فائزة أحمد وحسين السيد وأغنية الأسرة

فائزة أحمد وحسين السيد وأغنية الأسرة

خطيب بدلة

في أثناء بحثي عن شخصية المطربة فايزة أحمد، أثار انتباهي أنها تحمل لقب "مطربة الأسرة". . هذا صحيح بالطبع، فقد غنت معظم الأغاني المتعلقة بالأسرة (البيت، الأم، الأب، الأخ، الابن) . . ولست أدري إن كانت غنتها بمحض المصادفة، أم أن الشعراء والملحنين كانوا يتذكرونها عندما يبدعون أغنيةً لها علاقة بالأسرة. .

وأنا أرجح الاحتمال الثاني، لأن فايزة، كما يصفها زوجها الموسيقار محمد سلطان في مقابلة تلفزيونية، كانت رقيقة الأحاسيس والمشاعر، طيبة، حنونًا، إذا غضبت سرعان ما ترضى، وتصفو. إنها، باختصار: طفلة كبيرة.

الوضع الطبيعي لكل أسرة أن تجتمع في بيت ما، والبيت الواقعي لا يتجاوز كونه أربعةَ حيطان وسقفًا، لذلك لن تجد له قيمة خارج نطاق ثمنه المادي، ولكن قيمته المعنوية عند أفراد الأسرة كبيرة، فهو يؤويهم، ويدفئهم، ويحفظ أسرارهم. . وهم يتعلقون به، وإذا اضطروا لمغادرته، يبقى مزروعًا في وجدانهم، والدليل أن إخوتنا الفلسطينيين الذين تعرضوا للتهجير، اعتادوا أن يحملوا مفاتيح بيوتهم معهم، ومن بعدهم نحن السوريين، صار الواحد منا يحمل مفتاح بيته معه إلى منفاه، ويخبئه في مكان آمن، دواليك حتى يأتيه خبرٌ أنه قُصف ببرميل، أو استولى عليه أحد شبيحة نظام الأسد، أو صادره بعض المتنفذين من سلطات الأمر الواقع الحاكمة في الأماكن التي تعمها الفوضى. . فوقتها يتحول المفتاح إلى قطعة حديد لا معنى لها.

براعة حسين السيد في تأليف أغاني الأسرة لفتت نظر المطربة اللبنانية صباح، فاتصلت به، وطلبت منه كتابة أغنية للأطفال، فكانت الأغنية الشهيرة "أكلك منين يا بطة"، من ألحان فريد الأطرش، 1962»

غنت فايزة أحمد للبيت، "بيت العز يا بيتنا"، في فيلم "أنا وبناتي" للمخرج حسين حلمي المهندس، سنة 1961، وهي من كلمات مرسي جميل عزيز، وألحان محمد الموجي، وفيها تتحدث المطربة باسم الأسرة، قائلة إن (بيتنا) يرمز للعز، والسعد، والمحبة، والفرح، والعشرة، واللمة العائلية الجميلة، ويحتضن أجملَ أيامنا، وأكثرَ ذكرياتنا دفئًا. .

في نَص الأغنية كلماتٌ مصرية محلية، واشتقاقات لغوية بارعة، فالشاعر يقول عن دالية العنب (عنبتنا) ، ويصف الظل والفيء بـ ضُلّيلة، وأما عبارة (وبتضللْ يا حليلة يا حليلة من أول عتبتنا) فيُفهم منها أن الظلال تتساقط على البيت أولًا بأول؛ ابتداء من عتبته، مع الأخذ بالاعتبار أن يا حليلة يا حليلة تقال للتجميل، وتعني "يا حلاوة يا حلاوة":

بيت العز يا بيتنا، على بابك عنبتنا

لَكْ خضرة وضلّيلة، بترفرف ع العيلة

وبتضلل يا حليلة يا حليلة من أول عتبتنا.

وفي الأغنية مقاطع جميلة جدًا، لعل أبرزها أن الأسرة الطيبة ترفض أن يتسلل شيطان من الأنس إليها، فتحذّره قائلة:

ابعد يا شيطان، ابعد يا شيطان، ابعد يا شيطان، ابعد يا شيطان

ان جيت من الباب، ها نرد الباب، ونعيش في أمان

وان جيت من الحيط، ها نسد الحيط، بحجر صوان.

قبل "بيت العز" بأربع سنوات، 1957، أعطى حسين السيد، ومحمد عبد الوهاب، لفايزة أحمد "ست الحبايب". . تلك الأغنية الخالدة التي ما زال الناس يصغون إليها باستمتاع كبير، ويعاد بثها إما بصوت فايزة، أو بصوت محمد عبد الوهاب نفسه، في محطات الإذاعة العربية كلها، فتبدو وكأنها خارجة من مشغل الإبداع الآن، وفيها يتألق حسين السيد في تقديم الأم بوصفها رمزًا للإيثار والتضحية:

زمان سهرتي، وتعبتي، وشلتي، من عمري ليالي

ولسه برضه، دلوقتي، بتحملي، الهم بدالي

أنام وتسهري، وتباتي تفكري

وتصحي من الأدان، وتيجي تشقّري.

