واستراح المحارب العظيم... عمو بابا الأسطورة... نظرة عن قرب

واستراح المحارب العظيم... عمو بابا الأسطورة... نظرة عن قرب

طاهر أبلحد

محارب عظيم، وإنسان، ومواطن مخلص محب لوطنه من الطراز الرفيع، مضحي بمصلحته من أجل الجميع والكثير من التوصيفات التي لا تعبر ولو بقليل عن شيخ المدربين باني مجد العراق الكروي ومؤسس نجاحاته الكابتن ((عمو بابا))،

من لا يحبه ومن لا ينحني أمامه إجلالاً واحتراماً من لا يقبله ويتكلم معه بكلمات صادقة ورقيقة معبراً عن حبه لهذا الصرح الشامخ سواءً كلاعب استثنائي أو كمدرب قدير قاد منتخب العراق إلى المجد في (158) مباراة دولية وهو رقم قياسي لأي مدرب وطني أو أجنبي، أو كإنسان وقف بقوة الحق في وجه أشرس الحكام وتحمل الضغوطات ولم يبارح مركزه ليس لشيء إلا لحب العراق وعشقه لوطنه وأمته وشعبه.

حظيتُ وتشرفت بمرافقة عمو بابا أثناء إقامته في الأردن للعلاج فكان فخراً وشرفاً لي خدمة هذا الإنسان الرائع لأكثر من ستة شهور، فكان مثل الأب والأخ والصديق والمرشد رغم كل الآلام والآهات التي استوطنت جسده بسبب المرض لكن روحه وقلبه وعقله كانت شبابية نابضة بالحياة والعمل، كان يتطلع لنهاية العلاج وخاصة بعد العملية الثانية لبتر أصابع قدمه اليمنى وبعد الخروج من المستشفى فاقداً جزء من جسمه طلب مني الاتصال بإدارة المدرسة الكروية للاطمئنان عليهم ولم يهدأ له بال إلا بعد التأكد من كل التفاصيل التي تضمن سير أمور مدرسة عمو بابا الكروية، وكان يقولها بسعادة (سوف أعود إلى بغداد بعد كل هذا التعب)، فهو قد تعرض لنكسة بعد العملية بربع ساعة وادخل لغرفة الإنعاش بسبب خفقان القلب بشدة ومع ذلك فكره كان في مصير تلاميذه بالمدرسة الكروية.

مرت الأيام في فترة النقاهة سريعة وكلمحة بصر علينا بسبب مفارقة عمو بابا والذي شد الرحال مجدداً إلى بغداد عشقه وحبه فهو يرد على مطالبنا بالبقاء والخلود للراحة بقوله (أنا أتنفس الكرة وإذا لا أتنشق رائحة النجيل في ملعب الشعب والمدرسة الكروية لا أقدر على العيش) بهذه الكلمات ينهي عمو بابا كل المطالب التي تطالبه بالبقاء فهو يقول إن البقاء بعيداً عن العراق هو إعدام بالنسبة له.

عمو بابا... بقدر جديته وعصبيته في الملعب كان حنوناً ورقيقاً وسعيداً خارج الملعب فهو كان يحب ويعتز كثيراً بمكانته بين الجماهير وكان يرددها ويعيدها بسعادة واعتزاز (حب الناس ووفائهم وتقديرهم ملكيتي وحصيلتي في الحياة)، فهو كان مثل المنارة شامخاً بين محبيه يلتفون حوله ويعانقوه بكل حرارة ومحبة في حله وترحاله وكم كان وجهه يتألق وينبض بالحياة عند الكلام مع محبيه فهو كان يشعر بقيمته بين الشعب العراقي بكلماتهم الصادقة والمُحبة له، كان عمو بابا شيخاً للمدربين وشيخاً للشباب فكان مقر إقامته كمضيف كبير يجتمع على طاولته الكثيرين ويبدأ بالمزاح معهم تارة والنقاش حول العراق ووضع الرياضة فيه تارة أخرى وتصوراته المستقبلية للمدرسة الكروية التي كان يعتبرها عصارة جهده وإنجازاته لأنها وبحسب رؤيته سوف تخلق نجوماً من طراز مميز لخدمة الرياضة العراقية، تصوروا إنساناً بهذه الوطنية!!! رغم كل المتاعب الصحية والاقتصادية التي كان يمر بها إلا إنه كان يفكر بمستقبل الرياضة في وطنه بعيداً عن المكاسب الشخصية ووضعه الصعب الذي كان يمر به، وهذه الجلسات الرائعة مع الشباب والأصدقاء كانت تكتمل بزيارة عدد كبيرة من رموز الكرة العراقية والمسؤولين الرياضيين والإعلاميين لشيخ المدربين فكان مقر إقامته محطة التقاء الماضي بالحاضر وكنت بينهم غير مصدق نفسي وكأني في حلم جميل ورائع جالساً بجانب عمو بابا وبرفقة كل هؤلاء النجوم اللذين عاصروا عمو بابا أو تتلمذوا على يده ووصلوا للنجومية عبره.

