سعد صالح ووزارة الداخلية سنة 1946

سعد صالح ووزارة الداخلية سنة 1946

د. قحطان حميد العنبكي

في وزارة توفيق السويدي المؤلفة في 23 شباط 1946 والتي استمرت إلى الثلاثين من ايار من السنة نفسها،شغل وزارة الداخلية سعد صالح الذي كان وجوده في الوزارة عامل اطمئنان ومبعث ثقة وأمل في تلبية المطالب الشعبية،ولاسيما أن وزير الداخلية- سعد صالح- قد عُرف بالنزاهة والوطنية الصادقة ويصفه الدكتور كمال مظهر بأنه من((القادة البارزين المعادين للاستعمار)).

ما أن باشر سعد صالح في وزارة الداخلية،إلا وبادر إلى إلغاء المراسيم الاستثنائية، التي فرضت بموجبها الرقابة على الصحف والمراسلات مدة تربو على الخمس سنوات، فأصدر في اليوم الثاني من آذار سنة1946،أمراً بوقف تطبيق أحكام المرسوم رقم(56) لسنة 1940،وأبلغ إلى جميع الألوية((أنَّ الحكومة عازمة على اتخاذ ما يلزم لإلغاء مرسوم (صيانة الأمن العام وسلامة الدولة) رقم(56) لسنة 1940،فنرجو من ألان الكف عن تطبيق أحكامه في لوائكم ريثما يتم أمر إلغائه))(5).وبعد قرار مجلس الأعيان في 21اذار1946 بعدّ المرسوم مرفوضاً،أُلغي المرسوم اعتباراًً مـن 8 نيسان1946.

كما قرر وزير الداخلية إلغاء المعتقل الذي أقيم في بغداد على أثر مرسوم صيانة الأمن العام السابق الذكر،والإفراج عن المعتقلين،فأصدر وزير الداخلية سعد صالح بياناً جاء فيه:((لقد قرر معالي وزير الداخلية الإفراج عن المعتقلين،المدونة أسمائهـــم أدناه-وكان عددهم(13) معتقلاً-مع إلغاء المعتقل وسد أبوابه نهائياً)).

كما صدرت الإرادة الملكية المرقمة(114)والتي أُلغيت بموجبها الأحكام العرفية في مركز لواء بغداد والمناطق المجاورة له والمعلنة منذ 3حزيران1941،وكان مجلس الوزراء قد أقرَّ ذلك بعد الإيضاحات التي أدلى بها سعد صالح –وزير الداخلية- وبيانه استتباب الأمن وعدم مشروعية هذه الأحكام-الأحكام العرفية- في جلسته المنعقدة بتاريخ28شباط1946.

كما قرر مجلس الوزراء انتهاء حالة ظهور خطر الحرب،وصدرت الإرادة الملكية بذلك في 2 آذار 1946 كما أُلغي مرسوم الدفاع المدني ضد الخطر الجوي رقم(51) لسنة 1942 وتعديله،وفي 30 آذار 1946 أقرَّ مجلس الوزراء لائحة قانون العفو العام عن القائمين بتنفيذ الأحكام العرفية وكانت الأحكام العرفية قد صدرت على اثر فشل حركة نيسان-ايار 1941 في 3حزيران واستمرت إلى اذار سنة 1946 وقد استغلت بشكل غير إيجابي من الوزارات المتعاقبة،وبموجب القانون المذكور تم العفو عن القائمين بتنفيذه وولاسيّما من العسكريين الذين يكونون المرجع الأعلى لجميع الإدارات في المنطقة التي ينفذ فيها قانون الأحكام العرفية بعد ترك العمل بالقوانين المدنية.،كما أقرَّ المجلس مقترحات وزير الداخلية الخاصة باتخاذ التدابير اللازمة في حالة عودة الأكراد البارزانيين إلى العراق.ووافق مجلس الوزراء على لائحة نظام الإدارة الخاصة بالبادية كما اقترحها وزير الداخلية.

