سلامــــا..

سلامــــا..

محمد مهدي الجواهري

بعنوان “سلاماً إلى أطياف الشهداء الخالدين” نظم الجواهري العظيم بعد الانقلاب الدموي الأسود عام 1963 “بانوراما” شعرية شاملة في استذكار وتخليد اشهيد سلام عادل ورفاقة من شهداء العراق الذين راحوا ضحية الانقلاب الدموي الفاشي في 1963.

سلاماً: وفي يقظتي والمنام ، وفي كلَّ ساعٍ وفي كلِّ عام
تهادَى طيوفُ الهُداةِ الضِّخام، تَطَايحُ هاماً على إثرِ هام
سلاماً: وفي كلِّ ما أستعيدُ، من الذكريات وما أستفيدُ
من العِبرِ المُوحياتِ الدَّوامي، أحسُّ دبيباً لها في عظامي
* * *
سلاماً: ومنذ العُصور الخوالي، مُذ اخضرَّ حقلٌ بسمرِ الغِلال
ومُذ حُكِّمتْ سادة ٌ في الموالي، تنسَّمَتِ الأرضُ ريحَ النضال
زَهَتْ بالشريد رؤوسُ الجِبال، وتاهَ الثَرى بالدماء الغَوالي
ودقَّتْ مساميرُ خجْلى عَطاشى، بكفِّ المسيحِ فطارتْ رَشاشا
بقايا دمٍ للعُصور التوالي، تُخضّب بالمجد هامَ الرجال
* * *
سلاماً: مصابيحَ تلك الفلاةِ، وجمرةَ رملتِها المُصطلاة
سلاماً: على الفكرة المُجتلاة، على صَفوةِ الزمَرِ المُبتَلاة
وُلاةِ النضال ، حتوف الوُلاة، سلاماً: على المؤمنين الغُلاة
سلاماً: على صامدٍ لا يُطالُ، تعلَّمَ كيف تموتُ الرجالُ
* * *
سلاماً: وما أنا راعٍ ذماما، إذا لم أسلِّمْ عليكمْ لِماما
سلاماً: ضريحٌ يُشيعُ السلاما، يعانقُ فيهِ “جمالٌ” “سلاما»
سلاماً: أحبةَ شعبٍ نيامى، إلى يوم يُؤذنُ شعبٌ قياما
* * *
سلاماً: حماةَ الغدِ الهادر ِ، مفاتيحَ مستقبلٍ زاهرِ
سلاماً: على المعدنِ النادرِ، تأبّى على عَصْرِةِ العاصرِ
على تِرةٍ في يَدَيْ واترِ، ويشمخُ كالقائدِ الظافرِ
سلاماً: على جاعلين الحتوفْ، ممرَّ المواكبِ ، جسرَ الزحوفْ
* * *
سلاماً: حماةَ النضالِ العنيدِ، أمنْ جَلْمَدٍ أنتمُ ، أم حديدِ ؟
أغيرَ الجلودِ لكمْ من جُلودِ؟، تصارِعُ هولَ العذابِ الشديد؟؟
أجنتكم أن تصالوا سعيرا، وأن لا تبيعوا لوغدٍ ضميرا
ومن ذلك حزُّ الوريد، سلاماً: شُراةَ الردى بالخلودِ
* * *
حماةَ الحمى: والليالي تعودُ، وخلفَ الشتاءِ ربيعٌ جديدُ
سيورِقُ غصنٌ ، ويخضرُّ عودُ، ويستنهِضُ الجيلَ منكمْ عميدُ
سيَقْدُمُهُ “رائدٌ” إذ يَرودُ ، ويخلِفُ فيهِ أباهُ “سعيدُ»
و”سافرةٌ”ستربِّ النسورا، تُوفِّي “أبا العيس”فيهم نذورا
حماةَ الحمى: ربَّ وعدٍ وعيدْ، سيردى الردى ، وسيبقى الشهيدْ
* * *
حُماةَ الحمى إنَّ جيلاً يفورُ، على مِحوَرٍ من شُموسٍ يَدورُ
يسيرُ ويعرفُ أينَ المَصيرُ، له ألفُ نجمٍ بنجمٍ يَغورُ
سيحرُث أرضاً أباديدَ بُورا، ويُطلِعُ رَوضاً عليها نضيرا
على مثلِها لن تعيش الشُّرورُ، ولكن يعيشُ القمينُ الجديرُ
* * *
حماةَ الديارِ وصاحَ الدمُ، أتعلمُ أم أنت لا تعلمُ
وجاوبهُ الأنكدُ الأشأمُ، أجلْ: أنا ذا ، إنني أعلمُ
بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ، حماةَ الحمى: وبكمْ أقسمُ
بأن سوفَ تعصفُ تلكَ الجروحُ، بجيلٍ يجيءُ، وجيلٍ يروحُ
ونار إزاءهما تَضرمُ، تَنَوّرُ إذ تختفي الأنجمُ
* * *
سلاماً: وما ظلَّ نجمٌ يلوحُ، وما ساقَطَتْ وَرَقَ الدَّوحِ ريحُ
ستبقى رؤوسٌ ضِخامٌ تَطيح، ويبقى يَجُرُّ الجريحَ الجريحُ
وسوف يَظَلُّ يُدوَّي طُموح، لفجرٍ يلوحُ وديكٍ يَصيحُ
سلاماً: وما ضج قَصْفُ الرُّعودِ، فسوفَ تَظَلُّ دماءُ الشهيدِ
تضِجُّ ، وسوفَ يُرَجُّ الضريحُ، ليومٍ يُباحُ به المستبيحُ
سلاماً: وسوفَ تظلُّ الدهورُ، تغطّي سماواتهِنَّ النُّسورُ
وسوف تعِنُّ نجومٌ تنيرُ، عَمِيَّ الدُّجى عن نجومٍ تغورُ