اللواء المتقاعد طاهر الزبيدي
(2ــ2)
لقد وصل الضباط القتلة الاربع، وابلغونا أن بكر باشا يطلب حضورنا لديه، فركبنا سيارة امين العمري نحن الثلاثة الضباط الذين جئنا بمعية وزير الدفاع وركب معنا الضباط الاربع الذين قتلوا الوزير فاصبحنا في هذه الحالة سبعة ضباط ثلاثة هم السائق النقيب الحاج شاكر القرة غولي في المقعد الأمامي والبقية في المقعد الخلفي فطلبوا منا ان نسلك طريق بعقوبة العام ووجهتنا خان البير، وبعد برهة من الزمن وصلنا خان البير، وكان الكثير من ضباط القوة الزاحفة يقفون على التلول المجاورة لمخفر خان البير .
فوقفنا على الطريق العام وبالقرب منهم وصرت احييهم لان أكثرهم اصدقائي، وعلى الأخص المقدم المرحوم (عبد اللة سلامي) آمر فوج المخابرة وعندما كنت اتكلم مع المرحوم عبد اللة سلامي سمعت صوت بكر صدقي وهو يتكلم مع النقيب شاكر القرة غولي ويؤنبه قائلاً: ليش حجي شاكر تتكلم علي وتشتمني في غيابي، فرد عليه القرة غولي وانا اسمعه (باشا المشاغبين كثيرين وانا الذي اشتمه اشتمه بوجهه وجنابك تعرفني زين) وفي ضوء هذه المحاورة التفت الى مصدر الحوار وسلمت على بكر صدقي وتسالم معي ثم قال (ها طاهر شكو عندك هنا؟) فقلت تعلم حضرتك بانني جئت برفقة فخامة وزير الدفاع ولا بد وانه قد واجهكم وهذا هو سبب وجودي هنا، فقال طيب عودوا انت والحاج شاكر واما انت العقيد (نجم العزاوي) فخذ الاربعين ديناراً من المقدم (راسم رشيد سردت) (سوري) ذلك المبلغ الذي اعطيته اياه لتدارك العشاء لجنود الحملة، واذهب فوراً بهذا المبلغ وعليك ان تقوم بهذا الواجب وان تهيء العشاء لهم مهما كان نوعه .
وان لم تجد قدوراً كبيرة اكسر مستودع العينة واخرج القدور وامر بطبخ الطعام، وهنا يثبت علم العقيد يوسف العزاوي بحركة بكر صدقي، وانه كان معهم وانه بصفته مدير مخابرة الجيش كان باتصال دائم ومستمر مع الحملة لاخبار قائد الحملة بكل ما يحدث ببغداد (فركب العزاوي) احدى سيارات الجيش التابعة للحملة وانطلق الى بغداد وبسيارته المذكورة وفي هذه اللحظة جاء الملازم الاول (اسماعيل توحلة) بالسيارة الشوفرليت (248) نفسها التي نقلت الوزير جعفر العسكري بقصد مواجهته مع القائد بكر صدقي ووقف الى جانب الطريق العام الايمن وذهب اليه بكر صدقي وصار يخرج بعض الاوراق من جيب سترته اليمنى ويستلمها ويقراها بكر صدقي ومن ثم يضعها في جيب سرواله الايسر وانا اشاهد ذلك بأم عيني، وكل ما كان مع اسماعيل من اوراق واستلامها من قبل القائد بكر صدقي، وقد تبين اخيراً ان هذه الاوراق هي التي كانت بحوزة الوزير ومن بينها رسالة الملك التي زود الوزير بها قبل سفره الى الجيش والتي سبق ذكرها.