كان وزير الداخلية سعد صالح يتابع بشكل جدي ودقيق تنفيذ كل هذه الإجراءات، ويذكر عبد الجبار الراوي-مدير الشرطة العام آنذاك- أنَّ سعد صالح قد طلب منه ان يرافقه في جولة في الألوية الشمالية عند حلول شهر نيسان لدراسة الوضع هناك خشية تسلل البارزاني من خارج الحدود بعد ذوبان الثلوج وانفتاح الطرائق.

وعلى الرغم من كل ما يقال عن قانون الانتخابات لسنة 1946،فأن لوزير الداخلية سعد صالح بصمات واضحة على القانون المذكور،على الرغم من انه لم يأخذ بمبدأ الانتخاب المباشر،فقد كان وزير الداخلية من اكثر دعاة تقليص الدوائر الانتخابية أثناء مناقشة المجلس النيابي للقانون،وعَدّ ذلك يحقق عدالةً أكبر بالنسبة للمرشحين، وعند مناقشة موضوع نواب الأقليات قال وزير الداخلية: ((أنا من الذينكانت حسنة أو غير حسنة ولا فرق بيننا)).وهذا دليل على الوطنية العالية التي اتصف بها سعد صالح –وزير الداخلية- وهو بذلك استحق شغل هذا المنصب الحساس لأنه سعى بكل جهده لخدمة وطنه ومواطنيه.

كما كان سعد صالح –وزير الداخلية – يرغب في تقوية الحياة التشريعية وتقليل نفوذ الحكومة في الانتخابات،واهتم بإحياء لائحة قانون نظام تأليف قوات الدرك للقيام بأعمال مطاردة المجرمين والقضاء على الفتن الداخلية،وأدخل عليها بعض التعديلات لكي تفصل هذه القوات عن مديرية الشرطة العامة وتكون مرتبطة بوزير الداخليـــة

مباشرةً،وان تشكيل هذه القوات سيمكن وزارة الداخلية من حفظ النظام في أية بقعة من البلاد من دون تدخل أفراد الجيش،كما أن هذه القوات ستتمكن من مساعدة قوات الجيش العراقي عند وقوع اعتداء خارجي على كيان العراق.

ومما كان يعرف عن سعد صالح –وزير الداخلية – أنه كان يعمل في الليل والنهار، ويشتغل في تصريف الأعمال ست عشرة ساعةً في اليوم،رغبةً منه في أن يدرس الأمور دراسةً وافيةً ويحيط بها إحاطةً تامةً حتى إذا انتهى إلى أمر وأطمأن إليه بادر إلى إبرامه في غير أناة ولا تردد.

يبدو للمتتبع لنشاط سعد صالح أنه كان هو المهيمن على وزارة توفيق السويدي فكان الصوت العالي لها في المجلس النيابي والمدافع عن سياستها،وكان من الممكن تسميتها بوزارة سعد صالح لأن اتجاهات هذه الوزارة كانت هــي اتجاهات سعد صالح.. وإن كانت لتلك الوزارة حسنة فهي لسعد وليس لغيره كما يقول عبد الوهاب محمود.

لم يقتصر نشاط وزير الداخلية على السياسة الداخلية،وانما كان له دور واضح في السياسة الخارجية لحكومة السويدي،فقد تألفت لجنة وزارية قوامها أربعة أعضاء للمفاوضة مع الجانب البريطاني لتعديل المعاهدة العراقية-البريطانية لسنة 1930 كان وزير الداخلية سعد صالح عضواً فيها وقد اقترحت اللجنة في ختام تقريرها الذي وضعته عدم الأخذ بمبدأ التعديل،والقيام بعقد معاهدة صداقة جديدة مع بريطانيا تحل محل معاهدة 1930.لكن سقوط الوزارة حال من دون تنفيذ خططها لتعديل المعاهدة.

وهكذا تميز وزير الداخلية سعد صالح بنشاطه على الصعيدين الداخلي والخارجي.

عن رسالة ((وزارة الداخلية العراقية 1939-1958دراسة تاريخية))