منذ أوائل القرن العشرين..كربلاء كما وصفها الرحالة الشرقيون

منذ أوائل القرن العشرين..كربلاء كما وصفها الرحالة الشرقيون

عبد الوهاب عزام في كربلاء

د. سلمان هادي الطعمة

نواب حميد يارجونك بهادر

زار كربلاء سنة 1907م /1325هـ فوصفها قائلاً: (المسافة بين بغداد وكربلاء قرابة ستين ميلاً وفيها أربع مراحل حيث نستبدل البغال وصلنا كربلاء في الساعة العاشرة مساءً بعد مرحلة مضنية، وكان نقيب أشراف بغداد قد هيأ لنا بيتاً مكثنا فيه، وفي صباح اليوم التالي ذهبنا إلى (الدورغا) أي المرقد وصليّنا هناك.

مرقد الأمام الحسين محاط ببناء منيف فسيح مربع الشكل من كل جهة منه باب عملاق قوي جداً وحول الساحة بيوت جليلة من طبقتين يسكنها علماء الدين والطلبة، ضريح الأمام ومنائره الأربع المذهبة في وسط الفناء المربع وحول القبر سياج مربع من الفضة المشبكة، وبعد ذلك ذهبنا إلى مرقد حضرة العباس القريب وهو أصغر من الأول في بناءه وبعد أن قرأنا الفاتحة فيه عدنا إلى بيتنا في الساعة التاسعة. وفي المساء ركبنا إلى الموضع الذي كان فيه مخيم الأمام الحسين أثناء المعركة ثم ذهبنا إلى مرقد حضرة الحر. وفي صباح اليوم التالي غادرنا بعربات البريد إلى النجف الأشرف وهي تبعد خمسين ميلاً من كربلاء....الخ).

عمانوئيل فتح الله عمانوئيل مضبوط

وصف كربلاء خلال زيارته لها سنة 1329هـ / 1911م فقال: وقد سرّنا منظر كربلاء أعظم السرور لاسيما كربلاء الجديدة أو (شهرنو) فأن طرقها مثارة كلها تنيرها القناديل والمصابيح ذات الزيت الحجري والقادم من بغداد إذا كان لم يتعود مشاهدة الطرق الواسعة والجادات العريضة أو إذا كان لم يخرج من مدينته الزوراء ويدهشه أعظم الدهش عند رؤيته لأول مرة هذه الشوارع الفسيحة التي تجري فيها الرياح و الأهوية جرياً مطلقاً لا حائل يحول دونها كالتعاريج التي ترى في أزقة بغداد وأغلب مدن بلادنا العثمانية، وعند دخولنا المدينة نزلنا على أحد تجار المدينة وهو السيد صالح السيد مهدي الذي كان قد أعدّ لنا منزلاً نقيم فيه، فأقمنا فيه نهاراً وليلتين، وفي الليلة الأولى خرجنا لمشارفة ما في المدينة مع السيد أحمد وأخذنا نطوف ونجول في الطرق فمررنا على عدة قهوات حسنة الترتيب والتنسيق ورأينا فيها جوامع فيحاء ومساجد حسناء وتكايا بديعة البناء وفنادق تأوي عدداً عديداً من الغرباء وقصوراً شاهقة ودوراً قوراء وأنهاراً جارياً ورياضاً غناء وأشجاراً غبياء والخلاصة وجدنا كربلاء من أمهات مدن العراق إذ أن ثروتها واسعة وتجارتها نافعة وزراعتها متقدمة وصناعتها رائجة شهيرة حتى أن بعض الصناع يفوقون مهرة صناع بغداد بكثير لاسيما في الوشي والتطريز والنقش والحفر على المعادن والتصوير وحسن الخط والصياغة والترصيع وتلبيس الخشب خشباً أثمن وأنفس على أشكال ورسوم بديعة عربية وهندية وفارسية ولما حان الغد وكان يوم السبت رأينا ما لم نره في الليل فسبقنا وصفه...الخ.

السيد محمد هارون الحسيني الزنكي بوري

في الرحلة العراقية التي قام بها سنة 1328هـ /1910م كتب عن كربلاء فصلاً يقع في 60 صفحة قال يصف (أهل كربلاء):... كما وجدتهم عند الاعتبار ورأيتهم لدى الاختبار والله يعلم بحقائق السرائر و الأسرار أناس اشربوا أفاويق حسن الأخلاق وأفرغوا في قوالب الصدق ولا إغراق متواضعون غير مستكبرين خافضون أجنحتهم غير مستنكفين صادقون في المواعيد عادلون بين القريب والبعيد سيما أهل السوق من كل صنف وطبقة من أولي التجارة والصفقة إذا كالوا المبتاعين يوفون وإذا اكتالوا عليهم لا يُخسرون ولا يَخسرون يقبلون على الغريب بوجه طلق ولسان ذلق وكلام ليّن وخلق هيّن لا يخادعون في المعاملة ولا يقاطعون في المواصلة إذا أتيتهم في بيوتهم قاموا إليك ورحبوا وقبّلوا الرأس والعين ثم قدموك و تأخروا...الخ.

الماحي المصري

زار كربلاء الرحالة المصري محمد مصطفى الماحي في صباح يوم الخميس 20 من مايو سنة 1934م/ 1353هـ فوصفها بقوله: وكربلاء قسمان: الأول كربلاء القديمة وفيها أنقاض كربلاء الموغلة في القدم والثاني كربلاء الجديدة التي خططها مدحت باشا سنة 1285 هـ. وتبعد كربلاء عن بغداد بنحو 120 كيلومتر، وتربطها بها سكة حديد، وهي واقعة على ترعة الحسينية، ويحيط بها النخيل وتحفها البساتين... الخ.

