في ذكرى رحيلها في 22 تشرين الاول 2012 .. عفيفة إسكندر بين عاشقين

في ذكرى رحيلها في 22 تشرين الاول 2012 .. عفيفة إسكندر بين عاشقين

إعداد ذاكرة عراقية

أحب الاديب الكبير عبد المجيد لطفي الفنانة الكبيرةعفيفة اسكندر حبا لا حدود له وكما يقولون في حياة كل رجل مهما كانت منزلته وعقليته فراغ لاتملؤه الا امرأة نمت ونشأت في خيالة واحبها عقله الباطني وتلك المرأة كما يقول لطفي هي عفيفة اسكندر التي حركت الاوتار السبعة في قلبه دفعة واحدة, وذلك منذ أول يوم جاء فيه من كركوك الى بغداد في اجازة قصيرة وتعرف على عفيفة في الملهى الذي تغني فيه ومن يومها وجد ان هناك شيئا يجذبه الى بغداد ويبعده عن بلدته كركوك.

الاديب عبدالمجيد كتب كتيبا صغير الحجم عن عفيفة اسكندر ضمنه حبه الاثير لها واعترافاته الجريئة وصدر في عام 1953 بعنوان "عفيفة,,, خواطر ادبية" من شركة النشر والطباعة العراقية والمدورة في بغداد وبعد انتهاء الزيارة الى بغداد ورؤية عفيفة توقع لطفي ان يكون الامر ليس حبا بل هو اعجاب وربما ينتهي لكنه في كركوك اكتشف ان عفيفة باقيةفي القلب وتهز اوتاره السبعة لا يمكن ان يمسحها من خياله، كان في كركوك يوصي اصحابه بأن يجلبوا له صور عفيفة من بغداد وعندما تصل الصور يتحفز ليعود الى بغداد مشتاقاالى تلك "البنية اليافعة كالاقحوانة" وكان قلبه وهو في مكتبه وبين اوراقه يضطرب اضطرابا "شديدا كلما ارتفع لها صوت مؤنق رجراج"!.

كان لطفي يريد الابتعاد عن طريقها لكن الحب كان يمنعه ويغلق عليه كل منافذ الدنيا لأن عفيفة على حد تعبيره (كالشمعة - شمعة ساطعة تضيء الظلمات أمام اوراق كثيرة فتلقي بالبهجة والمرح في صدورالمكروبين والتائهينأما أنا (يقول لطفي): "فقد كنت في ظل الشمعة في الظل القريب منها أتلوى بالحرارة وأنا في الظلام!

يقول لطفي عن أول يوم تحدث فيه مع عفيفة لا يمكن ان انسى تلك الليلة فبالقاعة الصيفية حيث كانت تموج وهي تترنح هابطة من المسرح بجمرة الزهو والجمال فقطع احدهم الطريق عليها فصافحته وصافحتنا جميعا وعندما وصلت اليّ قالوا لها انه عبدالمجيد لطفي الرجل الذي تغنى بك عن بعد! فأمسكت بيدي المرتشعة التي تضطرب بجميع مشاعري وقالت وهي ترسم ابتسامة غضة وجميلة على شفتيها أأنت عبدالمجيد؟ انك مثل حداد عتيق وارسلتها ضحكة ناعمة!! ثم تكررت اللقاءات بين لطفي وعفيفة وفي كل مرة يجدشيئا مبهما بمزيج من اللهفة والخوف وبشيء غريب على نفسه!

ويقول لطفي لقد كتبت رسائل عدة لعفيفة مضمنة بعواطف الحب وكنت اظن ان رسائلي ستكون ذات قيمة لديها حتى علمت انها لا تحتفظ بالرسائل اما الرسائل التي تتضمن القصائد فهي لا تأخذ بها لتغنيها لأنها صديقة المتنبي والبهاء زهير وسناء الملك وتختار من دواوينهم اجمل القصائد.

ذات مرة يقول لطفي قلت لعفيفة ان بعض اغانيك فيها سخف، فردت عليه: "نعم اعرف ذلك لكن ما حيلتي فإن مايصلني واغنيه هو افضل الموجود كذلك الحانها وهي تعتقد ان من تتعامل معه يجب ان يرتقي بفنه اليها مع انها تدفع بسخاء للشعراء والملحنين, كانت عفيفة تبعد النقدالسياسي عن اغانيها حتى لا تتعرض الى تجريح أحد الساسة ممن كانوا يحضرون الى مجلسهاالادبي في منزلها امثال نوري السعيد وبقية وزرائه,,, وهنا يطالب لطفي عفيفة بأن تكون اغانيها ذات نقد هادئ وبناء وذات قوة للدفاع عن المجتمع.

