جعفر اغا لقلق زاده الممثل الإرتجالي الفطري

جعفر اغا لقلق زاده الممثل الإرتجالي الفطري

وليد الصكر

جعفر اغا لقلق زاده ممثل إرتجالي كوميدي بالفطرة، أثرى المسرح العراقي بما يعرف بالفن الاخباري.

ولادته

ليس لدينا معلومات كافية عن حياة هذا الفنان، كل مانعرفه إنه ولد في أواخر القرن التاسع عشر، اما نشأته الأولى فالمعلومات عنها ايضا قليلة وغير واضحة، وحتى أسمه الحقيقي غير متأكدين منه فهل هو كامل عبد المهدي القادم من كربلاء؟ أم جعفر القزويني؟ ام سلمان الأخباري؟ ام ان له اسما اخر غير هذه الاسماء.

السيرة

جعفر اغا لقلق زاده، هو اكثر الاسماء التي عرف بها في مقاهي بغداد، عاش في صغره في بغداد بين أهالي منطقة الكاظمية، ولكن لم نجد من يؤكد هل هو ولد في الكاظمية، ام ولد في قزوينوجاء محمولاً الى الكاظمية من قبل عائلته التي استقرت فيها قرب ضريح الامام موسى بن جعفر الصادق، جرياً على عادة الايرانيين بالسكن قرب تلك المقامات تبركاً بها، ام جاء وحيداً من دون عائلته وهو في مقتبل العمر من ايران الى الكاظمية في اوائل القرن العشرين لظروف غامضة واستقر فيها. وهناك من ينكر إنتمائه إلى أب معروف أو أصل، إلا انهم يتفقون على إنه عاش طويلاً في الكاظمية، وينحدر من أصول ايرانية، ولم تترك قدسية مدينة الكاظمية واجوائها الدينية اليومية عملياً اي تأثير على شخصيته البوهيمية وسلوكه الأخلاقي الرافض والمناقض لتلك الاجواء القدسية.

التعليم

ليس هناك مايشير الى انه تعلم في المدارس، ولم يرد خبر يؤكد انه دخل في الكتاتيب لتعلم القراءة والكتابة، ولكنه كان يفك الخط بصعوبة، الا انه كان يتكلم اللغات العربية والفارسية والتركية والهندية، التي كانت لغات شائعة في بغداد آنذاك.

العمل

عمل منذ طفولته بحرف مختلفة، واستقر في شبابه على حرفة صناعة الأمشاط الخشبية، مما يدل انه نشأ في وسط فقير ومعوز.

العمل الفني

عندما كان صغيراً استرعت انتباهه فصول الاخباري البغدادي جاسم ابن الحجامة وزميله منصور اللذان كان من سكنة منطقة العوينة، وكانا يعرضان فصلهما منذ اواخر القرن التاسع عشر وحتى قبيل الحرب العالمية الأولى في مقهى الشبانة في محلة الفضل، الا انه اعجب وتأثر بعروض الاخباري وشخصية الهبش التي كان يؤديها راشد بمعاونة زميله الحاج محمود، فلم ينقطع عن مشاهدة عروضهما التي كانت تقدم في بغداد ليلاً، فكان يضطر بعد مشاهدة العروض الى المبيت في خان الجبن فيالكرخ خوفاً من قطاع الطرق الذين يكمنون ليلاٌ في بساتين الكاظمية الكثيرة وعلى جانبي الطريق.

