كيف بدأت الحياة النيابية في العراق ؟

كيف بدأت الحياة النيابية في العراق ؟

د . حميد حسون العكيلي

بعد إعلان الإنتداب البريطاني على العراق في 25 نيسان عام 1920، ولعوامل عديدة أخرى، اختار العراقيون اسلوب الثورة المسلحة لمقاومة الإنتداب من خلال ثورة العشرين.

بالمقابل، قام البريطانيون باتخاذ التدابير اللازمة لإلهاء العراقيين عن طريق تشكيل لجنة عرفت باسم لجنة الانتخابات العراقية، لمناقشة الأسس التي تقوم عليها انتخابات المؤتمر العام، من خلال دراسة وتعديل قانون انتخابات مجلس المبعوثان العثماني، وقد تألفت اللجنة من جميع النواب السابقين في مجلس المبعوثان العثماني.بالإضافة إلى، أعضاء مجلس الأعيان العثماني السابقين، وقد وضع هؤلاء الركائز الاساسية لتثبيت دعائم حكمهم، لاسيما وأنهم قد أصبحوا هم وذووهم متصدرين للعضوية في مجلس النواب العراقي خلال العهد الملكي.

ومهما يكن من أمر، أكملت لجنة الانتخابات أعمالها، وانجزت النظام الخاص بانتخابات المؤتمر العراقي العام، بعد أن عقدت ثمانية عشر اجتماعاً، ناقشت فيه قانون انتخابات مجلس النواب العثماني، واختارت من مواده الإحدى والسبعين، خمسة وخمسين مادة، لتصبح ضمن مشروع قانون الانتخابات الجديد، الذي سمي بـ «النظام المؤقت لانتخاب المؤتمر العراقي العام», وقد استبدلت الحكومة العراقية المؤقتة اسمه إلى «النظام المؤقت لانتخاب المجلس التأسيسي العراقي».

والثابت، أن سيطرة العوائل والأقارب والأصهار على السلطة التشريعية في العهد الملكي، قد بدأت منذ وقت مبكر، وتجلى ذلك بوضوح في أعمال لجنة الانتخابات العراقية، التي اقترح بعض أعضائها مناقشة موضوع جواز تواجد الأب والأبن والاخوين في مجلس النواب في آن واحد، حيث تصدى ممثلو الأسر بشدة لهذا الاقتراح، وتحدث فؤاد اسماعيل الدفتري، بأنه لا داعي اصلاً لمناقشة هكذا موضوع، وقد أيده في رأيه عبد المجيد الشاوي الذي قال: «ان اجتماع الاب والابن لا يشكل مانعا»، وقد أيدهما جميل صدقي الزهاوي، الأمر الذي أدى إلى عدم طرح الموضوع للنقاش داخل اللجنة، وبالتالي أصبحت المجالس النيابية في العهد الملكي مقتصرة على أفراد تنتمي أغلبها إلى عوائل معروفة.

وبعد تتويج الملك فيصل الأول في 23 آب 1921، توجهت الانظار إلى انتخابات المجلس التأسيسي، وذلك باعتماد الأسلوب غير المباشر في انتخابات أعضائهِ، البالغ عددهم مئة عضوٍ خصص منها خمسة مقاعد لليهود، ومثلها للمسيحيين، فيما كانت حصة رجالات العشائر اثنان وعشرين مقعداً، أما بقية المقاعد، فكانت لسكان المدن والقرى في البلاد، وقد أجريت الانتخابات في 25 شباط عام 1924، وقد تبين ان خلفية وتكوين أغلب أعضاء المجلس التأسيسي المنتخبين، كانوا من ملاك الأراضي الكبار، والتجار، والعوائل العريقة. فضلاً عن، شيوخ العشائر الذين شكلوا ثلث أعضاء المجلس تقريباً، وبعض الضباط الذين خدموا مع الملك فيصل الأول في الثورة العربية الكبرى عام 1916، والحكومة العربية في دمشق عام 1918. وفي الواقع, أن العناصر المثقفة في المجلس التأسيسي كانت أقلية، قياساً بغالبية الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، أو الذين حصلوا على تعليم محدود.

ثمة حقيقة تاريخية, وهي أن انتخابات المجلس التأسيسي العراقي، قد شهدت تدخلاً من قبل الحكومة العراقية والسلطات البريطانية، خصوصاً أن الأخيرة كانت تؤكد دوما على أن قبول العراق في عصبة الأمم، لا يتم إلا بعد قبول المعاهدة البريطانية في المجلس التأسيسي، وقد طلبت السلطات البريطانية ذلك من الملك فيصل الأول أثناء إجراء الانتخابات، من أجل ضمان حصول مؤيدي المعاهدة على أكثرية في المجلس، لذلك وضع الملك وحكومته هذا الأمر نصب أعينهم، من أجل إتمام المهام الرئيسة للمجلس التأسيسي، وهي البت في المعاهدة العراقية البريطانية، وإقرار القانون الاساسي للمملكة العراقية وقانون انتخاب النواب، وقد وافق المجلس على ذلك كله.

