من خزين الذاكرة: عبد الغني الخليلي، الشاعر والانسان

من خزين الذاكرة: عبد الغني الخليلي، الشاعر والانسان

د. عبد الاله كمال الدين

مساء الثامن من شباط عام ١٩٦٦ وصلت الى مطار بغداد القديم(مطار المثنى حاليا) قادما من براغ لتفقد الوضع الصحي لوالدي المصاب بالشلل، كنت أتوقع انني ساجابه مشاكل أمنية لصلاتي سابقا بالهيئة العليا للدفاع عن الشعب العراقي التي شكلت في براغ برئاسة الجواهري على اثر انقلاب عبدالسلام عارف والبعثيين وارتكاب الحرس القومي مجازر لم يعرف لها التاريخ مثيلا..

وحدث ما توقعته اذ ابلغني ضابط الجوازات بوجود أمر إلقاء قبض يخصني.. إصابني الوجوم والحزن والحيرة، فجأة جاء ضابط عرفني على نفسه قائلا أنا وليد انور بابان وزوجتي صديقة خطيبتك وقد توقعنا تعرضك لإشكالات فحضرت لمعالجتها. تحدث وليد طويلا مع امن المطار واتفق معهم ان يكفلني ثم أقوم بتسليم نفسي بعد ثلاثة ايام للامن العام..، بعد تفقد والدي ذهبت ووليد للامن العام وسلمت نفسي لهم فنقلوني الى مديرية شرطة الأعظمية في منطقة الكسرة ورموني في التوقيف مع المجرمين والنشاله وسواهم.. كان شقيقي الأكبر خليل يتردد علي باستمرار ليخبرني بجهوده في إخراجي من التوقيف، بعد أسبوع ابلغني انه حكى لصديقه عبد الغني الخليلي الموظف في البنك اللبناني المتحد تفاصيل ما جرى وقد اصطحبه عبد الغني لزيارة تاجر كبير في الشورجة يرتبط بعلاقة مع شخص مقرب من رأس النظام سيحسم موضوع معاناتي في الإحالة الفورية لمحكمة الثورة في معسكر الرشيد، بعد ايام نقلت الى قاعة الانتظار في محكمة الثورة فوجدت القاعة مكتظة بالموقوفين ومعظمهم من البعثيين الذين قبض عليهم عبد السلام في حركته المضادة للحرس القومي.. اقترب مني احد الموقوفين وقدم نفسه. سالم الشكرة(والد فهد الشكرة رئيس الاتحاد الوطني لطلبة العراق بعد ١٩٦٨) معتقدا بانني بعثي،، التزمت الصمت الى ان جاء دوري للوقوف امام رئيس المحكمة نجم الدين عبدالله، شعرت ان وساطة من وعد بمساعدتي قد أخذت سبيلها لهيئة المحكمة اذ أصدرت قرارا بالإفراج عني بكفالة شقيقي خليل والسماح لي بتكملة دراستي والعودة للمحكمة والا سيتم القبض الى الكفيل..

خرجت طليقا وذهبت بصحبة خليل للقاء عبد الغني الخليلي الذي حضنني فرحا ودعاني للغذاء في بيته العامر في حي التشريع قرب قاعة الخلد، بعدها توثقت علاقتي بهذا الانسان النبيل الطيب القلب فدعوته لمشاهدة مسرحية ". الدبخانة" لفرقة ١٤ تموز على قاعة المسرح القومي في كرادة مريم،، كان عبد الغني الخليلي رحمه الله ميسور الحال ومتزوج من ابنة ناجي جواد الساعاتي وتربطه علاقة وطيدة بشاعر العرب الاكبر المرحوم محمد مهدي الجواهري ومن منطلق علاقة الصداقة تلك اشرف عبد الغني الخليلي على بناء دار الجواهري في حي القادسية( متحف الجواهري)، لكن الجواهري زعل بعئذ على عبد الغني وتراجع عن زعله بنشر قصيدة اعتذار بعنوان" ابو الفوارس".

عرف عن عبد الغني الخليلي. الاديب والشاعر والمثقف الواعي صلته بابرز المثقفين من أدباء وشعراء ومؤرخين واكاديميين مرموقين و وقوفه المشرف مع من يطلب مساعدته وقد ذكر لي الصديق الدكتور ماهر الخليلي ان المرحوم سامي عبد الحميد اخبره بانه حين فصل من وظيفته عام ١٩٦٣ لجأ الى عبد الغني ليجد له وظيفة في المصرف فتولى عبد الغني الامر على الفور. حين باشر النظام السابق بترحيل من اطلق عليهم صدام بالتبعية رحل عبد الغني ومعه شقيقه المصرفي علي الخليلي الى ايران وصودر داره وممتلكاته بعدها غادرايران متوجها للسويد ليقيم مع اسرته وفي السويد أمسى صديقا للعراقيين المهاجرين بسبب النظام الدكتاتوري السابق فكان رحمه الله لا يبخل على احد بالمساعدة بحدود قدراته وخلال سنوات في الغربة اصدر كتابه " سلاما يا غريب" بجزأين دون فيه بعضا من العذابات التي مر بها في حياته. توفي عبدالغني في السويد في الخامس عشر من عشرين الثاني ٢٠٠٢ وترك ارثا من الاعمال الخيرة والمواقف الانسانية والثبات على المبدأ. فاستحق التبجيل وذكر طيباته اما من اضر به دون حق فقد رحل ملعونا الى يوم الدين.