مروان ياسين الدليمي
في العام 1982 تم تقديم العرض المسرحي «نديمكم هذا المساء»أو بعنوانه الفرعي»جعفر لقلق زاده». على خشبة مسرح كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد،وكان النص من تأليف عادل كاظم،وإخراج رياض شهيد الباهلي،ومن إنتاج كلية الفنون الجميلة - قسم المسرح،وألعرض عبارة عن أطروحة تقدم بها الباهلي،لنيل شهادة الماجستير في مادة الأخراج المسرحي.
وقد إضطلع بمهمة تقديم شخصيات العرض كل من الممثلين: محمود أبو العباس(جعفر لقلق زادة)،مروان ياسين(الممثل المعاصر)،إنتصار عبد الجبار(ريجينة خاتون)،إنعام البطاط(جليلة خاتون)،شفيق المهدي(الصحفي نوري ثابت أو حبز بوز)،وممثلون آخرون ساهموا في تقديم العرض،لاتسعفني ذاكرتي في إستحضار أسمائهم.
وجاءت بنية النص الدرامية بمثابة قراءة في حكاية ممثل عراقي، ينتمي إلى هامش المشهد الانساني العام، لكنه كان معروفا في الأوساط البغدادية في النصف الأول من القرن العشرين، وعلى وجه خاص جمهور المقاهي والملاهي ألتي كانت رائجة آنذاك، وقد إعتاد الجمهور (النخبوي) إن صح التعبير في حدود البيئة والفترة الزمنية،أن يتابعه باستمتاع لأن شخصيته كانت تتسم بالظرافة، وسرعة البديهة،إضافة إلى أنه كان يمتلك في إسلوبه شيء خاص به،بما يجعله خفيف الظل على المتلقين،لذا نالت عروضه التي كانت أشبه بمشاهد كوميدية(قفشات، سكتشات،ستاند أب) سمها ماشئت، طالما أنها كانت تجمع في خصائص بنائها الفني،تقنيات الأداء في كل هذه التوصيفات الفنية المعروفة والمشخصة أكاديميا.
ولعل أبرز ما فيها أنها لم تكن تخلو من التعرض للأوضاع والشخصيات العامة بالنقد الممزوج بالسخرية، فكانت مشاهده من حيث الأسلوب أقرب إلى أشعار ألملا عبود الكرخي ومقالات الصحفي نوري ثابت الذي كان قد إختار أسم(حبز بوز) كأسم مستعار في جميع مقالاته الساخرة التي كان ينتق د فيها ساسة وسياسات الحكم الملكي،وقد عاصر لقلق زاده هاتين الشخصيتين.
ونجح الممثل «لقلق زاده» في تقديم نموذج بسيط(فطري) من عروض (الكباريه السياسي) المسرحية،رغم أنه لم يتعلم فن التمثيل في معهد مختص،ولم يتتلمذ على يد من كان له خبرة في الأداء المسرحي، معتمدا بذلك على مشاهداته لبعض العروض التي كانت تقدم خلال فترات متباعدة في تلك الفترة الزمنية، من قبل فرق محلية وأحيانا مصرية كانت تزور العراق.
معالجة درامية
دراما تورجيا النص للمؤلف عادل كاظم قدمت الشخصية المحورية من خلال قراءة درامية للظرف العام المحيط بها خلال السنين الأولى من الحكم الملكي،حيث كانت الدولة العراقية في مقدمات تأسيسها. والعراق في حينه كان يشهد تحولا في بنيته السياسية والأجتماعية، مما كان له أثر كبير على ما شهدته الحياة العامة من توتر ومواجهات بين بعض الشرائح المجتمعية (عشائرية ودينية) مع النظام الجديد وقوى الاحتلال البريطاني ألتي كانت تدعمه وتحكم البلاد. ويقترب النص في بنائه الفني من ملامسة كواليس الأحداث السياسية وتداعياتها على المجتمع العراقي، عبر التركيز على شخصية الممثل جعفر لقلق زادة.
والرؤية الفنية ألتي لجأ إليها المؤلف عادل كاظم إرتكزت على إبتكار لقاء مفترض بين ممثل معاصر والممثل لقلق زاده، ومن خلال هذا اللقاء، الذي تتباين فيه الرؤى للحياة والفن، يتم استدعاء ذاكرة الماضي(ذاتيا وموضوعيا) وفي هذا الإستدعاء إعتمد كاظم على تقنيات البناء المشهدي البريختي،حيث توقف عند أبرز المحطات العامة ألتي كان لها حضور مؤثر في ذات الشخصية.
ونال العرض تقديرا واهتماما من قبل المسرحيين العراقيين أثناء تقديمه، ويمكن عده واحدا من العروض الجميلة ألتي شهدتها كلية الفنون في ثمانينات القرن الماضي، وحفل بمتابعة كبيرة من الجمهور، مما إستدعى تمديد فترة عرضه لتتجاوز المدة ألزمنية التي كانت قد خصصتها عمادة كلية الفنون الجميلة. وبعد عدة أشهر من انتهاء العرض، وأثناء العطلة الصيفية تلقينا نحن الممثلين دعوة من المخرج رياض شهيد، وقدمنا العرض مرة أخرى على خشبة مسرح بغداد الكائن في أحد أزقة شارع السعدون وكان المبنى مقرا لفرقة مسرح الفن الحديث، وبسبب إعتذار بعض الممثلين عن المشاركة في العرض الثاني،حل الممثل «كنعان علي» بدلا عن محمود ابو العباس، والممثل «عامر جهاد « بدلا عن شفيق المهدي، وبقيت أنا محتفظا بشخصية الممثل المعاصر، لأنني أثناء دراستي في بغداد،كنت قد اتخذت قرارا بالبقاء في العاصمة والإقامة في الأقسام الداخلية المخصصة للطلبة خلال فترة العطلة الصيفية،وعدم العودة إلى الموصل أغلب سنوات دراستي في كلية الفنون الجميلة التي كانت مابين الأعوام 1980- 1984وهذا لأنني كنت عازما على أن اتابع ما يجري فيها من أنشطة مسرحية وثقافية، وكانت لي علاقات وثيقة مع مسرحيين وشعراء ومثقفين من جيلي،كان أغلبهم زملائي في الكلية. بعد بضعة سنين أعيد انتاج النص من قبل الفرقة القومية للتمثيل التابعة لدائرة السينما والمسرح، وقدم العرض على خشبة المسرح الوطني، وكان من إخراج محسن العزاوي. وقدم الممثل سامي عبد الحميد شخصية جعفر لقلق زادة، وسامي قفطان شخصية الممثل المعاصر.