في العهد العثماني..شركات أمريكية في العراق

في العهد العثماني..شركات أمريكية في العراق

بشـار فتحـي العكيـدي

أدركت الولايات المتحدة بعد أن أعلنت استقلالها عن بريطانيا عام 1783 أن من الضروري أن يكون لها دور متميز في الساحة الدولية. لكن من الأمور المعروفة ان الرعايا الأمريكان في العراق كانوا قلّة، وقد قامت القنصلية البريطانية في بغداد بالاشراف على رعايا الأمريكان في العراق بموجب الأمر الصادر في 30 كانون الثاني 1882

والذي خولت فيها أمريكا بريطانيا بالاشراف على رعاياها. ويدل هذا الأمر الصادر على أن الولايات المتحدة لم يكن لديها نفوذ واسع في العراق آنذاك، أما لأنها لم تكن راغبة في ذلك أو لأنها لم تكن تملك الامكانيات لتوسيع نفوذها. بعد فترة قصيرة قامت بفتح قنصلية لها في بغداد في 14 أيلول 1888 وعيّنت جون هنري (John Henry) أول قنصل لها في بغداد والذي كان يعمل في السلك الدبلوماسي في استانبول لمدة سبع سنوات، وقد وصل هذا إلى بغداد في 9 كانون الثاني 1889، وصادف قدومه إلى بغداد انتشار وبائي الكوليرا والملاريا مما اضطره إلى اللجوء إلى المناطق الجبلية لفترة من الزمن. إلا أن تواجد القناصل الأمريكان في بغداد كان متذبذباً إذ تولى القنصل البريطاني العام تويدي (Tweedie) إدارة أمور القنصلية الأمريكية لفترة من آذار إلى تشرين الأول 1891 ثم عين موكلر (Mukler) قنصلاً بريطانياً عاماً للفترة 1891-1893 مما يدل أن الأمريكان لم يبدوا اهتماماً كبيراً بالمنطقة آنذاك. والدليل على ذلك أنهم قاموا بتخفيض منصب القنصل إلى نائب القنصل الأمريكي في عام 1894، والذي كان يقيم بصفة غير مستقرة ومتقطعة في بغداد.

من خلال تأسيس قنصليتين أمريكيتين في كل من البصرة وبغداد، أصبح الأمريكان موطئ قدم في العراق وأصبحوا يشرفون ولو على جزء قليل من مصالحهم التي تختص بالتجارة والتصدير

من ناحية العلاقات التجارية مع العراق فانها بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما عقدت اتفاقية ثنائية تجارية بين الدولة العثمانية والولايات المتحدة عام 1864 ونصّت على تنظيم الرسوم الكمركية بين الدولتين أسوةً ببقية الدول الأخرى التي كان لها علاقة تجارية معها.

وضعت هذه الاتفاقية الخطوط العريضة لسياسة الولايات المتحدة تجاه العراق على غرار ما سارت عليه بريطانيا، حيث أن تأسيس القنصليتين الأمريكيتين في بغداد والبصرة

كان بدافع حماية كانت تلك المصالح التي دخلت في طور النمو،

الشركات الأمريكية العاملة في العراق:

كان دخول الأمريكان إلى العراق عن طريق التجارة، فكان من الطبيعي أن تحكم هذه التجارة وتقوم بتنظيمها شركات مختصة، لهذا أنشئت في العراق مجموعة من الشركات الأمريكية التي كانت الواسطة بين تجار هاتين الدولتين، ومن هذه الشركات:

1. شركة زرلندي وعيسوي (Zerlendi et Issawi):

وهي شركة للتصدير تأسست في ثمانينات القرن التاسع عشر، وكانت نصف حصص الشركة أوروبي والنصف الآخر محلي. وقد تخصصت هذه الشركة في تصدير عرق السوس إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان يستخدم في صياغة لفائف السيكائر بعد أن يخلط بالتبغ. وقد حققت هذه الشركة أرباحاً طائلة من جراء تصدير هذه المادة بالنظر لقلة الكلفة التي تدفعها الشركة للمستأجرين الذين يجمعون عرق السوس، فضلاً عن انخفاض كلف النقل النهري في نهري دجلة والفرات.

