عبدالرزاق خلف الطائي
يعد فهمي المدرس واحدا من ابرز رجالات النهضة العربية والفكر العربي الحديث ـ حسب رؤية الأستاذ يوسف عزالدين الذي خّصه بمجلد كبيرعن حياته وتفكيره. كما يقف في طليعة كتاب المقالة في العراق وقبل التطرق الى أسلوبه في كتابة المقالة لابد من التطرق إلى السيرة الشخصية والوقوف عند ابرز المحطات التي مرة في حياة المدرس.
ولد فهمي المدرس سنة 1873 في بغداد من آسرة مثقفة فأبوه القاضي الشرعي الشيخ عبد الرحمن بن سليم بن محمد بن أحمد بن الشيخ سليمان الخزرجي الشهير بالمدرس. و كان الشيخ سليمان قد قدم بغداد من الموصل واتخذها مسكنا. نشاء المدرس في بغداد وتتلمذ على يد إعلام عصره فقد ذكر انه درس عند عبدالسلام وبهاء الحق وعبدالرحمن القره طاغي واسماعيل الموصلي ومحمود شكري الألوسي وغيرهم. كما درس الخط والتجويد على يد اخيه جميل المدرس.
وقد عرف عن فهمي المدرس جودة في الإنشاء والكتابة والخط وعند بلوغه 21 من العمر درس وخطب في المساجد وقام بشرح ايات القران الكريم في جامع الوزير. وفي هذه الفترة عين الأستاذ المدرس مديرا لمطبعة الولاية في بغداد مع تحرير قسمي التركي والعربي في جريدة الزوراء. كما درس في المدرسة الإعدادية اللغات الثلاث العربية والتركية والفارسية فضلا عن إعمال أخرى منها الكتابة في قلم المكتوبجي( السكرتير العام للولاية) وعضوية مجلس المعارف مجلس إصلاح المدرس الرسمية في بغداد وملحقاتها.
سافر إلى الأستانة( اسطنبول حاليا) وبدأ هناك في الاتصال والاحتكاك مع الجمهور مباشرا حيث كان يخطب في المساجد كلما سنحت له الفرصة ونتيجة لخطبة المنددة بالاستبداد والوشايات حجر عليه هناك ثم نفاه السلطان عبد الحميد إلى جزيرة رودس ثم عفا عنه وأعاده إلى بغداد ثم رجع إلى الآستانة وبدأ في التدريس في جامعة استانبول مادة تاريخ الأدب العربي حيث كانت له شخصية قوية تترك جميل الأثر في نفوس الطلاب إذ كان واسع الثقافة محيط بجوانب المعرفة فقد خاض في مواضيع متنوعة دلت على قابليات متسعة. عندما كان المدرس في الأستانة تشكلت في سوريا الحكومة العربية ونودي بالأمير فيصل بن الشريف حسين ملكا على سوريا فدعا الأمير فيصل الأستاذ فهمي المدرس للمساهما في بناء مؤسسات الدولة الجديدة وقد أسرع الأستاذ المدرس بتلبية الدعوة ومكث فترة في الشام ثم سافر إلى أوربا ضمن الوفد السوري المسافر إلى باريس وقد قضى المدرس سنة ونصف متنقلاً بين باريس ولندن ومدريد وقد أثرت هذه الفترة القصيرة في حياته بعد ما استفاد من جامعات أكسفورد و كمبرج والسربون إذ اطلع على أنظمتها الاطلاع العميق.
وبعد إن قضي على حكم الملك فيصل في دمشق وأصبح عام 1921 ملكا على العراق رجع الأستاذ المدرس من أوربا إلى بغداد عينه الملك فيصل رئيس الأمناء في البلاط الملكي الذي لم يكمل فيه سنة بسب قوة شخصيته والحضور الطاغي الذي كان يمتلكه اجتمع عليه عدد من الأعداء هم كل من الانكليز الذي وجدو فيه مناوئا قويا يفضح خططهم فضلا عن منتفعين وطامعين في الاستحواذ على المناصب خافوا من قوة شخصيته وصلته الوثيقة بالملك وبسبب هذه الأجواء انقطعت صلة الأستاذ المدرس من البلاط في أيلول 1922. اصدر الملك فيصل إرادة ملكي بتأسيس جامعة آل البيت في العراق، فتألفت في يوم 11 كانون الثاني / يناير 1922 هيئة تأسيسية من رجالات عراقيين ومن خبراء أجانب فنيين وكانت برئاسة الأستاذ محمد علي فاضل أفندي وزير الاوقاف وعضوية كل من المستر كوك مستشار وزارة الأوقاف والميجر ويلسن مدير الأشغال العامة وصالح الملي رئيس مجلس وزارة الأوقاف وحمدي الاعظمي مدير الأوقاف والأستاذ فهمي المدرس. وبعد ان تم افتتاح الجامعة عام 1924 عين الأستاذ فهمي المدرس امينا للجامعة (رئيس الجامعة)(1924_1930) وتقلد ادارة المعارف العامة بعد ذلك بفترة قصيرة واستقال.
عارض الأستاذ المدرس معاهدة العراق مع بريطانياعام1930 فهاجمها وفند بنودها بمقالات كانت الصحف تكني عن اسمه فيها بالكاتب العراقي الكبير حتى صار كالاسم المستعار له ونتيجة لمواقفه السياسية تعّرض للنفي في العام 1931 إلى كويسنجق في شمال العراق رفقة الصحافي المعروف روفائيل بطي. وبعد عودة من المنفى إلى بغداد بقي يزود الصحف بمقالاته السياسية والثقافية والإصلاحية التي عالجت إحداث العراق الداخلية وإحداث العالم فكتب في قضايا السياسة الداخلية والوحدة العربية والوطن العربي، وفلسطين، التعليم، والمجتمع، وقضايا الشعب بصورة عامة والأدب، ولكن أكثر القضايا التي عالجها كانت قضايا السياسة الداخلية وأوضاع العراق بشكل عام، كالمعاهدات والانتداب والاحتلال والبرلمان والوزراء وموقف المعارضة من هذه القضايا. إما أسلوبه في الكتابة فقد تميز بوضوح العبارة والتناسق في الألفاظ والانسجام في التركيب، إذ اختار عباراته والفظه اختيارا موفقا، وكثرت في مقالاته آيات من القران الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، والأمثال العربية، واحتشدت بالأمثلة من التاريخ الإسلامي والأوربي. ولم تفتنه الحوادث المعاصرة وإخبار العالم الغربي التي كان يستفيد منها من قراءاته للجرائد، ولم تفته الاستشهاد من تاريخ الدولة العثمانية واخذ العبرة منها بعد المقارنة بين حودثها وحوادث العراق المعاصر. ومن ملامح أسلوب المدرس الواضحة طريقة(الكاريكاتور) فهو يرسم صورا لاذعة ويصور الإحداث بسخرية جميلة ويصف حوادث الحياة السياسية المعاصرة بتهكم لاذع مرير.