في ذكرى ثورة العشرين.. معركة (الرارنجية)  وأثرها في مسيرة الثورة

في ذكرى ثورة العشرين.. معركة (الرارنجية) وأثرها في مسيرة الثورة

د. ستار نوري العبودي

عدت معركة الرارنجية (الرستمية)، من المعارك الكبرى في ثورة العشرين، بل وعدها كثيرون من أهم المعارك التي خاضها الثوار وانتصروا فيها على القوات البريطانية في 25 تموز 1920، التي جرت في جنوب مدينة الحلة، وفيها تكبد البريطانيون خسائر فادحة بالأرواح والمعدات.

فقد أدى سوق قسم من قطعات الجيش من الحلة الى الديوانية حصول الثورة في الحلة، بعد ان سيطرت قوة من عشيرة بني حسن على منطقة الكفل جنوب الحلة في 20 تموز 1920، مما اثر السلطات المحتلة والتي حاولت إظهار قوتها في المنطقة، فأرسلت قوة كبيرة سميت (برتل مانشستر) وكانت مكونة من قوات مشتركة (سريتين من الخيالة وفوج من المشاة ناقص سرية مع بطرية مدفعية، وسرية فنيين ومستشفى ميداني) كما قال القائد العام للقوات البريطانية في العراق. فيما قدرته إحدى المصادر العراقية المعاصرة للثورة بـ(8000) جندي بريطاني وهندي.,

وعن طبيعة تلك المعركة الكبيرة بنتائجها السياسية والعسكرية، حدثتنا المصادر التاريخية العراقية المشاركة في تلك الأحداث، من ان الحاكم البريطاني في لواء الحلة، الح على قائد الحامية بإرسال مفرزة من حاميته الى الكفل لكي لا يستطيع شيوخ القبائل الثائرة التأثير على العشائر المستوطنة بين الحلة والكفل بالانضمام الى الثورة وكانت تلك القوة تسمى (رتل مانجستر)، كما الح القائد البريطاني على قائد الحامية في الحلة بإصدار الأوامر الى تلك القوة بمواصلة التقدم نحو الكفل وقيامها بعمل حربي سريع يفضي الى تثبيط همم رجال العشائر على القيام بالثورة، وواصلت القوة سيرها حتى عسكرة عند قناة الرستمية (الرانجية)، في 23 تموز وحين بدا الثوار للعيان، صدرت الأوامر بإطلاق النار عليهم فاستدل الثوار على موقع القوة، وبدؤا بالزحف عليها، بعد ذلك صدرت الأوامر للقوات البريطانية بالانسحاب، مما دفع الثوار بمتابعتها فوقعت بين نارين لكنها تمكنت في النهاية من فتح طريق لها الى الحلة، بعد ان تكبدت خسائر جسيمة. وعدت تلك المعركة من المعارك المؤثرة جدا في نفوس البريطانيين، او هي (فاجعة) كما اسماها (المرهولدن) القائد العسكري البريطاني العام في العراق لأنها أوقعت فيهم خسائر قدرها بنحو 20 قتيلا على وفق تقديرات البريطانيين (1)، فيما قدرهـا (أرنولد ولسن) وكيل الحاكم الملكي العـام" 180 قتيلا، وستين جريحا و حوالي160 أخذوا أسرى، مع خسائر جسيمة في وسائط النقل – العربات والحيونات"، الا ان المصادر العراقية فقد قدرتها بعض المصادر بما يزيد على (800) ألف بين قتيل وجريح، او اكثر (2)، ومصادر أخرى ربما بالغت أكثر من ذلك حين قدرتها بعدد يزيد عن الألف قتيل فضلا عن الخسائر المادية (3)، التي كان من بينها مدفع شد بالبغال الى مركز قيادة في الكفل، وهم يهتفون باهزوجه، تخاطب الشيخ عبد الواحد الحاج سكر بالقول: ((جبنالك مدفع يا هيبة))، فيمـا قدرت خسائر الثوار في تلك المعركة، بـ(24) شهيـدا و (158) جريحا(4)، ونحن نعتقد ان تلك الأرقام، فيها قدر من المبالغة من قبل الطرفين لتقليل خسائره وتضخيم خسائر عدوه، وبصرف النظر عن خسائر الطرفين الوطني العراقي والمحتل البريطاني، تؤشر تلك المعركة، واقعة وطنية كبيرة في تاريخ العراق المعاصر، اعترف بها أعداء العراق قبل غيرهم.