ينبغي أن نشير هنا إلى, أن القانون الأساسي، قد نص على أن السلطة التشريعية منوطة بمجلس الأمة أي مجلسي الأعيان والنواب مع الملك، حيث يتكون مجلس النواب من أعضاء منتخبين، بنسبة نائب واحد عن كل عشرين ألف نسمة من الذكور، ويجب أن لا يقل عمر النائب عن الثلاثين عاماً، وأن يجري انتخابه بالانتخاب غير المباشر، أي على درجتين، إذ يقوم الناخبون بانتخاب مندوبين عنهم أولا، ثم يقوم هؤلاء المندوبون أو الناخبون الثانويون بانتخاب النواب، واستمرت هذه الطريقة لغاية عام 1952، حيث يكون التصويت سرياً، ويحق للفرد الذي يبلغ عمره عشرين عاماً الانتخاب ، وقد أقصى الدستور المرأة من المشاركة في الانتخابات. مع ان المرشحين للانتخابات قد وجب عليهم دفع تأمينات مالية قدرها مائة دينار. أما مدة دورة مجلس النواب فهي أربع سنوات، لكل سنة اجتماع واحد، يبدأ في اليوم الأول من تشرين الثاني، تكون مدته أربعة أشهر، زيدت شهرين وفق تعديل عام 1943 لتصبح ستة أشهر، إذ يدعو الملك المجلس إلى عقد جلساته العادية، أما إذا تم حل المجلس، فيجب الشروع مباشرة بانتخاب مجلس جديد، ويدعو الملك المجلس الجديد إلى الاجتماع بصورة غير عادية، في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ الحل، وقد اوجب القانون الاساسي، فض الاجتماع غير الاعتيادي قبل 30 تشرين الأول، لكي يبدا الاجتماع الاعتيادي الأول من الدورة المذكورة.

على أية حال، بدأت الحياة النيابية بشكل رسمي في العراق في 16 تموز عام 1925، بعد انتخاب (88) نائباً لعضوية مجلس النواب العراقي في دورتهِ الأولى.

ويذكر ان وزارة الداخلية هي الجهة المهيمنة على شؤون الانتخابات، لاسيما في المناطق العشائرية، لأن الجهاز الإداري المسؤول عن إدارة الانتخابات، مرتبطاً أساساً بوزارة الداخلية، لذلك ومن أجل أن يضمن الموظفون التابعون لها نجاح مرشحيهم بين أفراد العشائر الذين كانوا يؤلفون نسبة عالية من سكان العراق، جعلت من انتخابات المنتخبين الأوليين في النواحي صورية، إذ يحشر الناس وتكتب لهم الأوراق، وترمى في صناديق الانتخاب، ويقال لهم انصرفوا، فينصرف أفراد العشائر وهم لا يعرفون عن سبب مجيئهم شيئاً، وعلى هذه الشاكلة ازدحمت المجالس النيابية بأعضاء من شيوخ العشائر. بتعبير أوضح، أن الوحدات الإدارية التابعة لوزارة الداخلية المتمثلة بالمتصرف والقائمقام ومدير الناحية، كان لهم دور كبير في تنظيم وتصحيح قوائم الانتخابات، بالتعاون مع المختارين، وعند إجراء الانتخابات، فأن المختارين يتولون مراقبة الانتخاب، وإعلان انتهائه، وبعد الانتهاء يقوم المتصرف بتوقيع المضابط الانتخابية, عن التدخل الحكومي في الانتخابات, ويؤكد لنا شاهد عيان( وشهد شاهد من أهلها),على أن انتخابات الدورة الأولى عام 1925:

«...انتهت بانتخاب مرشحين كان يتفق على تعيينهم من قبل الملك ووزير الداخلية، ومن ورائهم المستشار البريطاني ورئيس الوزراء، إذ كانت قائمة المرشحين تبقى مكتومة حتى يوم الانتخابات، وتبلغ بالهاتف إلى المتصرفين، ويطلب منهم بذل جهداً كبيراً لإنجاحها، حتى أنه وقع أكثر من مرة أن طلب من المرشح أن يعطي تعهداً خطياً يحفظ لدى رئيس الوزراء، بأنه إذا انتخب نائباً كمرشح من الحكومة، فإنه يؤازرها دائماً، حتى إذا استقالت، فإنه يؤازر أي حكومة يأتي بها جلالة الملك.

عن كتاب (المصاهرات الإجتماعية وصلات القربى وأثرها السياسي في العراق الملكي 1921-1958)