كنت في بلاط الملك فيصل الاول

كنت في بلاط الملك فيصل الاول

باقر احمد الحسني

كنت خلال الثورة العراقية (ثورة العشرين) من الشباب المساهمين فيها، وكان ذلك في سنتي 1919، 1920. فقد كنت اعمل فيها مع إخواني الذين اشتغلوا في ذلك الحقل، وكنت اصغر منهم سناً، أتلقى توجيهاتهم وإرشاداتهم، أمثال المرحوم مرزا محمد تقي الشيرازي، الذي قامت الثورة العراقية على اثر ((فتواه)) وجهوده الجبارة،

وامثال المرحوم السيد محمد الصدر والمرحوم يوسف السويدي والمرحوم السيد جعفر ابو التمن والسيد علي البزركان، وهم الذين لا يمكنني ان انسى مواقفهم الحرة مع بقية اخواننا الذين اختفت اسماؤهم مع الاسف، ويعتبرون من المخلصين في جهادهم كالشيخ باقر الشبيبي واضرابه وقد التجأت الى ايران واقمت فيها بعد ان خمدت الثورة، واتجه بعض رجالها الى الحائل وسوريا والحجاز، وقد مكثت في ايران سنة كاملة اتجول فيها متخفياً عن السلطة البريطانية التي كانت يومئذ تحتل ايران، وحين جاء المغفور له الملك فيصل الاول الى العراق وتم تتويجه طلبت برقياً من قبل المرحوم السيد محمد الصدر. وكنت في همدان، فاتجهت الى ارض الوطن، حيث قدمني السيد الصدر الى جلالته، فكان ان طلب مني الاشتراك في بعض الوظائف الحكومية.. فاعتذرت لعدم إلمامي الكافي بطبيعة عمل الوظيفة.

عد ان اعتذرت عن العمل في الوظيفة مرت فترة، تمت فيها مقابلات بيني وبين جلالته كلفني بان اقبل وظيفة في البلاط بعنوان ((أمين البلاط)).. وقد قبلت هذا التكليف السامي، وكنا أربعة اشخاص في البلاط نشغل وظائف بعنوان ((أمين البلاط))، واما الآخرون فهم السادة داود الحيدري وسيد ناصر النقيب والمرحوم خيري الدين العمري.

في سنة ((1923)) حصلت ازمة سياسية عنيفة في البلاد ادت الى ترك علماء العراق البلاد، حيث سكنوا ايران، وعلى اثر ذلك طلب مني المغفور جلالة الملك فيصل الاول بصفة شخصية المساهمة في معالجة الموضوع بفتح باب المفاوضات غير الرسمية بغية ارجاعهم الى البلاد، وسافرت بصفة شخصية الى قصر شيرين واجتمعت بمندوب العلماء هناك، واتفقنا على أسس تكون صالحة للطرفين، فكان ان ارسلت حكومة ايران مندوباً شخصياً لإتمام المفاوضات بطريقة رسمية، وتولى ذلك المرحوم السيد محمد التدين رئيس البرلمان الإيراني، حيث زار العراق وحل ضيفاً في بيتي واتفقت واياه على إرجاع العلماء بتاريخ معين وشروط معينة، وكل ذلك عندما انتدبني المغفور له جلالة الملك فيصل الأول لزيارة مدينة ((قم)) وقد تم ذلك المسعى وتكللت الجهود بالنجاح، وقد بقيت همزة الوصل بين علماء الدين والبلاط الملكي.

على اثر نجاح تلك المساعي وكنت في مدينة ((قم)) طلب مني رئيس الوزراء في ذلك الحين، وهو رضا شاه بهلوي، وكان يلقب بـ((سردار سبه)) أن أقابله شخصياً باعتباره نائباً عن المغفور له جلالة الملك فقابلته وكنت مأذوناً من قبل جلالة المغفور له الملك فيصل الاول بالمفاوضات الشخصية كما قلت، فأعرب لي رضا شاه عن اعجابه الشديد بالمغفور له جلالة الملك فيصل الاول.. وقد كانت هذه المقابلة نواة لفكرة اعتراف إيران بالحكومة العراقية، وكان ذلك سنة 1929-1930، حيث اعترفت إيران بالحكومة العراقية فسافر وفد عراقي مؤلف من معالي المرحوم رستم حيدر رئيس الديوان الملكي حينذاك وسكرتارية الأستاذ احمد حامد الصراف، وكنت – عضواً في هذا الوفد لاستلام الاعتراف من الحكومة الايرانية.

حدث بعد نجاحي هذا ان منحتني الحكومة الايرانية وساماً بالنظر لانجازي هذه المهمة. وبعد انتهائي منها، طلب مني جلالة المغفور له الملك فيصل الاول العودة للعمل ثانية في البلاط بوظيفة ((مساعد رئيس التشريفات)) وقد اشغلت هذه الوظيفة طيلة حياة المغفور له جلالة الملك فيصل الاول، ثم استمر عملي في عهد المغفور له جلالة الملك غازي حتى وفاته، كما عملت في عهد وصاية سمو الامير عبدالاله ولي العهد المعظم حيث قمت بخدمته حتى سنة 1945.

عينت فيما بعد مديراً عاماً للبريد والبرق، وقد اشغلت هذه الوظيفة مدة خمس سنوات، وعملت خمس سنوات اخرى مديراً عاماً للنفوس، واخيراً تركت الوظيفة، حيث تم انتخابي نائباً عن قضاء الكاظمية.

كان الكاتب يلقب بباقر بلاط بين الاوساط الشعبية (ذاكرة عراقية).