. وقد نال الدكتوراه عام 1956 في تخصص فقه اللغة والنحو المقارن باشراف جان كانتينو وبلاشير. وعقب تخرجه من السوربون، عمل الدكتور السامرائي مدرسا في كلية الاداب والعلوم ببغداد ثم انتدب للعمل في كلية الاداب بتونس لمدة سنة عاد بعدها الى كلية الاداب ببغداد ثم تنقل بين بيروت وعمان وبنغازي والجزائر والرباط والكويت والسودان مدرسا في جامعتها بين الاعوام 1965 – 1975، ثم عاد الى كلية الاداب جامعة بغداد حتى احيل على التقاعد عام 1980، ليعمل بعدها مدرسا في الجامعة الاردنية بين عامي 1982 و 1987، ثم في جامعة صنعاء بين 1987و1996 قبل ان يستقر في عمان حتى وفاته يوم الاربعاء 25/4/2001. وقد تتلمذ الدكتور ابراهيم السامرائي في بداية مسيرته العلمية على يد العلامة طه الراوي ثم الدكتور مصطفى جواد والمؤرخ عبد العزيز الدوري والمستشرقين الفرنسيين جان كانتينو وبلاشير..

واشتهر السامرائي عالما لغويا معجميا يؤمن بتطور اللغة فكان مدققا ومصححا ومضيفا اضافات في خدمة العربية فكان له في هذا المضمار كتب كثيرة منها (دراسات في اللغة) و(مباحث لغوية) و(التطور اللغوي التاريخي) و(التوزيع اللغوي الجغرافي العراق) و(في الصناعة المعجمية) و (ومعجميات) و(الدخيل في الفارسية والعربية والتركية) و(المعجم الوجيز في مصطلحات الاعلام) و(معجم الفرائد) و(معجم دراسة في العربية المعاصرة) و(نظرات في المعجم الكبير) بالاشتراك مع الشيخ حمد الجاسر وكتاب العين المنسوب للفراهيدي تحقيق بالاشتراك مع الكتور مهدي المخزومي. اضافة الى كتب كثيرة منشورة في المجلات والدوريات العربية والعالمية وكان السامرائي نحويا من كبار نحاة عصره واثبت مفهوما جديدا في نشأة النحو خالف به جمهرة الدارسين في النحو قبله. وكان لاتساع ثقافته واطلاعه الشامل المتخصص على مواد النحو العربي موروثه ومولده اثر في تكوين منهجه. وكان الدكتور ابراهيم السامرائي اديبا معاصرا يتمثل ادبه في كتبه وفي مجال الشعر فقد حلق به عاليا لكن قل من يعرف ذلك وهو، كما وصف احيانا، شاعر العلماء وعالم الشعراء كما كان ناقدا ايضا له عشرات المقالات في نقد الكتب وبيان نواقص مؤلفيها ومحققيها كما كان محققا اذ حقق منفردا او مشاركا نحو ثلاثين كتابا. والدكتور السامرائي الراحل قضى ايامه بين الكتب قارئا ومؤلفا ومحققا ومدرسا ومترجما استغرقه هوى الكتب وتقديرا لعلمه وفضله انتخب عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1990، ومجمع اللغة العربية الاردني ومجمع اللغة العربية بدمشق والمجمع العلمي الهندي الا ان المدهش المؤلم انه لم ينتخب عضوا بالمجمع العلمي العراقيبيد انه و وتقديرا لعلمه اختير ضمن نخبه من العلماء للأشراف على تحقيق كتاب تاج العروس ومراجعة تحقيقه مخلفا مكتبة لغوية فريدة.

وللدكتور إبراهيم السامرائي نحوٌ من خمسين كتاباً، ومن التَّحقيقات ما يربو على العشرين، أهمها:

المؤلَّفات:

1- الأب أنستاس ماريّ الكِرمَلي وآراؤه اللُّغوية. 2- الأعلام العربية. 3- إعلام الوَرَى فيما نُسب إلى سامَرَّا. 4- "بناء المقالة"، لابن طاوس. 5- التَّطور اللُّغوي التَّاريخي. 6- التَّكملة للمعاجم العربية من الألفاظ العباسية. 7- التَّوزيع اللُّغوي الجغرافي في العراق. 8- حديث السنين (سيرة ذاتية). 9- حنينٌ إلى الكلم الضَّائع (ديوان شعر). 10- الدَّخيل في الفارسية والعربية والتركية. 11- دراسات في تراث أبي العلاء المعرِّي. 12- دراسات في اللغتين السريانية والعربية. 13- رحلةٌ في المعجم التَّاريخي. 14- رسائل ونصوص في اللغة والأدب والتاريخ. 15- السيد محمود شكري الألوسي وبلوغ الأَرَب. 16- العربية تاريخ وتطور. 17- الفعل.. زمانه وأبنيته. 18- فقه اللُّغة المقارن. 19- في الصِّناعة المعجمية. 20- في اللَّهَجَات العربية القديمة. 21- في مجلس أبي الطيب المتنبي. 22- في المصطلح الإسلامي. 23- لغة الشعر بين جيلين. 24- لفيفٌ وأشتات. 25- المجموع اللَّفيف. 26- المدارس النحوية. 27- مع المصادر في اللغة والأدب. 28- مع المعري اللغوي. 29- مع نهج البلاغة. 30- معجم الفرائد. 31- المعجم الوجيز في مصطلحات الإعلام. 32- معجم ودراسة في العربية المعاصرة. 33- المقترح في المصطلح. 34- من أساليب القرآن. 35- من بديع لغة التنزيل. 36- من سعة العربية. 37- من الضائع من معجم الشعراء. 38- من معجم الجاحظ. 39- من معجم عبد الله بن المقفع. 40- من معجم المتنبي. 41- النحو العربي نقد وبناء.

التَّحقيقات:

"الأمكنة والمياه والجبال"، للزمخشري – ديوان الجواهري – ديوان القُطَامي – رحلة ابن عابد الفاسي – "الزهرة"، لمحمد بن داود الأصبهاني، بالاشتراك مع الدكتور نوري القيسي – "فلك القاموس"، للكوكباني – في التَّعريب والمُعرَّب (حاشية ابن بَريّ على كتاب "المعرب"، لابن الجواليقي) – "كتاب العين"، المنسوب للخليل بن أحمد الفراهيدي، بالاشتراك مع الدكتور مهدي المخزومي – كتاب الكتَّاب"، لابن درستويه، بالاشتراك مع الدكتور عبد الحسين الفتلي – "كتاب النخل"، لأبي حاتم السجستاني – "كشف النِّقاب عن الأسماء والألقاب"، لابن الجوزي – "المرصع في الآباء والأمهات والبنين والبنات"، لابن الأثير – "نزهة الألِبَّاء في طبقات الأدباء"، لأبي البركات الأنباري – "نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز"، للفخر الرازي، بالاشتراك مع الدكتور محمد بركات أبو علي.