خبير لـ (المدى الاقتصادي): نكوص القطاع الصناعي وراء ظاهرة الإغراق السلعي

خبير لـ (المدى الاقتصادي): نكوص القطاع الصناعي وراء ظاهرة الإغراق السلعي

حوار/ ليث محمد رضا
باحث وأكاديمي ناشط في التأليف الاقتصادي، لم تقتصر مؤلفاته على قطاع اقتصادي بعينه، بل تناول معظم القطاعات الاقتصادية في البحث والتأليف، يعمل الان تدريسياً في جامعة بغداد.(المدى الاقتصادي) حاورت الباحث سالم البياتي عن مسببات ظواهر ملازمة للمشهد الاقتصادي،

فكانت إجاباته مسايرة لمعطيات الواقع، ومعبرة عن هواجس الجمهور.
ما قولكم في مشهد الإغراق السلعي الذي تعج به سوقنا المحلية؟
ـ إن السوق العراقية منذ العقوبات الاقتصادية ابان تسعينيات القرن الماضي ولغاية عام 2003 حصل نكوص في كافة القطاعات وبما ان البلد في حاجة فلا بد من استيراد الا ان هذا الاستيراد لم يخضع لاسس معينة لكنه كان رهن الانفلات في الحدود والانتشار في السوق ودخلت انواع وبضائع وظهر العديد من التجار بمختلف المستويات بمقابل وجود دول اقليمية ودولية لاتريد للصناعة الوطنية ان تنهض، فعملت على اغراق السوق العراقية ببضائعها، كما ان القدرة الشرائية والثقافة الاستهلاكية المتدنية للمواطن تجعله يتجه الى السلع الرديئة لرخص ثمنها لكنه لايعلم انها تشكل عبئا عليه في عديد من الجوانب بما فيها الجانب الصحي، بوجود عنصر الغش إضافة الى القوى التي تساعد وتسمح وتستفيد.
اما المعالجة فتكمن في الروح الوطنية للبناء الاقتصادي وان اغراق السوق بالسلع الاجنبية قد يكون في بعض الدول اغراقاً مؤقتاً لكن في الحالة العراقية ثمة اسبابا متنوعة الكثير منها مقصودة لاغراق السوق المحلية بالسلع بشكل عام والسلع الرديئة بشكل خاص من خلال استغلال طبيعة الحدود و الرقابة و الدولة والمواطن، فالسلعة ذات الجودة العالية في اليابان قد تكون غالية السعر لكن عمرها اطول، ونحتاج الى جهد مركب لكي ننهض و تجاوز المناطقية والاعتبارات الضيقة.

ما تعليقكم على مشهد الطاقة؟
ـ إن وجود بنى ارتكازية وتفعيل الصناعة والزراعة تحتاج الى منظومة من العوامل التي تحقق ذلك ويعد موضوع الطاقة بكل انواعها واشكالها من اهم عوامل التنمية الاقتصادية وان أي تعثر في احد العوامل يؤدي الى ارتفاع التكاليف والتحديات وعرقلة التنمية وبالتالي فعندما يتعثر توفير الطاقة الكهربائية تحديداً والتي هي اساس تسيير عجلة الصناعات فهذا تحديا لمجمل العملية التنمية الوطنية سيما وان البلاد مستهدفة من اطراف لا تريد ان تقوم لها قائمة صناعية وهذا نجده واضحاً في قول جيمس بيكر "سنعيدكم الى ماقبل الصناعة واعتقد ان مشكلتنا العراقية تتميز بالعديد من المداخل الى ان مشكلة الطاقة تمثل الحلقة الأوسع.
ولا نلمس نشاطاً حقيقياً وجاداً لحل مشكلة الطاقة من قبل الحكومة التي ينبغي ان تسيطر على الفساد وتوجد خطة تنموية حقيقية لرفع مستوى الطاقة وثمة تعاون حقيقي وليس شكليا لتكتسب الدولة العراقية شخصيتها الحقيقية وتكون ذا مكانة بين الدول.
ان وزارة الكهرباء لا تزال عاجزة عن توفير الحد الادنى من الطاقة حتى على مستوى المواطن والاستهلاك المنزلي والمعوقات كثيرة بما فيها عدم وجود رغبة بالعمل الجاد وعدم وجود خطة حقيقية للاستثمار وكان الأولى بوزارة الكهرباء بدل كل تلك الأموال الطائلة التي صرفت دون جدوى جلب مؤسسات بديلة ولو كان ذلك لاستطاعوا أن يعالجوا نسبة كبيرة من المشكلة.
والآن للأسف لا يتوقع نهوض قريب للكهرباء لان التخصيصات في هذا المجال لا توظف بالشكل الصحيح.
ووزارة الكهرباء لا تزال تعمل بهيكلية الهيئة والكثير من ملاكاتها غير مؤهلة وتعرضت لهزات من الفساد، وعلى الوزارة ان تلجأ الى اسلوب جديد يعتمد على شركات أجنبية رصينة ويتجاوز الاعتبارات البيروقراطية المعرقلة وفي كل الاحوال الاموال تخصص لكن التبرير مهم والفشل في ملف الكهرباء تحديداً ينعكس على المواطن ويؤدي الى احباطه وربما لجوئه إلى الاحتجاج.