عودة إلى بغداد
وبعد ان انتهى القائد بكر صدقي من التحدث مع الملازم الاول اسماعيل توحلة، عاد اسماعيل بسيارته من حيث أتى وعاد القائد الى ضباطه على التل، فعاد وخاطبني قائلاً: طاهر ما قلت ارجع الى بغداد مع الحاج شاكر، فأجبته أنا جئت برفقة الوزير ولا بد لي ان أعود برفقته ايضاً، فاجابني الوزير عندنا، وعليك ان تستصحب الحاج شاكر وتعود .. فقلت له طيب امرك، وعدت مع الحاج شاكر القرة غولي وبسيارة امين العمري نفسها وعند وصولنا الى مخفر المغيسل، كان أحد افراد مخفر الشرطة برتبة شرطي اول يقف على الطريق وامام بناية المخفر، فاوقف سيارتنا ووجه لنا سؤالاً قائلاً: من هو بكر صدقي باشا؟ فقلت له انا ما الذي تريده؟ فاجاب طالبيك من قصر الزهور، فدخلت المخفر ورفعت السماعة، واذا بالمتكلم هو العقيد الركن السيد أحمد محمود المرافق الاقدم للملك … فطلب مني احضار قائد الحملة الانقلابية اللواء الركن بكر صدقي شوقي، حيث يروم الملك مكالمته، وفي هذه اللحظة دخل بكر صدقي المخفر مع مجموعة ضباطه فسلمته السماعة وقلت له الملك يريد مكالمتك، فاخذ السماعة وتكلم مع الملك لمدة لا تزيد عن الدقيقتين، ثم انهى حديثه بقوله طيب سيدي ووضع السماعة بمحلها، ثم امر المقدم جميل فتاح الذي كان يحمل دفتراً كبيراً بان يوزع من ذلك الدفتر ورقة ورقة لجميع الضباط الذين كانوا برفقة قائدهم، فتوزعت الاوراق عليهم واستلمت انا ايضاً واحدة من تلك الاوراق
كل ذلك لجمع اكثر ما يمكن من معلومات لعرضها على الملك عند عودتي ووصولي الى قصر الزهور .، فصار القائد يملي على الضباط أمره اليومي وهم يكتبون ما يمليه عليهم، وكانت الاوامر مقتصرة على الاوامر الادارية وعن مقره، من انه سيكون في دار رئيس الوزراء (حكمت سليمان) وأن يفرز فصيل مشاة بقيادة الملازم الثاني (جمال جميل) الى دار حكمت سليمان ليكون فصيل حرس (احد قتلة الوزير جعفر العسكري)
كانت الحكومة العراقية قد ارسلت بعثة عسكرية تدريبية الى اليمن بتاريخ …… برئاسة العقيد الركن المرحوم اسماعيل صفوت وعضوية كل من الرئيس محمد حسن محاويلي، والملازم الاول جمال حميل، والملازم الثاني سيف الدين سعيد.
وطبعا انا ايضاً كتب الامر اليومي الذي املأه قائد الحملة ثم جمعوا أوراق الامر اليومي لتوزيعها على الوحدات وانا وضعت ما كتبته في جيبي.
ثم التفت الي القائد بكر صدقي وقال: الم أقل لك يا طاهر اذهب الى بغداد ((قالها هذه المرة بغضب)) فأجبته أو لم انفذ أمرك؟ فانصرفت مع الحاج شاكر ولكن التلفون هو الذي اعاقني في حركتي الى بغداد.
فامرني أن اغادر مخفر خان المغيسل حالا مستصحبا معي النقيب الحاج شاكر القرة غولي، فامتثلت لامره وخرجت من المخفر فورا مع الحاج شاكر وعندما وصلنا الى السيارة التي جئنا بها (سيارة امين العمري) وهممنا بركوبها منعنا الضباط الذين كانوا يلتفون حولها قائلين ان هذه السيارة لم تكن سيارتكم، فذهبت الى قائدهم بكر صدقي وقلت له: الم تقل لنا وتامرنا ان نذهب الى بغداد؟ فاجاب نعم طلبت منكم ذلك، فقلت له هاهم الضباط يمنعوننا من استعمال سيارتنا قال هذه لم تكن سيارتكم بل انها سيارة اشخاص اهليين القينا القبض عليهم وانهم رهن التحقيق، فقلت له اذن كيف نذهب الى بغداد؟ قال انا ارسلكم والتفت الى نائب الاحكام العقيد (انطون لوقا) وقال له انك ستذهب الى بغداد الان، فاجابه نعم سيدي، فامره ان يركبنا انا والحاج شاكر القرة غولي بسيارته الخصوصية ويوصلنا الى بغداد، فجلست في المقعد الخلفي للسيارة المذكورة، وفي اثناء الطريق كان العقيد (انطون لوقا) يتحدث عن جرأة بكر صدقي وانه يبطش وبكل شدة بمن يقف في طريق ثورته الانقلابية وانه يقتل كل شخص كان مهماً كانت صفته ومنزلته: فقلت له: يا معود هذا يسموه العراق، فأجابني والله يا طاهر كما قلت لك انه يقتل كل شخص راى في قتله نجاحاً لثورته وقد قتل فعلاً وزير الدفاع جعفر العسكري، قال كلمته هذه ونحن كنا قد اجتزنا سدة ناظم باشا، ودخلنا منطقة الوزيرية، فوصلنا دار نوري السعيد في الوزيرية، فنزل الحاج شاكر القرة غولي، وذهب ليخبر نوري السعيد أو من يجده في داره عن مصرع جعفر العسكري، واستمريت انا مع العقيد (انطون لوقا) حتى وصولنا ساحة الميدان فانزلني من سيارته وذهب الى داره ، فاستجرت سيارة اجرة من الميدان وذهبت بها الى قصر الزهور واخبرت الملك بكل ما حدث وسلمته الامر اليومي الذي أملاه علينا بكر صدقي واستولت وزارة حكمت سليمان على سدة الحكم وأصبح اللواء الذي ترفع الى رتبة فريق عبد اللطيف نوري في تلك الوزارة وزيرا للدفاع وصار اللواء الركن (الفريق الركن) بكر صدقي شوقي العسكري رئيساً لاركان الجيش وتعيين الملازم ثاني جمال جميل مرافقاً لرئيس اركان الجيش.
من كتاب (حافة التاريخ.. حياة اللواء المتقاعد طاهر الزبيدي) .