نص نادر.. كيف تأسس قضاء سوق الشيوخ في العهد العثماني؟

نص نادر.. كيف تأسس قضاء سوق الشيوخ في العهد العثماني؟

سليمان صالح الدخيل

سوق الشيوخ

١ - موقع هذه المدينة وحدودها

قضاء سوق الشيوخ من مدن العراق الحديثة واقع على ضفة الفرات اليمنى قريباً من الدرجة ٣٠ عرضاً ونحو الدرجة ٤٤ طولاً من باريس وهو في جنوبي لواء المنتفق. يحده شمالاً وشرقاً الفرات. وجنوباً وغرباً الصحراء الشامية وهو يبعد ٤٠ كيلومتراً عن الناصرية وهو تحتها و ١٤٠ كيلو متراً عن غربي البصرة على خط مستقيم و ١٣٠ كيلومتراً في جنوب غربي العمارة على خط مستقيم أيضاً.

٢ - مؤسس سوق الشيوخ

هو الشيخ ثوينى المحمد جدّ الأسرة السعدونية. وذلك انه لما كان حاكماً كبيراً في العراق، يمتد حكمه من الغرَّاف والبصرة إلى ما قارب الكويت من جهة. ومن الجزيرة إلى ما حواليها من الجهة الأخرى أصبح نفوذه عظيما على كثير من عشائر العراق ونجد وقبائلهما. وكان معه في غزواته وفتوحاته سوق متنقلة وهي عبارة عن خيام تجار وباعة ينزلون قريباً من الأعراب إذا ضربوا مضاربهم وخيامهم فتقوم سوقهم ويعرضون فيها ما يحتاج إليه من لباس وآنية وخرثي وأثاث وتبغ (أي تتن) ويعارضونها بغيرها من وبر وصوف وسمن (دهن) وبقل وخضرة وغيرها. ويوجد مثل هذه السوق إلى يومنا هذا مع القبائل الرحل.

وعليه كان مع الشيخ ثويني وأعرابه سوق تقام أينما حلَّ والى حيثما رحل. ثم أن أعراب ثويني رغبوا في أن تقام سوق دائمة قريبة من الفرات في الصقع الذي ترى فيه اليوم سوق الشيوخ لطيب مائه وحسن هوائه وكثرة مرعاه فأذن بذلك فاشتق اسمه من الغاية التي وضع لها. وقبل أن يعرف بهذا الاسم سمي سوق النواشي وهو اسم عشيرة من عشائر العراق وكان الشيخ ثويني يعطي تجار الشيوخ مئات من نقود الفضة والذهب بمنزلة قرض يستفيدون من نفعها ويردونها إليه حينما يطلبها منهم أو يطلب عوضاً منها. وكان اغلب شيوخ القبائل يمتارون من تلك السوق فعرف باسمهم جميعاً. ومات اسم سوق النواشي.

٣ - تاريخ بنائه وحالة هوائه

قويت سلطة ثويني واتسع ملكه من نحو سنة ١١٥٠هـ - ١٧٣٧م إلى نحو سنة ١٢٠٠هـ - ١٧٨٥م واختلف في سنة تأسيس السوق. فمن قائل أنه كان سنة ١١٦٢هـ - ١٧٤٩م وفي قول آخر كان سنة ١١٧٥هـ - ١٧٦١ - ١٧٦٢م والأصح القول الأخير على ما نقله أحد العارفين الثقات من أهل تلك الأصقاع. لأن اعظم أيام الشيخ ثويني هي سنة ١١٦٥هـ إلى يوم قتله الذي وقع سنة ١٢١٢هـ - ١٧٩٧م في مكان اسمه الشبكة وبعد وفاة الشيخ الكبير أصبح سوق الشيوخ مركزاً لمهمات شيوخ المنتفق ومخزناً لذخيرتهم ومئونتهم وملجأ حصيناً يلجئون إليه كلما احتاجوا إليه. فكم من حاجة قضيت فيه! وكم من دم سفك على أرضه! وكم من أمير اغتيل على صعيده! وكم من هدية أو عطية جزيلة أكرمت في بيوته! إلى غير ذلك من الأمور التي لا تحصى ولا تعد! إلا أنه لما ضعفت قوة المنتفق وانتكثت مرائر أمرائهم وشيوخهم ووقع بين رؤسائهم اختلاف الكلمة اشتد نفوذ الدولة هناك فأدخلته في جملة ما أدخلته في أملاكها وقيد في سجلات أملاكها وأنشئ في ذلك الصقع نواحٍ وأقضية وألوية وجعلت السوق قضاءً سنة ١٢٨٨هـ (١٨٧١م) ثم أخذ بالتقهقر والانحطاط حتى غدا في سنة ١٣١٥ (١٨٩٧م) بمنزلة مديرية وأن كان فيه قائم مقام. وذلك باعتبار خطورته وانحطاط رقيه ورجوعه القهقرى عن سابق ما كان عليه من الشان والمنزلة. أما سبب هويه أو تسفله فهو انقطاع الأعراب عن الامتيار منه ووخامة أرضه وكثرة الأمراض والحميات التي تفتك بأهاليه لأن البطائح أو الأهوار تحيط به من كل جانب وتفسد هواءه. بينما كان في السابق بعيداً عن كل غمق ووبالة. وذلك لأن الشيخ ثويني كان قد افرغ جهده في منع وصول مياه طغيان دجلة إليه. بخلاف ما يحدث الآن فأن اغلب الأنهار قد طمت أو دفنت فانتشرت المياه في كل جهة بدون رادع يردعها أو حاجز يحول دونها وإذ لا تجد مجرى أو مصباً تنحدر إليه تبقى هناك مدى السنة فتخرب وتدمر وتتلف وتمرض وتقتل وتفتك بدون معارض أو محاسب ومن أسباب انحطاطها معاودة الطاعون إياها من حين إلى حين واشد طواعينها الذي فتك بها سنة ١٨٣٢ فانه لم يبق ولم يذر.

