دور المسيحيين في نشوء الطباعة والصحافة في العراق

دور المسيحيين في نشوء الطباعة والصحافة في العراق

بهنام فضيل عفاص

ــ في الطباعة

لعل اقدم مطبعة تأسست في العراق تلك المطبعة الحجرية التي جاء بها الآباء الدومنيكان من الاقليم الفرنسي الى الموصل في حدود سنة 1856-1857 وبدأوا في طباعة بعض الكتب الدينية والمدرسية التي تساعدهم في التدريس في مدرستهم الحديثة وقد أقاموا الخوري يوسف داؤد مشرفاً اول على المطبعة فأقدم على طبع كتابه الاول في قواعد اللغة العربية سنة 1859 وسمّاه "خلاصة في اصول النحو" وهو اول كتاب في نحو اللغة العربية يُطبع في العراق.

وفي سنة 1860 تمّ استبدال المطبعة الحجرية بمطبعة حديثة جلبوها من فرنسا وبدأت في طبع الكتب على اختلاف أنواعها من دينية وأدبية وتأريخية ولغوية وبلغات متعددة ابرزها العربية والفرنسية والسريانية والكلدانية وحتى التركية وشهدت المطبعة بين سنتي 1867-1898 نشاطاً ملحوظاً في مطبوعاتها المنوعة حيث سجلت هذه الفترة طبع ماينيف على المئة كتاب مابين صغير الحجم وكبيره وفيها ما يشمل عدة مجلدات.

وقد تولى ادارتها بعد سفر الخوري يوسف داؤد الى دمشق ليتسلم زمام ابرشيتها القس لويس رحماني (البطريرك افرام رحماني فيما بعد) والمعلم نعوم سحّار وسليم حسّون، اما المطبوعات السريانية والكلدانية فكانت بأشراف المطران يعقوب اوجين منّا صاحب المؤلفات المشهورة بالكلدانية (القاموس الكلداني –العربي) (وقواعد اللغة الارامية شرقي غربي).

وقد اوردتُ كل مطبوعاتها وبمختلف اللغات وطيلة مدة عملها في كتابي "تأريخ الطباعة والمطبوعات العراقية" المطبوع في بغداد سنة 1985 مع غيرها من المطابع والمطبوعات مما يعطي فكرة واضحة عن مدى مساهمتها في نشر التراث وخدمة الفكر والمعرفة.

وفي سنة 1863 أقدم الشماس روفائيل المازجي على تأسيس المطبعة الكلدانية من ماله الخاص بعد موافقة البطريرك يوسف اودو وتشجيعه وقد أرّخ لها وخلّدها الشاعر شهاب الدين العلوي بقصيدة طويلة وقد استأجر لها دار في الموصل قرب دار البطريركية واخذت في طبع الكتب الدينية والطقسية والادبية حتى وفاته المفاجئة سنة 1865، واستمرت في العمل بأشراف المطران جرجس عبد يشوع الخياط (البطريرك فيما بعد) الذي ادخل عليها تحسينات وتطويرات ملحوظة وطبع فيها بعضاً من مؤلفاته الادبية والدينية نذكر منها كتابه "روضة الصبي الاديب" و "قلادة الذهب في اركان الادب" الذي طبع سنة 1869.

واستمرت هذه المطبعة في العمل حتى منتصف القرن العشرين تخللتها فترات توقف، اِلا ان القس الصائغ (المطران فيما بعد) اهتمّ بها وجددها وطبع فيها بعضاً من مؤلفاته، كما ان مجلته التي أصدرها باسم مجلة " النجم" كانت تطبع فيها.