ذات مرة سألها: ما تعريفك للحب: فقالت: انه اكذوبة المبطرين؟فلم يبق للحب من شيء مقدس لأنه الآن تزييف مكشوف لماضي الحب وما عرف عنه من قدسيةوتضحية فرد عليها ان في هذا بعض الغلو والخيبة لأني اعرف الحب على غير ما تعرفين! ويبدو ان هذه النظرة السوداوية للحب سببها ان الناس المحيطين بها هم الذين جعلوهاتفهم الحب على هذا النحو، لذلك يقول لطفي حين تقدمت اليها قلت لها اني لا اطمع بحب منك يا عفيفة لكنني اناشدك الصداقة وقد فرحت جدا "لأنها قبلت ذلك بوعي".

بعد ان يئس لطفي من حب عفيفةوفهم انها لا تجاريه في ذلك بل تريده صديقا عزيزا والصداقة اكثر عمقا وبقاء من الحب! لذلك قرر لطفي توديعها ويذكر كيف انها اقتطفت من حديقتها زهرة صفراء واعطته اياها لتكون علامة لتلك الصداقة المتينة لاسيما ان الوردة الصفراء تختزن عطرا افضل واعمق من الزهور الحمر والبيض فكأنه يقول ان عطرها سيبقى معي الى الابد! وكان وداعا رومانسيا كما بدأ لقاء رومانسيا.

وكانت عفيفة ظريفة جدا وصاحبة نكتة وهي الوحيدة من المطربات التي يسمح لها بقول النكتةوالطرافة مع رجال الحكومة الملكية, اذكر مرة قال لها نوري السعيد بعد وصلة غنائية،يا عيني، فأجابته لا يأخذك الطرب كثيرا يا باشا!

مع مردان. قصة حب مختلقة

وذكر الاستاذ زهير احمد القيسي عن قصة الحب المختلقة التي كان بطلهاالشاعر حسين مردان فقال: "عندما عاد حسين مردان من بعقوبة الى بغداد شابا متشردا بوهيميا ما بين عامي 1947 و1948 خالي الوفاض إلا من موهبته، وجد ان طريق الشهرةبواسطة الشعر مسدود امامه فصمم على ان يشق طريقه في الحياة عبر نمط جديد من الشعرلا يخلو من جرأة في تناول قضايا المرأة والجنس اضافة الى احاطة نفسه بهالة من القصص والحكايات الغريبة والعجيبة

كنت انا شاهد عيان وزميلا ملازما لأدباء تلك الفترة ومن بينهم حسين مردان وقد استطاع عبدالمجيد الونداوي وغائب طعمة فرمان ان يجدا له غرفة صغيرة تؤويه في مقر جريدة الاهالي (في محلة البقجة في الميدان الذي صار الآن المركز الثقافي في ظهر وزارة الدفاع), وكان حسين يلتقي بهذين الصديقين وبعض الاصدقاء الباقين من الادباء والمتأدبين في كازينو بلقيس في شارع ابي نواس ويبدو انه دعي ذات مرة الى الملهى الذي كانت تغني فيه عفيفة اسكندر فعشقها ومن ذاالذي لا يعشق عفيفة في تلك الايام وهي على ما هي عليه من جمال وشهرة وحلاوة صوت؟،وربما استطاع حسين ان يذهب الى بيت عفيفة مرة واحدة من خلال دعوة بعض اصدقائهاالمقربين اليها وينتهي كل شيء على مسرح الواقع، اما الخيال فقد انشأ حسين مردان عفيفة اسكندر قصة حب خارقة للمألوف وراح يرويها للناس والاصدقاء بكل جدية، ولااعتقد ان هناك من كان يصدق بتلك الحكايات الخرافية، غير ان الجميع كانوا يحبون حسين مردان ويأنسون الى احاديثه حتى الكاذب منها، ان من ارخ لهذه الحادثة او القصةالمختلقة هو الكاتب العراقي الراحل غائب طعمة فرمان في روايته "خمسة اصوات" التي مثلت سينمائيا في العراق بفيلم عنوانه "المنعطف" مثل دور حسين مردان في الفيلم الفنان يوسف العاني كما قدمتها فرقة ابراهيم جلال المسرحية في مسرحية بعنوان (خمسةاصوات)