وكان من نتائج الانتصار في تلك المعركة جلاء المحتلين للجلاء من مناطق عديدة في الفرات الأوسط من مثل (المسيب والهندية) فضلا عن التحاق عشائر الدغارة وعفك بالثورة.

معركة مدينة الحلة

شجعت انتصارات الثوار في معركة الرارنجية المضي في تحرير بقية المناطق المجاورة لها، فتقدمت العشائر الثائرة نحو نهر الطهمازية الذي يبعد عن من مدينة الحلة مسافة أقل من خمسة كيلو مترات، فكان ذلك مدعاة قلق ساور القوات البريطانية في الحلة، فاتخذت جملة إجراءات عسكرية تأمن لها الحماية، فانتشرت على رصيف النهر في المدينة، ومحطتي القطار والطيران، وقيدت حرية السكان في المدينة من خلال منع التجوال بعد المساء، وفي تلك الأثناء استطاعت قبيلة بني حسن بتحرير منطقة طويريج (الهندية)، بدون مقاومة، كما اتجهت القبائل الثائرة، بقيادة الشيوخ (سماوي الجلوب وعبادي الحسين وعمران الحاج سعدون) لتحرير مدينة (سدة الهندية) بدون مقاومة أيضا، بعد ذلك توزعت العشائر الثائرة في المنطقة (بنو حسن وكر لتطويق مركز مدينة الحلة من مختلف الجهات المحيطة به وكريط وال يسار وال فتلة وال ابراهيم وال طفيل والمراشدة) يضاف لها عشائر (الشامية وخفاجة).

وفي ليلة 30/31 تموز 1920 قامت العشائر المحيطة بالمدينة بأدوارها في الهجوم وبدأ الهجوم على الحلة من الجهة الغربية والجنوبية وكان هجوم الثوار هجوما ضاريا ابدوا فيه بسالة مذهلة وقدموا فيه من التضحيات الشيء الكثير واشتهرت في ذلك الهجوم، عشيرة طفيل لما أبدته من استماتة منقطعة النظير، وكانت في مقدمة المهاجمين وصارت تحتل شارعا شارعا وبيتا بيتا وترفع اعلامها فوق سطوح الدار وظلت تقاتل بضراوة حتى بعد انسحاب العشائر الأخرى من البلدة، بعد ان تحمل الثوار خسائر كبيرة في تلك المعركة، وكذلك الهجوم الذي تعرض له الثوار من خلال قصف الطائرات البريطانية لقوات الثوار المنسحبة في منطقة الطهمازية، وكانت تلك المعركة نكسة حقيقية منيت بها الثورة، وشغلت بال السيد الشيرازي كثيرا.

اما الجبهة الشمالية فقد تقدم عشائر بني حسن أتباع عمران الحاج سعدون مع عشائر كريط وآل يسار سبقت غيرها من جبهات القتال بساعة ونصف، فوجدت نفسها تحارب في جهة واحدة، مع ذلك لم تفتر عزيمتها الا انها تكبدت خسائر جسيمة في الأنفس لذا صدّ الهجوم الذي قام به الثوار وأجبرت العشائر على الخروج من البلدة.

وفي الجبهة الشرقية كان منالمقرر ان تقوم عشائر البو سلطان بالهجوم الا ان الوضع لدى البو سلطان قد تغير من دون إشعار لقادة الانتفاضة، اذ وصلهم خبر وصول القوة المنسحبة من الديوانية في القطار فتأخروا لملاقاتها، ربما لان المخبر قد اخبرهم ان القوة المذكورة صارت قريبة منهم، ومع ذلك فان الشيخ شخير قد انضم الى الثورة واخلص لها، وعندما اعد الثوار خطة الهجوم على الحلة أنيطت بالشيخ شخير قيادتها ومهاجمة الحلة من الجانب الشرقي، ولكنه لم يوفق في هجومه لان الشيخ عداي الجريان وعمران الزنبور وقفا في طريقه.

رافق جماعة من الثوار الحاج صلال الموح لطلب النجدة من العشائر التي تخلفت عن الثورة، فمروا بعشيرة المعامرة والبو موسى والعزّة فانضموا الى الثوار. وأوكلت لهم مراقبة السكة الحديدية غربي الحلة والقيام بقلعها لئلا ينسحب العدو الى بغداد، وفعلا قاموا بواجبهم خير قيام. وعندما جاءت قوات من البريطانيين من مدينة الحلة لحرق دار الشيخ هزّاع المحيمد شيخ عشائر المعامرة تصدت لها قوات الثوار وردتهم خائبين.

عن بحث (دور الحليين في الثورة) مجلة مركز بابل للدراسات الانسانية.