يعقوب نعوم سركيس
كتب الأديب الفاضل رزوق عيسى في هذه المجلة ٨: ٧٨٥ سطوراَ عن الكوت مستنداً فيها إلى فريزر في كتابه المطبوع في سنة ١٨٤٣ (١٢٥٨هـ) أراد بذلك أن يؤيدني في أن اسم الكوت هو (كوت العمارة) وقد صور الاسم بالحروف اللاتينية مع علامة ملقاة على حرف ليقرأ عيناً.
وإذ لم يشرع الإفرنج - على ما أظن - ولاسيما غير المستشرقين باستعمال هذه العلامة وأمثالها إذا ذاك ولم يكن بيد الكاتب إلاَّ الطبعة الثانية التي كانت في سنة ١٩٢٤ على ما يبين من كلامه فالذي يتبادر البال إليه أن الكلمة في الطبقة الأولى غفل من هذه العلامة الفارقة. وإذا جاءت في الطبعة الثانية فللمعترض أن يقول أنها وضع ادخلها الناشر الأخير ولاسيما أن فريزر نفسه قد ذكر الكوت بغير علامة بصورة في كتاب المسمى (رحلة في كردستان وما بين النهرين المطبوع في سنة ١٨٤٠ (٢: ١٢٢، لذلك كان النص الذي أورده الكاتب لا ينتفع به من الوجهة التي قصدها إلاَّ إذا بانت في الطبعة الأولى تلك العلامة على حرف ومع هذا فان النص لا يخلو من فائدة لم يتوخها الكاتب فقد جاء مؤيداً أن دجلة من الكوت فنازلا اسمها العمارة. وأني
وقد ذكرني ذلك بما كتبه ريج المقيم البريطاني في كتاب حاو رحلاته ٢: ١٦٥) في تاريخ ١٤ أيار سنة ١٨٢١ (١٢٣٧هـ) وهاأنذا أضيف ما قاله معرباً إلى ما أوردته سابقاً وهذا قوله:
(فقدمنا إلى في الساعة الثامنة وقد شيدت هناك قلعة صغيرة من الطين وقرية جديدة بقربها تحت القديمة بقليل وهي بازاء فوهة الحي (شط الحي – الغراف). وهنا خمسة بلوكات من عقيل العرب مرابطة تستوفي ضريبة على كل سفينة) أهـ.
وجاء في آخر كتاب ريج ملحقات له جاء في أحدها(٢: ٣٨٥هـ) وصف سفره من بغداد إلى البصرة في آذار سنة ١٨١١ (١٢٢٦هـ) وفي ذلك قوله:
(وصلنا عند الغروب (٢٤ آذار) إلى وقد علمنا أن السير في الحي (شط الحي) غير ممكن لقلة عمق الماء فيه ولثقل السفن التي تؤلف كاراً فقررنا الانحدار مع دجلة، وهي حالة لا تجعلني آسفاً فأني كنت قد سافرت بطريق الحي ثلاث مرار لكني لم أر دجلة تحت الكوت) أهـ.
ومما جاء في هذا الصدد ما قاله ميكنن فان فيه((ص ٢٤) ما تعريبه عن تسمية دجلة العمارة) تحت الكوت) وهو هذا:
في ٢٩ تشرين الأول (١٨٢٧ – ١٢٤٣) قدمت إلى الكوت وهو قرية حقيرة مؤلفة من مجموعة أكواخ مبنية من الطين يحيط بها سور كذلك من الطين...) ثم قال ص ٢٧): وبازاء القرية (الكوت)جدول اسمه الحي (شط الحي) الذي يصب في شمال سوق الشيوخ. وضفاف الجدول مشهورة بأنها مأوى الأسود وغيرها من السباع الآن مجراه (مجرى شط الحي) خال كل الخلو (من الماء) لكنه يصلح لسير السفن خلال ثمانية اشهر من السنة. ومن هنا إلى فوهة نهر (الحد؟) يسمى هذا النهر أهـ.
وأقوى حجة واسطع برهان على صحة كلمة العمارة وليس الإمارة ما جاء لعربي قدم على ابن سند مؤلف مطالع السعود بمائة من السنين وهو مصطفى الصديقي البكري الذي زار العراق فأم البصرة في سنة ١١٣٩هـ (١٧٢٦م) وأورد ما يلي في رحلته المسماة كشط الصدا وغسل الران في زيارة العراق وما والاها من البلدان:
ثم سرنا نحو العمارة وبتنا فيها ليلة الجمعة ثم عدلنا عن شط العمارة سالكين شط السابلة لأن العرب في ذلك الشط (شط العمارة) قطعت السابلة..) أهـ وكان سفري في سفينة من بغداد إلى البصرة.فهناك منذ تلك الأيام حاضرة اسمها العمارة والشط التي عليه تلك الحاضرة فما تحت يسمى شط العمارة.
