الاديب الخليلي يناجى أمه

الاديب الخليلي يناجى أمه

من ذكريات الاديب النجفي البغدادي عبد الغني الخليلي حفظنا الكثير، بعضه مما نشره في كتابه (سلاما ياغريب) والكثير مما رواه لنا، فقد كان يعاني آلام البعد عن الوطن.

بعد تهجيره من بغداد الى ايران في ثمانينات القرن الماضي، استطاع الانتقال الى السويد وسكن العاصمة ستوكهولم.

كنت ازوره لماما ونتحدث بالهاتف احيانا، سلمني بعض اوراقه ومراسلاته لتكون بعهدتي، ولانشر ما اجده صالحا للنشر.

هذه احدى الرسائل التي كتبها له الخطاط العراقي محمد سعيد الصكار، وهي بالاساس مقالة نشرها الخليلي عن معاناة والدته التي هجرت معه الى ايران وهي سيدة مسنة توفيت في ايران ودفنت هناك وهو يمنيها بنقل رفاتها الى مقبرة وادي السلام في النجف الاشرف كي تنام بين اهلها وابنائها.

عزيزتي أم عبد الغني

عليك سلامُ الله

نامي مطمئنة، لن يطولَ جوارك للشيرازي الحافظ كتاب الله، غداً أحملك الى وادٍ يؤنس فيه وحدتك قصبُ الرعاة، ويعيدك أذانُ الفجرِ المنسابُ عبرَ الرمال من مئذنة الامام الذهبية الى مدينتك الموشحة بابتهالات المصلين وبنداءات الديكة.

لن يوحشك فيه غيابُ الشاعر، إنه يسكن ذاكرتك منذ الصبا، ربيعاً يتجدد، وفألاً حسناً، وشوقاً الى نسيم "المصلّى"، وماء " ركن آباد " حيث ينبوع الشعر يتدفق عذباً عميقاً.

اطمئني؛ ستنامين في ظل شجرة السدر العجوز التي غرسها جدك في رملة ذاك الوادي، وكان لك ولأترابك وللعصافير نصيبٌ من ثمرها الحلو الشهي.

غداً يحتضنك وادي السلام، حيث الاهل والجيران، وإخوتي الذين ماتوا وهم صغار، وحيث الفجر يداعبهم بأطيافه الأنيسة، وطيور الصحراء تفرش أجنحتها البيض على قبورهم.

عزيزتي... أسألك، هل زارك أخي علي؟ أم شغله عن زيارتك حزنهُ على بغداد.. وعن أبي، أما زال يهوى الحمامَ والشعر والورد، ويرافق الامام عليا في (نهجه) والمعري في (لزومياته)، والرومي في (مثنوياته)، والامام الشيخ محمد عبده في ثورته على كل قديم بالٍ؟ فلطالما حلا ليله برفقتهم.

عزيزتي... افرحي، جاء نسيم، وهو أول حفيد استقبله وأنا شيخ أضرَّ به البعد عن الوطن.

سيرث نسيم من أهله عشقهم للفرات وللنخيل ولحمام البساتين، ويغني لها.

ولدك عبد الغني الخليلي