رباعيات جاهين

رباعيات جاهين

عبدالإله عبدالقادر

في البداية لا بد من الاعتراف أن مظفر النواب وصلاح جاهين هما أهم شاعرين نقلا الشعر المحكي إلى مصاف الشعر الفصيح، بل طورا في القصيدة المحكية وأحدثا ثورة ما زال معظم الشعراء الذين يكتبون باللهجة المحكية يعتبرون هذين الشاعرين القدوة.

كلاهما طورا في اللهجة، والأسلوب، والشكل، والمضمون، وكانا مؤثرين في الحياة العامة، سياسية واجتماعية وفكرية وفلسفية، وكلاهما ثائران على أساليب السلطة مثلما ثارا على أساليب الشعر وقوافيه.

وإذا كنا قد خصصنا في وقت سابق زاوية عن مظفر النواب فإنني أجد أن صلاح جاهين في رباعياته قد حقق ما لم يحققه شاعر آخر، ولعلنا في المقارنة مع رباعيات الخيام، ننحاز إلى جاهين وهو الذي عرفناه مبدعاً في الشعر الفصيح، يجمع ما بين عمق اللوحة الكاريكاتيرية، وقصيدته الساخرة المؤثرة التي قد تكون أحياناً صورة كاريكاتيرية.. إن جاهين كان فيلسوف عصره، وحكيم زمانه، وثائر على طريقته الخاصة، رسم ضمائر الشعب العربي وهمومه وأحلامه وأمانيه وكتب ما لم نستطع أن نكتبه أو يقوله غيره عن السلطة التي عاصرها وانتقدها

أنا كل يوم اسمع فلان عذبوه

أسرح في بغداد والجزائر واتوه

وما اعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب

وأعجب من اللي يطيق بعذاب أخوه

عجبي!!

كان يرسمنا جميعاً بريشته، ويتحدث بلساننا كل يوم، ومثل سيزيف يتحمل عبئ الصخرة لوحده.

لوكان في سلام في الأرض وطمأنة وأمن

لو كان مفيش لا فقر ولا خوف ولا جبن

لو يملك الإنسان مصير كل شيء

أنا كنت أجيب للدنيا ميت ألف ابن

وعجبي!!

في رباعيات جاهين نجد أهدافاً وطروحات أوسع وأعمق بكثير مما طرحه الخيام في رباعياته، فجاهين كتب تاريخ عصره من خلال هذه الرباعيات ووضع فيها فلسفته الحياتية ومواقفه السياسية، وتعرية للانتهازيين، وموقفه من الخوف، وطرح عواطفه وأحاسيسه وحنينه وحبه، بل حاول رسم المدينة الفاضلة التي كان يصبو لها جاهين:

عجبتني كلمة من كلام الورق

النور شرق من حروفها وبرق

حبيت اشيلها فـ قلبي قالت حرام

دانا كل قلب دخلت فيه احترق

عجبي!!

لم يحقق جاهين كل مشروعه الحياتي الإبداعي، فقد رهن نفسه للناس الذين عشقوه، بل حتى خصومه كانوا يحبونه، رحل وما زال في فكره وقلمه وريشته خزين لم يتفجر على الرغم من كل ما قدمه من إبداع، كان يعتبر نفسه عابر سبيل في هذه الحياة التي تركها في 21 أبريل عام 1986، مخلفاً أرثاً إبداعياً قد يستغرق الباحثون سنين قبل أن يكتشفوا كل كنوز الإبداع عند صلاح جاهين.