محمد ثابت

في سنة 1936م / 1354هـ زار كربلاء الكاتب المصري محمد ثابت فوصفها بقوله: قمت من النجف مبكراً إلى كربلاء فوصلناها بالسيارة في ثلاث ساعات فكانت تحكي النجف تماماً في أزقتها الملتوية تطل عليها شرفات متقابلة تكاد تضل الطريق وهي ثانية معاقل الشيعة فإن قلنا أن النجف هي الرأس المفكر للشيعة فكربلاء قلب الشيعة النابض، فهي أكثر قدسية لديهم من النجف، هنا يبكي القوم نساء ورجالاً وأطفالاً موت الحسين الذي تثير ذكرى فاجعته لديهم حماسة فائقة أشبه بحماسة أهل بابل وبكائهم على موت (تموز). هنا زرت مدفن الحسين تحت قبة من ذهب يسمونها (الحضرة الكبيرة (يؤمها خلق كثير وبخاصة في محرم شهر الحج، وهناك مسجد آخر يدفن فيه العباس وكان أخ الحسين، لكنه لا يحنث قط إن أقسم بالعباس، وقد أبصرنا بصورة لرأس رجل في سقف مسجد العباس قالوا لنا أنه حنث في يمينه بالعباس فطارت رأسه إلى هناك ويعتقدون أن من يأتي ذلك تطير رأسه هكذا...الخ.

عبد الوهاب عزام

في سنة 1939م / 1358هـ زار كربلاء الرحالة المصري الأديب عبد الوهاب عزام فوصفها في كتابه) رحلات) قائلاً: عبرنا الفرات على قنطرة الهندية ميممين كربلاء، فاتجهنا نحو الشمال الغربي والساعة واحدة مؤملين أن نبلغ غايتنا بعد نصف ساعة، وقد تحول الأوحال دون الآمال، كان بعض الطريق وحلاً فارتطمت فيه بعض السيارات مرة بعد أخرى ثم استقام لنا الطريق من بعد فإذا حدائق كربلاء والساعة اثنتان وربع. وفي كربلاء نخيل وأشجار كثيرة مرت عليها السيارات نصف ساعة حتى دخلنا البلد، فسرنا إلى المدرسة المتوسطة حيث ألفينا مديرها ومعلميها منتظرين معدّين كل وسائل الحفاوة والإكرام، استرحنا قليلاً ثم يممنا المسجد المبارك الذي به ضريح الحسين بن علي رضي الله عنهما فرأينا مسجداً عظيماً على نسق مسجد الكاظمية في بنائه وزينته، ولجنا الباب إلى ساحة واسعة فإذا إلى اليسار جماعة قد وقفوا صفوفاً يدقون صدورهم دقات موحدة موزونة وأمامهم منبر عليه خطيب يتكلم عليهم وإلى اليمين أبصرنا جماعة من النساء جالسات يولون في الحين بعد الحين مستمعات إلى محدّث آخر وذلك أن اليوم كان أيام ذكرى مقتل الأمام علي بن أبي طالب، وقد دخلنا المسجد فإذا هو يدوي بالقارئين والداعين، فزرنا الضريح المبارك ومنعنا جلال الموقف أن نسرح أبصارنا في جمال المكان وما يأخذ الأبصار من زينته وحليته وروائه، وبجانب المسجد مسجد آخر فيه ضريح العباس بن علي، وفيه سرداب يهبط فيه نحو عشر درجات إلى مكان مغطى بشبكة من الحديد يسمونه المذبح، ويقولون أن دم الحسين رضي الله عنه سال فيه حينما قتل في فاجعة كربلاء. وهناك رواية يقال إنها مولد المسيح عيسى بن مريم. ثم هناك حجرة إلى ناحية من المسجد دفن فيها من ملوك القاجاريين آخرهم أحمد وأبوه محمد علي وجده مظفر الدين، والقبور ليست عالية وإنما هي بلاطات في ناحية من الحجرة، وقد علقت في مقربة منها صور الملوك الثلاثة، ووددت لو أمكننا الوقت فأطلنا المقام في هذا المشهد العظيم لأطيل الحديث عنه، ولكنها كانت زيارة عجلان يكتفي بتأدية الواجب.

أمل مروة وآخرون

زار الوفد الصحفي اللبناني السوري العراق والكويت، ثم عرجوا على مدينة كربلاء وذلك في سنة 1950م /1370هـ فوصفوها قائلين: كان مقام سيدنا الحسين عند وصولنا إليه يعج بالزائرين من مختلف الألوان والأجناس، أحاطوا جميعهم بالضريح وانكبوا على تقبيل سوره المصنوع من الفضة الخالصة من جوانبه الأربعة، وهم يتلون آيات الله البينات بأصوات متهجدة وأيد واجفة وعيون جاحظة تتطلع إلى الضريح تنشد العون والمغفرة، وعلى مقربة من السور ينتشر أصحاب العاهات وقد شخصوا بأبصارهم إلى الضريح الشريف يتوسلون بصاحبه سائلين الله الحياة أو الموت وكثير منهم ينشد الموت قرب الضريح لكي يدفن في التراب الذي يضم رفات سيدنا الحسين. يجري كل هذا تحت جدران أفخم وأغنى بناء في العالم، وجدرانه مزيج من الفضة واللآلئ ومأذنته من الذهب وسقوفه من الفسيفساء والثريات أدق وأجمل وأكبر ما صنعه إنسان ويخفى تحت أرضه أغنى كنوز في العالم.