ناجية مرّاني موسوعة معرفية مندائية

ناجية مرّاني موسوعة معرفية مندائية

فاروق سلوم

حين التقيتها في ثمانينات القرن الماضي في دار ثقافة الأطفال ببغداد كانت تشبه نبع ضوء لاينطفي ، ان في حضورها او في امتلائها الثقافي.حيث عرضت في حوار جميل كل خبرتها التربوية والثقافية والشعرية المميزة.

ناجية غافل المراني بكل روحها العرفانية المندائية والثقافية الرافدينية تمثل في تنوعها المعرفي افقا واسعا من ميادين التخصص والبحث والترجمة والدراسة . لقد اتمت وهي في السابعة عشر دراستها في معهد المعلمات في العمارة ، واشتغلت في مجال التعليم مربية وموجهة قرابة ثلاثة عقود ، وطالباتها في مدينة العمارة وبغداد يذكرن عنها روح المربية والأم المحبة لكل طلابها وطالباتها . وبرغم كل صعوبة انهت الدراسة الأعدادية في بغداد ودرست اللغة الأنكليزية في الجامعة كما واصلت الدراسة الأكاديمية في بيروت لولا الحرب الأهلية اللبنانية التي اضطرتها العودة الى الوطن وتأجيل دراستها الأكاديمية .

لقد انصرفت ناجية المراني الى البحث في الأصول وفي الموضوعات الثقافية والشعرية والتراثية وفي مكانة المرأة في الفنون وسبرت اغوار المصادر في البحث والتقصي عن جوهر المعرفة كما اولت الدراسة في الديانة المندائية بحثا وتأصيلا وريادة لموضوعات معرفية متنوعة كانت المكتبة العراقية والعربية بحاجة اليها .

كان الشعر عند ناجية المراني يرتبط بكل نبض من نشاطها وحيويتها ووجودها ، فهي ابنة مُران الفصيحة كما كانت الخنساء فصيحة اهلها المستبصرة الرائية ، وقد كانت ناجية المراني كذلك ..

كنتُ عصف الريح من ذاك العبير **** كنتُ إلفا عاشقا خدنا سمير

تنتشي روحي بفيض من سرور *****في دمي شوق الى حب كبير

يجمع الدنيا نظيرا لنظير

فهي بتلك الروح المندائية تعلن المحبة طريقا لبلوغ الجوهر الأنساني لمجتمع عريق يحتوي كل الوان الهويات والمعارف والثقافات والعقائد. وكانت هي ذلك النموذج النهريني الموحد لذي يحترف التقارب والسماح والتواصل.

كان كتابها المبكر المهم “ مفاهيم صابئية مندائية “ مدخلا مهما للتعرف الى باحثة عرفانية تكشف لأول مرة عن مفاهيم ونصوص واشارات لواحدة من اقدم ديانات منطقتنا وبلادنا ،الديانة المندائية وتضفي اشارات الى نصوص كتاب الديانة المندائية “ كنزا ربا” وتقدم تعريفات واشارات وكلمات من اللغة القديمة للصابئة المندائيين وصلتها بالآرامية واللغات السامية بشكل منحنا مشهدا معرفيا عجيبا لتلك الديانة التي اتسمت بالأخفاء والسرانية والأبعاد لأسباب دينية وتاريخية معروفة وغير معروفة حتى كشفت لنا ناجية المرانية عن جوهر ديانة طهرانية تمتلي بدعوات الأيمان والحب والتطلع الى النور.

لقد بلغت اصدارات ناجية المراني اكثر من عشرة كتب في الأدب والترجمة والديانات والمعرفة والتاريخ والبحث التراثي والفولكلوري وفي الشعر كانت دائما تمنحنا نفحات قصائدها من خلال النشر او القراءة ، ويأتي ديوانها الذي وصلتني نسخة منه الى بيتي في السويد من الأخ ابراهيم الخميسي ، معبرا عن عرفاني وشكري لأهلنا المندائيين جميعا وال المراني الأعزاء حيث سيظل سجل الرائدات الرافدينيات يكتبُ سيرة النساء الطليعيات واكثرهن بلاغة الشاعرة والباحثة الدكتورة ناجية غافل المراني

انها في ديوانها “ اغاني الخريف “ تواصل دعوتنا الى التطهر والى المحبة بين البشر بوجه الكراهية والفرقة لكي لايتحجر الأحساس والعاطفة ويبرد التآلف بين الناس في بلادنا وفي كل مكان .. تقول في الديوان ؛

انه الحب الذي يحيا

يلمُّ الكون َ في وصل سماوي اذا الطين اندثر

لاتظنوا قلب نيسان عن العشاق ولّى او غدر

فأغرسوا الحب مع الحب الذي ينمو بنا عند الصغر

قبل ان يسري الى بستانكم برد الحجر