ذكريات عن سينمات بغداد ايام زمان

ذكريات عن سينمات بغداد ايام زمان

كمال لطيف سالم

في يوم الثلاثاء الموافق 5/9/1911 وبرعاية والي بغداد (احمد جمال بيك) وبعد غروب الشمس تم أول عرض سينمائي صامت على ساحة البستان وبجانبها لوحة بيضاء صغيرة تظهر عليها كتابة توضح حركة القطار أو تشيع جنازة ملك انجلترا ادوارد السابع، وكانت جريدة (صدى بابل) البغدادية، الصحيفة السباقة لدعوة الناس للتمتع بالسينما،

نشرت بعددها الصادر يوم 10/9 /1911 وهي تحث أهالي بغداد للتمتع بهذه الظاهرة التي جاءت بها سينما توغراف، التي تسببت في هجرة (بني آوى) من بستان العوينة ولم تعد تعوي ليلاَ!

وتهافت اهالي العراق لمشاهدة العروض السينمائية، ومثلما دارت عجلات قطار بغداد - البصرة، لنقل الناس لرؤية هذه الظاهرة (البدعة الحلوة المسلية) فقد تهافت رجال المال على استيراد هذه البضاعة المدرة للأرباح، والتي لم يعهدها سكان وادي الرافدين من قبل حيث ظهرت على أثرها حركة بناء دوراَعديدة للعروض السينمائية،حسب مواصفات عالمية.

ابتدأ من عام 1914،وقبل اشتعال الحرب العالمية الأولى شيدت سينما رويال وبدأت تستورد الأفلام السينمائية وتعرضها في صالة عرض لائقة ومريحة بجانب شاشة العرض الكبيرة. ووضعت شاشة صغيرة تشرح للمتفرج حركة الممثل حيث كانت العروض صامتة!!ودخل في قلوب العراقيين صغارا وكبارا الفنان العالمي شارلي شابلن بحركاته الضاحكة.وكذلك عشق الناس حركات ميكي ماوس المسلية.وخلال هذه المرحلة وبعد سقوط بغداد تحت سنابك الخيول البريطانية في 11/3/ 1917

دخلت الكهرباء مع دخول الجيوش البريطانية الجرارة.

وخلال السنوات 1920 -1928 شيد العديد من دور العرض وكان ممولوها رجال التجارة من المواطنين اليهود.

ازداد عدد دور السينما في عشرينات ذاك القرن بعد ان وجد اصحاب الاموال اقبال الجمهور عليها، فانشأوا العديد منها. وحسب مايذكر المؤرخان عباس بغدادي وفخري الزبيدي وغيرهما فان دار السينما ‘العراقي’ كانت في الميدان، و’رويال سينما’ في محلة بابا الاغا على الشارع الجديد فيما كانت ‘سنترال سينما’ في محلة العمار قرب تكية البدوي في رأس جسر مود مقابل محلات حافظ القاضي، ثم ‘سينما اولمبيا’ في محلة المربعة، ثم ‘السينما الوطني في محلة سيد سلطان علي وكلها تقريبا تطل على الجادة الجديدة (شارع الرشيد فيما بعد)، لكن رويال سينما كانت افخم هذه الدور من ناحية اناقة الصالة وآثاثها. فيما كانت دار السينما ‘العراقي’ في الميدان لاترتادها الطبقة المتوسطة في بغداد لانها تقع في الميدان قرب باب المعظم حيث يوجد هناك ‘المنزول’ اي المبغى العام والذي تكثر في محيطة الملاهي والمقاهي الشعبية.

وسينما العراق التي في محلة الميدان...افتتحت عام 1922 و تنوعت فيها وسائل الطرب واللهو والمتعة، وكان فيلم الافتتاح يصور انتصار الاميرال نلسون على اسطول الامبراطور نابليون بونابرت، وظهر خبر في الجرايد انذاك عن يوم الافتتاح يقول:

