عندما أصبح الشريف شرف وصيا على عرش العراق..موقف الملكة عالية من عزل شقيقها الامير عبد الأله

عندما أصبح الشريف شرف وصيا على عرش العراق..موقف الملكة عالية من عزل شقيقها الامير عبد الأله

قاسم حلو الغرابي

لم تخف الملكة عالية عداءها لثورة مايس 1941 ووقوفها ضد العقداء الاربعة في نشاطهم وبسبب حساسية مركزها الدقيق الذي تتمتع به باعتبارها الملكة وتعذر مثولها أمام المحكمة فقد تحدثت الملكة في افادتها التي كتبتها الى اللجنة التحقيقية الخاصة التي تشكلت في ديوان وزارة العدلية غداة فشل حركة الكيلاني وعودة الوصي على العرش الى العراق.

وكانت ميول الملكة وعواطفها ـ كما يبدو من سطور افادتها بخط يدهاـ مع أخيها المعزول الذي آثر اللجوء الى المعسكرات البريطانية، إذ قالت الملكة عالية ما نصه:» كنت في ليلة 1-2 نيسان 1941 , وكان سمو شقيقي في قصره أيضا و في الساعة الواحدة والنصف من بعد منتصف تلك الليلة علمت ان الجيش قد أحاط بقصر شقيقي وان الأخير أضطر لمغادرة قصره الى أحدى الجهات , فأخذت اتحرى عن الجهة التي ذهب اليها فعلمت أنه ذهب الى بيت عمتي الأميرة صالحة , و ساورتني الشكوك في سلامة وصوله واختراقه لنطاق الحصار , أردت أن أتأكد من سلامة وصول سموه فما كان مني الا أن ركبت السيارة التي يقودها نائب العريف هاشم وذهبت الى بيت سمو عمتي الأميرة صالحة ولقد صادفت في طريقي الظواهر الآتية:

وجود سيارة مدرعة على مفرق طريق الفلوجة – كربلاء بقرب جسر الخر وبجانب مركز الشرطة سيارة لوري من سيارات الجيش وبالقرب منها ضابط وبعض الجنود وسيارة مدرعة أخرى على مفرق طريق بغداد، المطار المدني وعددا من الجنود على جهتي الطريق,كما وجدت مانعة السكة الحديدية قاطعة الطريق لمنع المرور فأوقف الجنود سيارتنا واستفسروا من السائق عمن هو في بالسيارة فأجابهم بأنهم ضيوف كانوا في قصر الزهور راجعون الى بيوتهم , وعليه فتحوا لنا الطريق فسرنا الى المحل المقصود وعاد السائق بسيارته , وعلمت منه بعدئذ أنه عندما وصل مفرق طريق السكك الحديدية مسكه الجنود واخذوه الى مقر الجيش في الوشاش.

وعلى كل حال فإن الملكة اهتدت الى مكان اخيها وبعد ساعة اطمئنت على وصول الأمير عبد الإله وأخبرته أن أحداَ لم يمس قصر الزهور بسوء، ولما انجلى الصبح عادت الى قصر الزهور.

وبعد أن تأكد للعقداء الأربعة هروب الوصي عبد الإله اجتمعوا مع رشيد عالي الكيلاني وطه الهاشمي وبعض ضباط الجيش العراقي فشكلوا حكومة الدفاع الوطني للنظر في شؤون البلاد مدة غياب الوصي واجتمعت الكلمة على إسناد رئاسة إلى رشيد عالي الكيلاني بتاريخ 3 نيسان 1941.

وجدت حكومة رشيد عالي الكيلاني إن الخروج من هي الأزمة هي تعيين وصيا جديدا خلفاً لعبد الإله، ولما كان الأخير غادر البلاد وترك واجبات الوصاية وعطل الدستور وهو بهذا يكون قد خلع نفسه بنفسه , والملك مايزال دون السن القانونية فيجب تعيين وصي جديد عليه,وقد إختلفت الأراء في شخصية هذا الوصي وهل يكون عراقي أم حجازي؟فلما إتفقت الأراء على وجوب جعل الوصي حجازي، فاوض الإنقلابيون الشريف حسين ناصر خال الملك غازي وابن عم والده على قبول منصب الوصاية على العرش، ولما رفض تم ابعاده من العراق الى الأردن، و تقرر إيفاد ناجي شوكت الى تركيا لدعوه الأمير(زيد) ونظراً لبعد المسافة وضيق الوقت أختير الشريف شرف للوصاية للصلة التي تربطه بالاسرة الحاكمة، وكلف السيد صفوة باشا العواء مفاوضته، وعندما قبل المنصب تم دعوة البرلمان فألقى فيه رشيد عالي الكيلاني كلمةً استعرض فيها تطور الأحداث في العراق وترك الوصي لواجباته الدستورية،بعدها صادق على تعينه من قبل مجلس الأمه بالإجماع في 10 نيسان 1941..

وأخذ الوصي الجديد يمارس صلاحياته القانونية وأول عمل قام به الوصي الجديد اصدار إرادة ملكية في 12 نيسان 1941 بقبول استقالة الهاشمي وتكليف الكيلاني بتشكيل الوزارة الجديدة (12 نيسان -29 مايس 1941).