بداية التمثيل

بدأ يقلد حركات وكلمات راشد أفندي في دور الهبش، ويعيده في اليوم التالي امام اصدقائه ومعارفه الذي لمس منهم الاستحسان والاعجاب والتشجيع بما كان يؤديه. وهنا قد بدأ إداء تلك العروض في المناسبات كالافراح الخاصة والأعراس. حيث كان يمتلك موهبة جيدة في اضفاء الروح الحيوية والحركة المرنة والايماءات المعبرة للشخصية التي يمثلها. ولكن مر الفن الأخباري بالأضمحلال وذلك في فترة الحرب الروسية العثمانية واصدار الفرمانات بتجنيد الشباب الاجباري الذي عرف باسم سفر بر، ويبدوا ان التجنيد لم يطاله لكونه من التبعية الايرانية حيث كان التجنيد يقتصر على التبعية العثمانية حصراً. الا ان لقلق زاده حصل على عمل كنادل في نادي الجيش العثماني. ولكن بدايته الفعلية بالتمثيل الاخباري بدأت من هنا، حيث اكتشف موهبته متعهد النادي تولكين خان، ويبدوا من اسمه انه أرمني، فاخضعه للتدريب على يدي إبراهيم سامي وإبراهيم عجمي قطان، ثم اسدى اليه عمل مقدم نمرة (دور) الهبش في المقهى التي يملكها وتعرف بمقهى طويق. وبعد ان ذاع صيته انتقل الى مقهى عزاوي. وبعدها اخذ يقدم فصوله متنقلا بين اكثر من مقهى من مقاهي بغداد في ليلة واحدة، مستصحباً معه فرقته واكسسواراته وخيله وحميره التي يستخدمها في عروضه المختلفة، واصبح اسمه مشهورا ومعروفاً وذاع على كل لسان في العراق. قدم جعفر لقلق زاده اكثر من ثلاثمائة تمثيلية مرتجلة من الفودفيل بعضها قفشات ساخرة للظواهر الاجتماعية السائدة حينها، كالسخرية من تعليم الاطفال على يد الملالي، ودجل وشعوذة المتشبهين برجال الدين ويسمى (فتاح فأل) وانتقاده لكثير من تلك الظواهر السلبية باسلوب ساخر. عمل معه كثير من الفنانين والفنانات في مشواره الطويل منذ اواخر القرن التاسع عشر حتى الخمسينيات من القرن العشرين مثل الفنان حسقيل ابو البالطوات وعباس حلاوي منادي اعلانات السينما في بغداد والممثل الهزلي المعروف صفاء محمد علي وجمعة الشبلي وغيرهم، ومن الممثلات فقد استعان براقصات الملاهي من الشاميات والمصريات والعراقيات امثال رحلو العراطة واختها زكية، وحتى آخرهن عفيفة إسكندر. لقد زار في فترة عزه وثرائه عدد من البلدان المجاورة كاسطنبول والشام ولبنان وشاهد العروض على خشبة ملاهيها وكذلك شاهد علي الكسار وتعرف بشكل مباشر على نجيب الريحاني و بديعة مصابني وتأثر بالريحاني وشخصية كشكش بيك، واداها في عروضه في ملاهي بغداد واشتهر بها اضافة الى شخصية الهبش التي استعارها من معلمه الأول الاخباري راشد أفندي.

النهاية المرة

في السنوات العشرة الاخيرة من حياته بدا الناس ينفضون ويبتعدون عن نمط فنه، الذي يغلب عليه السذاجة، لانه لم يتطور ولم يفكر بالزمن الذي تجاوزه وتجاوز فنه، لقد تغير في ستينيات القرن العشرين ذوق ونظرة الناس الى فنه، اضافة الى ظهور مسرح جديد بعد ثورة 1958م، حيث اخذ يقدم الطلبة وخريجي معهد الفنون الجميلة عروضاً تتماشى مع واقع العراق الجديد، وبذلك قلصت المقاهي والملاهي عروض جعفر لقلق زاده لتراجع الاقبال عليها، ثم تم الاستغناء عنها تماماً بعد أن أصبحت غير مجزية مادياً. ومنذ ستينيات القرن العشرين عاش هذا الفنان وحيداً معدماً، بعد ان تنكر وأنفض عنه اقرب اصدقائه ومعارفه، وعمل لسد الرمق أعمالاً خدمية في الملاهي آخرها حارساً وبواباً في ملهى الخيام، الذي كانت تملكه المطربة لميعة توفيق التي تكفلت برعايته ومصاريفه وإيجار سكنه، وهو عبارة عن غرفة صغيرة في خان بالكاظمية وقيل في الحيدرخانة حتى وفاته بعدما أشتدت عليه امراض الشيخوخة واقعده الشلل عن الحركة في رمضان الموافق لشهر ايلول 1972م.

وفاته

توفي الفنان الكوميدي جعفر أغا لقلق زاده في مستشفى المجيدية عام 1972م، ودفن في مقبرة جامع براثا. ولم يخرج في تشييعه او توديع جنازته اي فنان، ولا حتى اي احد من اصدقائه اللذين كانوا بالمئات ايام ثرائه وسطوع نجمه، كما لم تذكر صحف اليوم التالي اي خبر عن وفاته.