‘يفتتح قريبا في محلة الميدان سينما جديد، انشئ على احدث طرازتعرض فيه الشرائط الفاخرة من الدرجة الاولى فقط! وسيعرض في يوم الافتتاح شريط يمثل واقعة بحرية تاريخية عظيمة اشتهر فيها الاميرال نلسون بتدمير اسطول الانبراطور نابليون بونابرت وقضى بذلك على آمال هذا الانبراطور العظيم، ان هذا الشريط كلف صنعه75000 الف ليرة انكليزية وقد علمنا ان هذه السينما سعت في ترجمة شرح وقائع الروايات في العربية واضافتها الى الشريط بحيث ان المشاهد يقرأ شرح كل حادثة من حوادث الرواية في الشريط عينه بلغته فيتمكن بذلك من تتبع الحوادث وفهمها بغير عناء، والحق انه لسعي جميل يشكر و قد كان اعلانا مهما ذاك الذي ظهر في الصحف عام 1927 الذي يقول: ‘ان السينما الوطني خصص اماكن خاصة للنساء في صالة السينما ليشاهدن الافلام’. واعتبر هذا الاعلان من قبل الجمهور النسائي البغدادي بمثابة نافذة انفتحت بوجوه النساء، بعد ان كان محرما عليهن الذهاب للسينما. كما ان الاختلاط لم يكن مباحا كما هو عليه الآن في دور السينما وصالات المسارح او الاماكن العامة، ماعدا اماكن تخص علية القوم من المسؤولين البريطانيين والعراقيين حيث كانت هذه الطبقة الخاصة تقيم احتفالاتها في نواديها وقصورها وفللها الخاصة ولا يوجد بينها مايمنع الاختلاط بين الجنسين.

لقد شهدت السنوات العشر بين عامي 1920 و1930 تطورا اجتماعيا لمصلحة المرأة فالنظام الملكي العلماني شجع تعليم المرأة وتجاوز الضغوط التي كان يمارسها التيار الديني الاسلامي المتشدد آنذاك والذي كان يحرم المرأة حتى من حقها في التعليم.

يتحدث مؤرخو تلك الفترة ومنهم عباس بغدادي عن حياة السينما في بغداد في مطلع العشرينات عن اشهر مروجي افلام السينما للجمهور انذاك وهو (عباس حلاوي) الذي كان يعمل مروج دعاية لسنترال سينما في الشارع الجديد (شارع الرشيد)، كان الجمهور البغدادي يعرفه من عبارته الشهيرة (الليلة عندنا تبديل) اي سنعرض فيلما جديدا. كان يردد هذه العبارة على مسامع الناس ان كان راكبا عربة الربل ووراءه الاطفال يرددون عباراته او كان سائحا بين المقاهي يروج للافلام التي يعرضها سنترال سينما او واقفا على باب السينما هو وصاحبه (حسقيل ابو البالطوات)(البالطو هو المعطف) وكلاهما يحثان جمهور المارة على ارتياد السينما لمشاهدة احدث الافلام، يناديان بصوت عال:

يالله عيوني لايفوتك الفيلم.. الليلة عندنا تبديل... اربعة مناظر.. ستة ادي بولو.. اثنان طرزان.. اثنان جاكي كوكان.. يالله لاتفوتك!!’

وفي سنة 1928 وصلت للعراق الأفلام السينمائية الناطقة، فودع أصحاب دور السينما الافلام الصامتة، وتم استيراد أجهزة الصوت، فكانت سينما سنترال - الرافد ين - السباقة في هذا المضار،

وأخذت تستورد وتعرض الأفلام الناطقة ابتدأ من مساء يوم الاثنين 20/4/1931

ودخل العراق الفيلم المصري الغنائي. وقد حذت حذوها سينما الوطني وسينما رويال وسينما ليالي الصفا في منطقة الميدان،وودعت الفيلم السينمائي الصامت نهائياَ.وشيدت سينما الزوراء في محلة المربعة، وسينما الحمراء- عصام شريف إخوان - وسينما الرشيد في محلة العبخانة.

وتم عرض فيلم ((أولاد الذوات))في سينما الوطني وهو من بطولة يوسف وهبي وأمينة رزق ودولت ابيض وغيرهم سنة 1932،وعرضت سينما رويال فيلم (سلمى) وسينما سنترال أفلاما غنائية - عربية وهندية.

وفي يوم 6/12/1934 عرضت سينما الوطني فيلم الوردة البيضاء من بطولة المطرب محمد عبد الوهاب وسميرة خلوصي، بينما عرضت سينما الزوراء فيلم ((أنشودة الفؤاد)) من بطولة المطربة نادرة والملحن زكريا أحمد حيث تدور أحداث الفيلم في العراق!

