أديب القليه جي ذاكرة 97 عاماً من المسرح العراقي

أديب القليه جي ذاكرة 97 عاماً من المسرح العراقي

حسب الله يحيى

كم هو صادق، هذا القليه جي الاديب الذي غادر العراق عام 1979 مع زوجته الفنانة المسرحية الرائدة وداد سالم حاملاً معه حقيبة مملوءة بارشيفه المسرحي الشخصي.. عاملاً طوال السنوات المرة والقاسية عليه بوصفه عراقياً مغترباً.. لايعرف المكان ولا اللسان، لكنه يعرف ان خزينه من الصور والوثائق التي جند نفسه بها، تكفيه لانتاج ثقافي ثر اطلق عليه عنوان: ((97 عاماً من مسيرة المسرح في العراق)).

صدق مؤلف هذا الجهد المهم يكمن في عنايته برصد (97 عاماً) هو الزمن الذي يعرفه والممتد من (عام التأسيس 1882 لغاية عام 1979) العام الذي غادر فيه العراق متوجهاً الى بلدان يجهل امرها، مستقراً في صوفيا.. مصدراً كتابه هناك.

اديب القليه جي، كان يعمل مصوراً شعاعياً، يدر عليه قوته وعياله.. بعد ان كان قد هاجر من مدينته الموصل، مستقراً في بغداد، مساهماً فاعلاً في الحياة المسرحية والصحفية فيها، مؤسساً لفرقة مسرح الصداقة التي قدمت باقة ممتازة من المسرحيات التقدمية في السبعينيات..

وبعد ان وجد نفسه ملاحقاً في بغداد، بسبب افكاره الوطنية التقدمية في ظل الحكم الاستبدادي السابق، شد رحاله الى الهجرة.. وانقطعت اخباره، حتى اصبح من الحرج ومن الثقة معاً السؤال عنه وعن وداد ومن اقرب الناس اليه: الرائد المسرحي طه سالم، وشذى وسهى وفائز سالم.. اقاربه من السيدة المبدعة وداد سالم.

لكنه بعد (27) سنة عاد اديب القليه جي مع وداد سالم الى بغداد، باحثاً عن مستقر فيها، وعن مسرح يجدد فيه ما اختزن من تجارب سنوات الغربة والقراءة والمشاهدة المكثفة لعروض ونصوص المسرح العالمي.

غير ان اديباً.. لم يحتمل البقاء في مدينة تطفيء انوارها في مطلع المساء، وفي صباحاتها يسمع انين الجرحى وصمت القتلى ونداءات الاستغاثة.. لذلك عاد من حيث جاء.

الا انه من قبل ومن بعد، لم ينصرف الى الكسل، بل جمع كل سنوات الغربة من اجل انجاز كتابه الاثير هذا: ((97 عاماً من مسيرة المسرح في العراق)).

الكتاب / المجلد (413) صفحة، لا يقرأ.. لكي يستقر بعدئذ بين زملائه من الكتب الرصينة، فهذه المسيرة المسرحية التي جمعها اديب القليه جي في صفحات هذا الكتاب، تعد مرجعاً للدارسين، ووثيقة مهمة معنية بالمسرح العراقي على مدى (97 عاما) رصدها المؤلف بدقة وحرص ومصداقية عالية، حتى غدا هذا الانجاز الى جانب ما حققه كل من الفنان سامي عبد الحميد من سفر شامل لهذه المسيرة، والى ماتركه الفنان الراحل احمد فياض المفرجي من ارشيف قيم لايمكن اغفاله او التنكر له، مثلما نعد منجز الناقد المسرحي الراحل: علي مزاحم عباس منجزاً له اهميته كذلك..

من هنا نعد كتاب اديب القليه جي، كتاب ذاكرة يقظة للمسرح العراقي الذي اطفئت اضواؤه، الا بقدر ماتمنحه المؤسسة الرسمية من عروض خجولة تقدم ليوم واحد في المسرح الوطني او منتدى المسرح لجمهور محدود من المتخصصين.

في حين تصبح (97) سنة في ذمة الماضي المسرحي الذي اسدل ستارته منذ اعوام، ولا امل في يقظته الا بتغيير عقول مازالت تنظر الى وجوده بغضب رافض والى حركته بوصفها تشابيه محرمة!!

مسيرة القليه جي عبر هذا الكتاب اذن.. تسعف الموقف الراهن وهو يحول دون حضور الفن المسرحي في حياة مشاهديه.. الذين غيبتهم – المسرح والجمهور – قوى، لاتقوى الا على تغييب العقل وقتل الاحساس بكل قيم الجمال.. في وقت يظل هذا الكتاب مع كتب اخرى.. شهوداً حقيقية لمعطيات العراق المسرحي يوم كان يضيء دروب الناس، ويشكل حضوره منهم ومن خلالهم.. واليهم كذلك، فهل تظل تلك (المسيرة) في ضمير الذاكرة فعلاً؟