كيف ترون عمل المصارف الخاصة وهل يتناسب ذلك العمل مع احتياجات الاقتصاد الوطني؟
ـ المؤسسة المصرفية في العراق لم تواكب التطور على المستوى العالمي ولا تزال حبيسة الإدارة الحكومية ولم تنشأ لدينا مصارف تستجيب للتطور المصرفي الذي هو يمثل التطور الاقتصادي، والتعدد الموجود في المؤسسة المصرفية لم يكن نتيجة لتطور طبيعي في الاقتصاد العراقي وبعض المصارف تفتقر لشروط المتانة ونرى أنها تنهار بسهولة وبعضها تخضع الى غسيل الاموال فالمصارف الخاصة هي جزء من الحالة المشوهة في الاقتصاد الوطني.
اما المصارف الحكومية غير متطورة، ولو كان ثمة سياسات نقدية ومالية رصينة لانتظمت المؤسسات لذلك وفي ذلك الحين ستكون جميع المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص تصب في برامج التنمية والان الحكومة تتحدث عن اقتصاد السوق لكنها توسع من وزاراتها وتتوسع في التعيينات وهي تريد ان تخلق للقطاع الخاص دوراً لكن الفرص المتاحة للقطاع الخاص اما غير صحيحة او تخضع للابتزاز.

ما تأثير حذف الأصفار على الاقتصاد؟
ـ هنالك حلول اقتصادية قد تنجح في بعض البلدان ولكن لا تنجح في بلدان أخرى فالسبب ان اقتصاديات تلك الدول كالبرازيل وقد تكون مقومات الشعب والاقتصاد والقاعدة الصناعية وطبيعة المشكلة عندما جاءوا بمشكلة حذف الاصفار ساهمت في حل مشكلة التضخم لكن نحن في العراق اذا ما حذفنا ونحن لا نمتلك قاعدة صناعية ولا قاعدة زراعية ولا خدمية وليس لدينا من قطاع انتاجي يعمل وليست لدينا موارد نحن نقوم بخلقها ونحن نعتمد على الريع النفطي، وحذف الأصفار في ظل الظروف الحالية لا يغير شيئا فالقيمة ستبقى كما هي مع اختلاف المسميات وهي شكلية واعلامية قد تخلق نوعا من الطمأنينة الى حد ما لكن ارتفاع المعنويات اذا لم يرافقه انجاز حقيقي قد يسبب احباطا ومشكلة كبيرة.
وهكذا نستطيع استخدامه ويشاركنا في عملية التنمية ويساعدنا في تجاوز ازماتنا.

كيف ننهض بالواقع السياحي؟
ـ نحن لا نمتلك وعياً سياحياً واضحاًً لا لدى المسؤول ولا المواطن ومن يريد بناء السياحة في أي بلد عليه ان يخلق وعياً فأساس القيادات المشرفة على السياحة في البلد هي غير متخصصة، وبالتالي ليس لديها وعيا، ان هذا القطاع هو ثروة هائلة فيما لو استغلت سيما في البلدان ذو الاثار والاماكن الدينية فالسياحة ومنذ زمن بعيد هي ليست في المستوى المطلوب واضيفت لها تراكمات 2003 وانا اعتقد ان الدولة اذا ارادت النهوض فعليها الاهتمام بالقطاع السياحي والقطاعين الزراعي والصناعي وفق إستراتيجية تخرج الوزارة من الموضوع لان بقاء الموضوع رهن الوزارة يدخلها في الاليات والتعقيد وتحيلها لهيئة مستقلة ترتبط بمنظمات عالمية وتعمل بطلاقة لتخرج عن النمط الاداري الحكومي المعقد.

ألا ترون النظرة السائدة عن الخصخصة واقتصاد السوق سطحية باعتبار ان الدول هي مالكة اكبر رأس مال؟
ـ الدولة ومنذ تأسيسها كانت راعية وحاضنة واستمر هذا المفهوم وبعد 2003 ومن اجل التماشي مع الاقتصاد العالمي تم إطلاق مفهوم اقتصاد السوق دون الاخذ بأسبابه ودون التدرج وكان الاولى ان يتم العمل بما يعرف بالإحلال في ان تقوم الدولة بتنمية مشاريع ثم تنسحب تدريجياً كما في النموذج الياباني من خلال تنمية قطاع خاص وعندما نتحدث عن الخصخصة أكيد لا نقصد بيع كل شيء، في اليابان تتم خصخصة شركات رصينة قامت الدولة بإنضاجها وتسليمها الى القطاع الخاص، والدولة تبقى قبان لموازنة العملية الاقتصادية.
وهناك من لا يريد الخصخصة من القيادات البيروقراطية خوفاً على مواقعهم وهنالك من يريدها لكي يشتري المشروع والرؤية معقدة وتحتاج الى عمل الخبراء دون ضغوطات سياسية.

ما رأيكم بالاستثمار في مجال التعليم؟
ـ النظام التعليمي لدينا ما زال يسير في خطا تقليدية وانا ادعو الى تطوير كما هو الحال في الاردن مثلاً حيث نرى النظام التعليمي هو قطاع خاص لكن مسيطرا عليه بشكل جيد وتجد ان الجامعة الاهلية اكثر قوة ورصانة من الحكومية ولديهم انظمة تعليمية تتيح الدراسة في أي وقت فتعليم متطور وغير تقليدي، لكن في العراق لدينا جامعات اهلية يقوم بفتحها من هب ودب وبالتالي يتخرج طلبة غير مؤهلين بشكل جيد ليلتحقون بجيش العاطلين.

هل نمتلك حماية للمستهلك؟
ـ المستهلك ما زال الطرف الأضعف في معادلة السوق واخطر شيء في العراق ان المستهلك لا يعرف على من يشتكي وأين يشتكي كما وليس في وعي القيادات الحكومية شيء عن حقوق المستهلك للاسف وهذه مشكلة كبيرة فعندما نريد خلق جمعية لحماية المستهلك يعتقد البعض انها شيء ترفي او غير مهم لكنها في اروبا تمثل جماعات ضغط تهاب مهنياً وعندما تصدر أي منشور ضد منتج تخسر الشركة المنتجة لتلك السلعة.