البغيلة او النعمانية
بحث أحد الأدباء عن البغيلة في هذه المجلة (٨: ٤٣) ثم في كتابه موجز تاريخ البلدان العراقية (ص١١٨). والبغيلة هي التي بدلت الحكومة اسمها بالنعمانية بعد مقاله في المجلة. ومما ذكره الكاتب إن إنشاءها كان في سنة ١٣٠٣هـ (٦ - ١٨٨٥م) وان السلطان عبد الحميد حينما ابتاع أراضيها أمر ببناء محل للحكومة فكانت البغيلة في تلك السنة مركزاً للحكومة.
هذا ما اطلعنا عليه الكاتب أما جريدة الزوراء في عددها المرقم ١٠٦٨ والمؤرخ ١٢ صفر ١٣٠٠ و١١ كانون الأول ١٢٩٨ (١٨٨٢م) أي قبل التاريخ الذي عينه الكاتب بثلاث سنين فأنها تقول في كلامها عن الجولة التي قام بها الوالي لتفقد شؤون الألوية، ما هذا بحروفه:
(وان موقعي نهري البغيلة وشاذي الواقعين في قضائي العزيزية والجزيرة والمتخذين مركز ناحية، قابلان للمعمورية فحصل التفضل بالتزام وضع كل منهما في حال قصبة فمن هذين البغيلة: أمر الوالي) بان يخطط فيها عدة دور ودكاكين بمعرفة المهندس أيضاً. وجرى الامتنان باستحصال الأسباب لتكون قصبة مكملة عن قريب...) أهـ.
وفضلا عن ذلك تجد في سالنامة بغداد لسنة ١٣٠٠هـ (١٨٨٢م) (ص ١٣٣) أن البغيلة ناحية مربوطة بقضاء الجزيرة ومديرها (بصيرت أفندي) كما انه جاء مثل ذلك في سالنامة ١٣٠١هـ (١٨٨٣م) (ص١٣٥) مع ذكر الأسماء لأعضاء مجلس الإدارة وكذلك ذكر مأمور للأراضي السنية. أما اسمها في سالنامة هذه السنة فانه جاء (بقيان) فالظاهر انه غلط طبع فان لم يكن كذلك وكان اسماً جديداً وضعته الحكومة استبدالا إنها لم تحسن الاختيار مما أوجب الرجوع إلى اسمها البغيلة. ولم يرد بقيان إلاَّ في سالنامة تلك السنة فقط.
فالبغيلة أذن كانت مركز ناحية في سنة ١٣٠٠ وبقيت كذلك بعد تفوض السلطان بالطابو لأراضيها فكان فيها موظف للحكومة وموظف للأراضي السنية في وقت واحد كما رأينا. وبعد ذلك رقع المدير وهو موظف الحكومة وبقي موظف الأراضي السنية بدليل أن سالنامة سنة ١٣٠٢هـ (١٨٨٤م) )ص ١١٠) لا تذكر موظفاً في هذه الناحية إلاَّ موظف الأراضي
السنية.
والظاهر أن نواة تأليف هذه القصبة اقدم عهداً من القرن الرابع عشر للهجرة بل ابعد مدى من أواخر القرن الذي سبقه. فقد ذكرت البغيلة في الكتاب الحاوي رحلات المستر ريج المقيم البريطاني بتاريخ ١٤ أيار سنة ١٨٢١ (١٢٣٧هـ)واليك ما فيه معرباً:
وفي الساعة التاسعة ونصف مررنا بالبغيلة (هكذا صورها) وهي قلعة من الطين على الضفة اليمنى (لدجلة) تعود إلى شفلح (بفتح الشين والفاء وتشديد اللام مع فتحها أيضاً) شيخ زبيد وبقربها مضرب خيامه الخاصة بشخصه. أهـ
وقال كيبل (ص ١١٤) بتاريخ ١٧ آذار سنة ١٨٢٤ (١٢٤٠هـ):
وفي الساعة الثانية بعد الطهر اجتزنا بشفلح (قلعة شفلح)الواقعة على منعطف فجائي للنهر وهي قلعة مبنية بالآجر يقيم فيها شيخ زبيد الزعيم العربي القوي الذي تمتد ديرته من الضفة اليمنى لشط الحي (الغراف) إلى بغداد..) أهـ.واخبرني ثقة من كبار الرجال ومن الزعماء من زبيد انه كان في صغره قد رأى بقايا قلعة شفلح مبنية بالآجر في موضع القصبة الحالية.وليس بين البغيلة والكوت أربعون ميلا كما قاله الفاضل، إذ أن في ذلك سهواً بيناً لعل الأميال تقل عن الثلاثين.
هذا ما أردت تبيانه خدمة للتاريخ والحقيقة.
مجلة (لغة العرب) آذار 1931