إصلاح القطاع العام.. التجربة النيوزلندية

إصلاح القطاع العام.. التجربة النيوزلندية

محمد عبد الأمير عبد
عملية إصلاح القطاع العام تعد من الأولويات المهمة التي تقتضيها عملية التحول الاقتصادي في الكثير من البلدان التي تحدث فيها تغييرات سياسية واقتصادية، خاصة في بلد مثل العراق يعاني هذا القطاع غير المستثمر بالشكل السليم والصحيح، ونتحدث في هذا المقال عن تجربة نيوزلندا في مجال إصلاح القطاع العام.

وتعتبر نيوزلندا دولة رائدة في مجال إصلاح القطاع العام، فقد قامت حكومة بعمل إصلاحات شاملة بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية وإصلاح القطاع العام، وطبقت أفكارا ونظريات حادة لتنفيذ عملية الإصلاح، على سبيل المثال، لعبت الخزانة دوراً رئيساً في تطوير هيكل عمل لإصلاح الخدمات العامة، وتكثيف استخدام النظرية الاقتصادية والإدارية،وقد تم تحديد ستة عناصر نظرية: نظرية الوكالة،والاختيار العام،وإبرام العقود، والتمويل، والمحاسبة، الإدارة، أوضحت الخزانة التقنيات السياسية للنظريات في اللحظات المناسبة لأصل وتصنيف الإصلاح. وقد أسفر عن ذلك إيجاد حلول شاملة محددة للمشاكل في إدارة خدمات القطاع العام تم عرضها عندما كانت الحكومة في مواجهة مع الأزمة الاقتصادية وقامت بإجراء تغييرات اقتصادية واجتماعية رئيسية.
إن حجم التغيير الذي شهدته تلك الدولة أدى إلى " تحويل " المجتمع النيوزلندي، فقد كانت هناك ظروف خاصة حددت عملية الإصلاح مثل:الأوضاع الاقتصادية غير الملائمة التي جعلت الاستقرار في الوضع الراهن أمرا متعذر الدفاع عنه،والمفاهيم الاقتصادية والإدارية الحديثة التي تشجع القادة السياسيين على وصف ممارسات جديدة دون إجراء أية دراسة مسبقة عليها.
أن التجربة النيوزلندية قد استقطبت الاهتمام الدولي وذلك بسبب تبني الدولة لبرنامج تعديل اقتصادي شامل وضخم بدأ عام 1984 من وضع صعب تنامي خلال 20 عاماً أو أكثر. ومن جانب أخر، بسبب إن هذه الأمور المتعلقة ببرنامج الإصلاح مرتبطة بإعادة تعريف دور الدولة في السياسة الاقتصادية والاجتماعية، وعلى وجه الخصوص تلك التي تستلزم تغييرات في نظام الإدارة الحكومية لتقديم الخدمات،والتي قدمت لبعض التجديدات التي ليس لها مثيل، إضافة إلى ذلك لا تعتبر نيوزلندا من الدول التي تتخذ أفكارها اتجاهاً واحداً وممارساتها في الاتجاه المعاكس، ونتيجة لذلك أثبتت التجربة النيوزلندية ان شعار " وضع الأفكار حيز التنفيذ " وخاصة في القطاع العام.
وما دفع الحكومة النيوزلندية لإصلاح القطاع العام جملة من الأسباب أهمها،وصف السياسات الاقتصادية لحكومة نيوزلندا من عام 1975 حتى 1984 بأنها لم تحقق الأهداف الاقتصادية المرجوة ولم تساهم في ارتفاع مستوي المعيشة، بسبب الاستغلال السيئ للموارد، والإنتاجية المنخفضة والنمو البطيء. مع وجود نظام ضريبي غير فعال وجائر شجع النظام الضريبي الاستثمارات غير المنتجة وتحمل الأفراد معدل ضريبي عال جداً.
صاحب كل هذا تشويه نظام الأسعار من خلال القوانين والإعانات الحكومية والضرائب، ونظام الأسعار بأكمله في نيوزلندا فإنه لا يعكس القيمة الحقيقية للبضائع والخدمات، والعمال ورؤوس الأموال، وأسفر ذلك عن فقدان البضائع النيوزلندية القابلة للتجارة لقدرتها التنافسية في الأسواق الداخلية والخارجية.
لهذا توجب إجراء إصلاحات في نظام الإدارة الحكومية تمثل بفصل الأنشطة التجارية عن الأنشطة غير التجارية وإنشاء مشروعات تمتلكها الدولة لتنفيذ الأنشطة ذات الطابع التجاري. وكذلك خصخصة المشروعات المملوكة للدولة في الأسواق المنافسة تجاريا، مع تعزيز دور المساءلة الوزارية والتنفيذية، وكذلك تصميم نظم لإدارة الميزانية والأمور المالية بهدف تحسين قياس أداء القطاع العام.
وهذا ما أدى إلى التحويل من نظام موازنة مبنى على المدخلات إلى آخر مبنى على المخرجات ونتيجة لذلك استجابت الحكومة لبرنامج إصلاحي يهدف إلى تحقيق نمو ثابت متوسط المدى وشملت الإصلاحات المحاور المهمة منها:إلغاء كافة أنواع الرقابة كافة على الأسعار والرواتب والدخل والعملات الخارجية، و إلغاء أنواع الرقابة كافة على الاستثمار الأجنبي ماعدا الجوانب الحساسة مثل الأراضي الساحلية وكذلك التخفيض التدريجي للتعريفة الجمركية.