2. شركة ماك أندرويز فوربس (Mac Andrews Forbes):

ان الأرباح التي حققها استيراد عرق السوس من العراق دفع التجار الأمريكيين إلى انشاء شركة ماك أندرويز فوربس عام 1904 في البصرة والتي من خلالها يمكن للأمريكان استئجار الأراضي التي تحتوي على عرق السوس للقيام بعمليات استخراجه وكبسه لغرض التصدير، وقد حققت هذه الشركة نجاحات واسعة وصلت إلى حد احتكار تصدير هذا المنتوج وأصبح للشركة فيما بعد فروع في بغداد.

ان سيطرة الشركة على منتوج عرق السوس في البصرة وبغداد دفعها إلى السيطرة على صادرات ولاية الموصل من هذه المادة، حيث قامت الشركة بافتتاح فرع لها في الموصل عام 1911، إلا أن نشاط هذه الشركة قد شهد انقطاعاً خلال فترة الحرب العالمية الأولى. وقد ناشد عدد من تجار الموصل بضرورة الاستمرار في استثمار الأمريكيين لعرق السوس واستئناف عمل الشركة في الموصل. إلا أتن سلطات الاحتلال البريطاني بعد احتلالها للموصل قامت بوضع عراقيل في طريق الشركة لغرض إنهاء دورها ولتحويل انتاج هذا المحصول إلى أيدي التجار البريطانيين، ويعد هذا صورة من صور التنافس المبكر بين البريطانيين والأمريكان في العراق.

3. شركة أصفر (Asfar Co.):

تعد هذه الشركة من أقدم الشركات التي تأسست في البصرة، إذ يرجع تاريخها إلى عام 1794 وكانت مهمتها استيراد البضائع من الهند عن طريق السفن الشراعية، ومن البضائع التي كانت تستوردها الأقمشة والشاي والسكر إضافةً إلى أنها كانت تصدر التمور والحبوب كما أن مكابسها كانت من المكابس التي تأسست في البصرة. كما كانت هذه الشركة المصدر الرئيسي للتمور العراقية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

4. شركة مايكل إخوان (Michacel Brother Co.):

أنشأ هذه الشركة الإخوان وليام ورزوت مايكل في عام 1908 واهتمت هذه الشركة بتصدير الحبوب والتمور، كما كان لها عدة مكابس وأخذت تتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية في عملية التصدير.

5. شركة سيمون كريبيلان (Simon Greeblan Co.):

تأسست هذه الشركة في البصرة عام 1896 ونشطت في مجال استيراد البضائع وتصدير التمور والحبوب، وقد كان لهذه الشركة فروع في عدة مناطق من العراق، كما كان لها مكابس وعدد من الدوائر لإدارة المعاملات التجارية، وكانت هذه الشركة تصدر التمور إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

النفـط:

يرجع اهتمام الولايات المتحدة بالنفط العراقي إلى أواخر العهد العثماني، حيث شهدت تلك الفترة توجهاً أمريكياً نحو العراق خصوصاً بعد أن أثبتت الأبحاث العلمية المنشورة وجود كميات كبيرة من النفط فيه الأمر الذي دعا أمريكا إلى الدخول في منافسة مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا لمحاولة الحصول على امتياز التنقيب عن النفط، إذ قامت الولايات المتحدة بدعم الشركات والأشخاص الذين يتقدمون بالطلبات للحصول على امتياز من الدولة العثمانية.

دخلت الولايات المتحدة في هذه الفترة مساومة مع الباب العالي حول امتياز النفط في العراق، حيث أرسلت في عام 1899 الأدميرال كولبي مايكل جستر (K. M. Chester) إلى استانبول بحجة الحصول على تعويض عن الخسائر التي لحقت المبشرين الأمريكيين أثناء مذبحة الأرمن عام 1896 ولأجل دراسة المشاريع الاقتصادية في الدولة العثمانية.

لم تسفر زيارة جستر الأولى عن الحصول على امتياز، لذلك عاد في عام 1909 ودخل في مفاوضات مع الدولة العثمانية وحصل بموجبها على امتياز لبناء ميناء وسكك حديد في الأناضول يمتد فرع منها إلى السليمانية عبر الموصل وكركوك مع حق التنقيب عن المعادن لمسافة 20كم على جانبي السكة، فتأسست الشركة العثمانية-الأمريكية للتطوير

(The Ottman-American Development)

لتنفيذ عقد الامتياز إلا أن السفارة البريطانية في استانبول عارضت المشروع باعتبار جستر واجهة لشركة أمريكية ثم أن قيام الحرب العالمية الأولى أدى إلى تأجيل النظر في المشروع.

عن رسالة (صراع النفوذ البريطاني – الأمريكي في العراق1939 – 1958)