٤ - سكانه وتجارته

كان سكان سوق الشيوخ من عرب ثويني وأهالي نجد لا غير وكانوا كثيرين إلى قبل نحو خمس عشرة سنة وكان عددهم على الوجه الآتي:

مسلمون 1300

صابئة ٧٠٠

يهود ٢٨٠

المجموع ١٢٠٠٠

وكان عدد بيوتها في ذلك العهد ٢٠٠٠ بيت و١٥٠٠ صريفة )بيت يشبه الكوخ( وكان فيها مسجدان للسنة ومسجد للشيعة وحمام واحد وخان و٢٤٠ دكاناً و٥ قهوات. وأما اليوم فلا يوجد فيه أكثر من ٤ آلاف نسمة وهم مقسومون ثلاثة أقسام وهي: ثلاثون بالمائة منهم من أهالي نجد وهم وهابيون. والثلاثون الآخرون من البغداديين والأربعون الباقون من سائر أهل العراق ويطلق عليهم اسم (الحضر) واكثر التجارة بيد الحضر. وبياعاتهم هي كل ما تطلبه البادية من ألبسة وثياب وأحذية يليها في كثرة البيع توابل (وهي الإسقاط بلسان بعضهم والعطارية بلسان الآخرين) وبزور وحبوب وقطاني وما شابهها. ومن أهم تجارته الخيل فهي من أجود خيل البلاد لأن أصل اغلبها من نجد وما جاورها.

٥ - زراعته وصناعته

زراعة السوق الشلب (من أنواع الأرز أو التمن) والذرة (ويسمونها الاذرة) والدخن والحنطة والسمسم والشعير والهرطمان والماش. وواردات الزروع هي على الأقل ألف طغار (أو تغار والتغار يختلف وزنه باختلاف ديار العراق واختلاف الموزونات. واختلافه بين ١٠٠٠ و١٥٤٠ كيلو غراماً) والمياه هناك كثيرة كلها متدفقة من الفراتين. وهم يزرعون

أيضاً على شواطئ البطائح إلا أن زراعتهم قليلة بالنسبة إلى مياههم واتساع أراضيهم وكثرة فلاحيهم. ولعل أسباب تقهقر زراعتها كثيرة الفتن المستعرة نيرانها بين عشائر تلك الربوع.

وأما صناعة السوق فليست مما يشار إليها بالبنان وكل ما فيها هو عبارة عن معرفة ما

تمس إليه حاجة البدوي ومعروف ومبتذل في سائر الديار العراقية. إلاَّ أن أهاليها مشهورون بحياكة الأعبئة المخططة وهي معروفة في ديارنا باسم الاعبئة الشيخلية نسبة إلى سوق الشيوخ. ومن لا يحسن الحياكة يتعلم الحدادة وحدادتهم متوقفة على صنع المساحي وجميع آلات الزراعة البسيطة العمل. والصياغة من خصائص الصابئة (المعروفون بالصبة والواحد منهم صبي بضم الأول وكسر الثاني المشدد) وكذلك النجارة وجلّ نجارتهم متوقفة على عمل المشاحيف (جمع مشحوف راجع لغة العرب ١٠٢: ٢) وأما اليهود فمعظم أشغالهم قائمة على البيع والشراء والإِقراض بالربى الفاحش.

٦ - قسمته وحكومته

ليس في هذا القضاء إلا ناحية واحدة هي ناحية بني السيد. وفيه قيم مقام لإدارة القضاء. ومدير لإدارة الناحية. يساعدهما مجلسا إدارة.

٧ - العلم فيه

لا شأْن يذكر للعلم هناك. وسكانه لا يعرفون الصحف ولا الصحافة إلا من ندر. وجملة من يطالع الكتب وبعض الجرائد النادرة لا يجاوزون عشرة أو خمسة عشر واغلب هؤلاء من أهالي نجد.وفيه أربعة كتاتيب يتردد إليها نحو ٥٠ طالباً وفي أيام بدءِ الشتاء٠ أو ٧٠ وفي أيام الحصاد ٣٠ وهي مقسومة على هذا الوجه:

٣ كتاتيب للمسلمين وفيها ٣ معلمين و٤٠ طالباً وكتاب واحد للصابئة. وفيها معلم واحد و١٠ طلاب.