إذا عدنا بالذاكرة إلى سنة 1940؛ نجد الموسيقار محمد عبد الوهاب يعلن في الصحف عن مسابقة لاختيار وجوه جديدة للتمثيل في فيلمه "يوم سعيد" (تأليف عبد الوارث عسر، إخراج محمد كريم) . . يومها جاء من طنطا شاب كان مجهولًا يومئذ، اسمه حسين السيد، ليشارك في التمثيل، وقال مخاطبًا أعضاء اللجنة الفاحصة:

ـ بالمناسبة، أنا كمان أكتب كلمات أغان. معي كلمات أغنية، يا ريت لو تشوفوها.

وقدم لهم ورقة عليها كلمات أغنية "إجري إجري" التي تلقفها موسيقار الأجيال عبد الوهاب، وأدخلها في الفيلم، وأصبحت، في ما بعد، من أشهر أغانيه، وأصبح هذا الشاعر الموهوب رفيق دربه الفني، وقدما معًا عشرات الأغاني، ومنها أغنيةَ "عاشق الروح"، التي يَعدها الناقدُ عبد الرحمن طاحون ذروةَ هذا التعاون بين المبدعين.

ويبدو أن النجاح الهائل الذي حققته أغنية "ست الحبايب" دفع الثلاثي (السيد، وعبد الوهاب، وفايزة) في السنة ذاتها، لابتداع أغنية تتحدث عن "الأخ" بالمحبة نفسها، والحنان نفسه، تقول كلماتها:

يا غالي علي يا حبيبي يا خويا

يا أجمل هدية من أمي وأبويا

يا حبيبي يا خويا.

وفي سنة 1958 (أنظر التسارع) ، كتب حسين السيد لعبد الوهاب أغنية يمكن اعتبارها، إلى حد ما، من أغاني الأسرة، عنوانها "خَيّ خَيّ". . وعلى الرغم من جمال كلمات هذه الأغنية، وروعة لحنها، لا يستطيع المستمع أن يعرف أهي موجهة للأخ الشقيق، أم أن الشاعر يستخدم كلمة (خَيّ) بوصفها محطة للكلام، مثل يا خبر، ويما، ويوبا، وياختي، ويا حليلة:

خي خي، حبيبي ليه قاسي، ليه يا خي، يا خي

قلبي خوفي عليه واعمل ايه يا خي

أمانه ان كنت تقابله تقول له الفرح ناسيني

وقول له يشاور عقله وينسى يوم ويجيني

وأحلفه بويلي، من نهاري وليلي.

ويبدو أن براعة حسين السيد في تأليف أغاني الأسرة قد لفتت نظر المطربة اللبنانية صباح (جانيت فغالي) ، فاتصلت به، وطلبت منه كتابة أغنية للأطفال، فكانت الأغنية الشهيرة "أكلك منين يا بطة"، من ألحان فريد الأطرش، 1962:

أكلك منين يا بطة أكلك منين؟

في فراوليتين في شفايفك، حلوين حلوين

هاتي وحدة لماما، عشان ماما، عيونها التنين

عايزين ياكلوكي ومش عارفة، ياكلوكي منين. . منين؟

وتكررت تجربة الثلاثي الجديد (حسين السيد، وفريد الأطرش، وصباح) في فيلم "الليالي الدافئة"، بأغنية "يا خواتي بحبها»:

حبيبة أمها، يا اخواتي بحبها، دي حبيبة أمها

أيام عمري اللي فاتت عشانك عشتهم

وسنين عمري اللي جاية عشانك حـشتهم

عايزاكي تبقي شابة وعنيا يختمم

ويشيلوا ولاد حبيبتي

وحبايب ستهم.

إذا كانت أغنيات حسين السيد مع عبد الوهاب وفايزة أحمد ("ست الحبايب" بشكل خاص) ، ثم أغنيات الأسرة مع حسين السيد وفريد وصباح، قد حققت ذلك النجاح، فقد تمكن فتحي قورة أن يحقق نجاحًا مماثلًا مع الموسيقار منير مراد والمطربة شادية في أغنية "سيد الحبايب"، التي ظهرت في فيلم المرأة المجهولة، 1959:

سيد الحبايب يا ضنايَ انت

وكل أملي ومنايا انت

يا أحلى غنوة في دنيا حلوة

غنت وقالت معايا انت.

أخيرًا؛ أعتقد من غير المناسب تصنيف أغنية شريفة فاضل "أم البطل" ضمن أغاني الأسرة، فهي أقرب إلى أغاني التعبئة الوطنية:

ابني، حبيبي، يا نور عيني

بيضربوا بيك المثل

كل الحبايب بتهنيني

طبعًا، ما انا أم البطل؟

عن العلربي الجديد