واستدعى رشيد عالي الكيلاني البرلمان للتصويت بصورة غير دستورية رغبة منه لخلع الوصي وتعيين عضو غير معروف من العائلة المالكة , وبعد الإنتهاء من تشكيل حكومة الدفاع الوطني قررت هذه الحكومة وصاية الشريف شرف بغياب رئيس المجلس النيابي مولود مخلص الذي ذهب الى تكريت محاولة منه للابتعاد عن مجريات الأحداث , أما محمد الصدر – رئيس مجلس الاعيان- فقد رفض ترأس مجلس الاعيان لوجود وصاية للأمير عبد الاله علية فليس من الصحيح أن يترأس مجلساً يقرر فصله من منصب الوصاية.لذا فقد تم عقد جلسة البرلمان العراقي برئاسة السيد (علوان الياسري) وبحضور 94 نائبا من أصل 108 نائبا أي بغياب 14 نائبا.

أما موقف الملكة عالية من الوصي الجديد فقد كشفته الملكة عند مقابلتها له، إذ حاول (شرف)تقديم احترامه وأخلاصه للاسرة الحاكمة من خلال مقابلة الملكة والملك الصغيرومن ثم استئذانهما بشأن تنصيبه على الوصاية وفعلا توجه الوصي الجديد الى القصر الملكي وطلب مقابلة الملكة و شرح لها اسباب هذه الزيارة , واطلعها على رغبة الشعب العراقي ممثلا بنوابه على ان يتولى الوصاية على العرش , لاسيما وأن العرش قد خلا من الوصاية فحصل في البلاد فراغ دستوري , أوقع حكومة الدفاع الوطني في حرج , وأن هذا الإجراء هو مجرد ترتيبات شكلية مؤقتة، فلما سمعت الملكة عالية هذا الكلام ردته رداً عنيفاً وقاسياً بكلمات جافة لم تراع فيها كبر سنه , رغم أنه أكد لها: «أن هذا الإجراء مؤقت حتى يعود الأمير عبد الإله , وأن الحركة ليست عدائية ضدها أو ضد الأسرة المالكة»، وهذا ما يوكد ان موقف الملكه عاليه حول قضية الوصايه لايقبل النقاش وان تغيير الوصايه بمثابة تنازلها عن العرش لذلك رفضت وصاية الشريف شرف على الرغم من قبوله بالوصايه حسبما ذكر هو:» كان للمحافظة على بقاء نظام الحكم الذي كاد أن يغير لولا قبولي بهذا المنصب، لأن القائمين بتلك الحركة العسكرية الجريئة هل يعتقد ليس عسيراً عليهم تغيير نظام الحكم أو تغيير نظام وراثة العرش، ولهذا أقدمت على هذه الخطوة من أجل المحافظة على ثبات الملوكية وأن واجبي الأول هو ضمان عدم المساس بالبيت الملكي، مع منع تشكيل جمهورية تقصي الملك فيصل الثاني من الحكم.

ويبدو أن الملكة الغاضبة لم تعرأهمية لتوضيحات الشريف شرف وكانت متشددة جدا مع قادة الحركة ومتعاطفة مع تصرفات شقيقها وسلوكه السياسي الذي كان من المفترض ان يمثل ارادتها الحقيقيه في ادارة شؤون الحكم.

وبعد اختيار الشريف شرف وصيا على العرش , قرر صلاح الدين الصباغ الذهاب الى قصر الزهور ومقابلة الملكة عالية ترافقه مجموعة من الحرس , وقد حاول رئيس الديوان الملكي عبد القادر الكيلاني، الذي أدى دور الوسيط للعلاقة الرابطة بينه وبين رشيد عالي الكيلاني جاهداً أن يوضح للملكة مطالبهم قبل ان تتم المقابلة , وبأنهم ليسوا على خلاف مع شقيقها لكن الملكة لم تستجب لرغبتهم.

وجاء في مذكرات الاميرة بديعة عن موقف الملكة عالية مانصه:»عندما تمت المقابلة انزوينا نحن النسوة نسترق السمع منصتين لما يدور بينهما من حوار فلم نفهم اي

شيء مما قالاه إلا انني رأيت اختي تضرب الارض برجلها وتقول إن هذا لن يحصل ابداً ابداً وتركتهم وحدهم».

شدد العقداء الأربعة قبضتهم على السلطة وذلك بتكثيف اجراءتهم من خلال إحاطة قصر الزهور وبقية القصور الملكية بقوات عسكرية وأحكموا السيطرة عليها ولم يسمحوا لأي شخص بالدخول والخروج من القصر كما تم قطع الاتصال الهاتفي عن القصر الملكي ولم يسمح بالدخول إلا لخدم القصر تحت اشرافهم, ومن الجدير بالذكر أن هروب الوصي كان قد أزم الموقف، إذ ظل قادة الجيش في حيرة من أمرهم كونهم يريدون لقاء الوصي عبد الاله والتفاهم معه على صيغة تجنب البلاد من المحنة، إلا أنه عندما شعر بأن الخناق ضاق ولامجال لإعطاء المزيد من التنازلات لهم قرر الهرب وترك البلاد لقادة الجيش يتصرفون بها وفق ما يرغبون الى أن ينجلي الموقف.

عن رسالة (الملكة عالية سيرتها ونشاطها الاجتماعي في العراق 1911-1950).