وقد وضع أصحاب السينما لافته في باب السينما خطت عليها جملة: ((في هذا الفيلم تنشد المطربة نادرة اغنية ((يقولون ليلى في العراق مريضة))! إذ سرعان ما تهافت سكان بغداد والمحافظات لمشاهدة الفيلم

وهو مأخوذ عن قصة الكاتب المصري

د. زكي مبارك كتبها عندما كان في العراق هو والأستاذ ساطع ألحصري وأخوة لهم ليؤسسوا نظاماً تعليمياً في العراق بداية تأسيس الدولة العراقية عندما دخل العراق عصبة الأمم المتحدة في 3/10/1932 حيث انزل في هذا اليوم العلم البريطاني ورفع العلم العراقي ذي الألوان الزاهية،

وصدح في سوح المدارس النشيد الوطني العراقي لأول مرة 0 وابتدأت الأفلام الغنائية والكوميدية تغزو دور السينما التي تدر الإرباح على أصحابها الربح أكثر من تجارة الشب والتمور00!

ومن بين أفلام الموجة الناطقة هذه، كانت أفلام محمد عبد الوهاب الوردة البيضاء ودموع الحب، يحيا الحب، ممنوع الحب، يوم سعيد، ولست ملاكاً الخ..وسحر الناس بصوت (أم كلثوم) وهي تشدو في أفلام: وداد- نشيد الأمل دنانير عائدة. وجدير بالذكر إن الناس عندما شاهدوا فيلم دنانير وهو فيلم تاريخي تدور إحداثه في العراق في عصر هارون الرشيد وأكثر أغانيه عن بغداد: بغداد يادار السلام الخ فقد اشتد عليه الزحام من سكان بغداد والمحافظات وسجل عرضه في دور العرض شهورا واستمرت أفلام أم كلثوم تلاقي النجاح في العراق وعمت المحافظات ظاهرة إنشاء دور للسينما.

وفي عام 1945 جازفت عائلة سودائي وأنشأت ستوديو بغداد للإنتاج السينمائي فكان باكورة إنتاجها الفيـلم العراقي الخالد ((عليا وعصام)) عن قصة الكاتب العراقي أنور شاؤل وقد جسد البطولة فيه كل من إبراهيم جلال وسليمة مراد وعزيمة توفيق واعتدال يوسف وأحلام إبراهيم والفنان عبد الله العزاوي وآخرون وقام بهندسة الصوت عبد الخالق السامرائي وجمع هذا الفيلم نخبة من أصحاب المواهب الفنية ومعذرة للذين لم تحضرني أسمائهم.

وفي عام 1946 تم انتاج فيلم (ابن الشرق) لعادل جلال وجاء المخرج احمد بدر خان للعراق عام 1947 واجري مباحثات فنية مع أصحاب دور العرض. وعاد للقاهرة ومعه عددا من اصحاب المواهب الفنية من العراقيين، وبعد شهور عاد ومعهم فليم القاهرة بغداد.

وهو فيلم تدور إحداثه بين القاهرة وبغداد عرض يوم 9/3/1947 في عدد من دور العرض في آن واحد فقد عرض في سينما الحمراء وسينما الارضروملي، وسينما النصر.

ويعتبر هذا الفيلم الوحيد الذي يعرض في ثلاث دور عرض في آن واحد. وخطت أسماء نجوم الفيلم بحروف كبيرة في صحافة بغداد مثل فنان العراق الأستاذ حقي ألشبلي ومديحه يسري والأستاذ جعفر السعدي والأستاذ فوزي محسن الأمين والأستاذ عبد الله العزاوي ومطرب الريف حضيري أبو عزيز.

وفي نفس العام 1947 تصاعدت حركة الإنتاج السينمائي وظهرت أفلام عراقية عديدة استندت على تمويل بعض رجال السينما مثل حبيب الملاك فكانت أفلام سريعة الإنتاج مثل مشروع زواج، بصره ساعة 11،ورده وبدر، ارحموني، أدبته الحياة الخ...

لكن هناك أفلام عالية المستوى ظهرت مثل (أبن الشرق) بطولة عادل جلال وآخرون وبرز على رأس المخرجين المخرج كاميران شفيق حسني خريج المعاهد الأميركية الذي اخرج فيلم (سعيد أفندي) الذي جسد البطولة فيه كل من الفنان المسرحي يوسف العاني وسيدة الشاشة المرحومة زينب وآخرون

وتبع ذلك الإنتاج الواقعي فيلم (من المسؤول) قصة ادمون صبري وبطولة الفنان سامي عبد الحميد والسيدة ناهدة الرماح وفخري الزبيدي وعرض في سينما الحمراء عام 1958 واتسعت دائرة الأفلام العراقية أنتاجا فنيا مخلصا وتضحية.