كان هذا العملاق الشامخ يمتلك رؤية وتحليل للرياضة العراقية وإلى ما ستؤول له الأمور في كل محطة وبصورة غير طبيعية وكأنه كان يرى المستقبل والنتائج قبل حدوثها، فملاحظاته وتحليلاته للأمور الفنية والإدارية كانت صحيحة ومدروسة وهذا نابع من العقلية التي كانت لدى مؤسس النجاح الكروي العراقي والذي يحتفظ بمعظم أرقامه القياسية والتي من الصعب تحطيمها من قبل لاعب أو مدرب أخر.

كان تكريم الشيخ البار باهتاً من قبل الحكومات المتعاقبة لكنه كان حاراً وكبيراً من قبل الجماهير العراقية التي وصفته بكل الأوصاف الرائعة فهو كان نقطة التقاء جميع العراقيين، فلا يختلف اثنان على عبقريته الكروية وإنجازاته الخالدة وهذا كان سبب استمرار الكابتن بالحياة وتمسكه بها فهو يستذكر دخوله لمدينة الصدر والاستقبال الحافل من قبل الأهالي والكلمات التي تلقاها من النساء قبل الرجال والشيوخ قبل الشباب وكذلك زيارتيه إلى الرمادي والبصرة فهذه كانت قمة فخره واعتزازه بمحبة العراقيين له فهو كان يعشق العراق وشعب العراق وتراب العراق.

حتى في أخر أيامه وفي أخر لقاء تلفزيوني قبل وفاته بيومين طالب الجهات الرسمية الاهتمام بالمبدعين الذين خدموا العراق وقال بالحرف الواحد (أنا لا أريد شيء لكن اهتموا باللذين خدموا وضحوا من أجل الوطن) وطالب بضرورة العمل من أجل دعم المدرسة الكروية (مدرسة عمو بابا الكروية) لأنها وبحسب رؤيته هي الرافد الكبير للمنتخبات الوطنية العراقية مستقبلاً، فهو مات وقلبه ينبض بحب العراق ومستقبل العراق.

لقد غادرت الحياة يا أبى سامي لكن جسدك وحبك استوطن في قلب كل العراقيين فطالما أبكيتنا فرحاً بإنجازاتك الكبيرة مع الكرة العراقية ونجاحاتك الرائعة ها أنت تبكينا ألماً وحسرة على فراقك يا من غرزت فينا حب الوطن والتضحية له.

ارقد بسلام فقد جاهدت الجهاد الحسن وأتممت المهمة يا أيها المحارب العظيم حاربت في الميادين لأكثر من نصف قرن من اجل وطنك وشعبك وأورثتنا مجداً كروياً ومدرسة عمو بابا الكروية التي تنبض بالنجوم ليسطروا مجداً جديداً يضاف لمجدك الرائع، صدمتنا برحيلك لكنها الحياة وطريقة سيرها فقد غبت جسداً لكنك بقيت روحاً وتاريخاً وإرثاً وطنياً لكل أبناءك العراقيين.