ومن الجدير بالذكر ان هاتين المطبعتين تأسستا قبل مطبعة الولاية في بغداد من قبل الوالي مدحت باشا بما يقرب من عشر سنين لتكونا بذلك من اوائل المطابع في العراق بوجه عام. ونحن لو استعرضنا اصحاب المطابع والعاملين فيها نجد الكثير من المسيحين البارزين كانوا قد دخلوا هذا الميدان بصورة مبكرة نذكر منهم فتح اللّه سرسم وعيسى محفوظ واسطيفان عزيزة الذين أسسوا مطابع في الموصل منذ بدايات القرن العشرين، كما ان الآباء الكرملين أسسوا في بغداد سنة 1914 مطبعة دار الأيتام، وأسس السريان الكاثوليك مطبعتهم في بغداد سنة 1922 وكانت مجلة نشرة الاحد تطبع فيها مع غيرها من الكتب الادبية والدينية، والمطبعة الآثورية التي تأسست سنة 1932 وفي بغداد ايضاً اسس رزوق غنّام وهو من الصحفيين البارزين مطبعة العراق سنة 1921، كما اسس توفيق السمعاني مطبعة الزمان سنة 1937. ويوسف هرمز أسس مطبعة الامة سنة 1935.

اما في البصرة فقد تأسست مبكرا مطبعة العمل للأب يوسف كوكي، ثم المطبعة الوطنية التي أسسها يوسف هرمز سنة 1925 ومطبعة الكاظمية لأسطيفان كجه جي وقد استعرضتُ كل هذه المطابع مع مطبوعاتها في كتابي الآنف الذكر حول الطباعة والمطبوعات في العراق منذ البدايات وحتى الحرب العظمى الثانية.

ــ في الصحافة

لعل ما يجدر تدوينه ومعرفته ان اول مجلة تصدر في العراق كانت مجلة "اكليل الورود" التي أصدرها الآباء الدومنيكان في الموصل سنة 1902 والتي استمرت حتى سنة 1909 وساهم في تحريرها نخبة من المثقفين ورجال الدين، وامتازت مقالاتها بالتنوع على مختلف الميادين.

وبعدها أصدر الآباء الكرمليون في بغداد سنة 1905 مجلة "زهيرة بغداد" بالعربية والفرنسية وساهم في تحريرها نخبة من الكتاب وابرزهم الأب انستاس الكرملي اللغوي الشهير والذي اقدم بعد ذلك في سنة 1911 على اصدار مجلته المعروفة "لغة العرب" التي خدمت اللغة والادب والتراث على مدى سنين عديدة وحازت على شهرة واسعة ليس في العراق فحسب وانما على نطاق الاقطار العربية، وساهم في تحريرها نخبة من الكتاب من مختلف المذاهب والاديان.

وأصدر الصحفي المعروف داؤد صليوا في شباط سنة 1913 مجلة "الخرائب" وهي مجلة ادبية انتقادية، كما أسس الاستاذ رزوق عيسى وهو من تلامذة الكرملي مجلة "خردلة العلوم" وربما كانت اولى المجلات العلمية اِلا انها لم تدم طويلاً.

واقدم البطريرك افرام رحماني في بيروت – وهو العراقي أصلاً ومولداً – على اصدار مجلة "الآثار الشرقية" سنة 1922 وكانت تصدر بالعربية وتترجم بعض مقالاتها الى الفرنسية وقد حفلت بكثير من المقالات التاريخية والأثرية والتراثية واستمرت في الصدور حتى وفاة مؤسسها سنة 1929.

وفي بغداد أصدر الخوري عبد الاحد جرجي سنة 1922 مجلة "نشرة الاحد" التي استمرت في العطاء فترة طويلة وصدر منها 16 مجلة ثم توقفت بسبب مرض مؤسسها وتقاعده سنة 1937؟

في سنة 1927 أصدرت طائفة السريان الارثودكس في القدس مجلة "الحكمة" وكان اكثر كتابها من السريان العراقين ويدعمها البطريرك افرام برصوم بمقالاته التاريخية والتراثية. اما في نهاية سنة 1928 فقد صدرت مجلة "النجم" لصاحبها ورئيس تحريرها القس سليمان الصائغ (المطران فيما بعد) وكان لها صدى واسع في الاوساط الادبية والدينية وقد استمرت فترة طويلة في العطاء ومجلداتها الكثيرة الزاخرة خير شاهد على ماقدّمته من خدمات جلّى في ميدان الفكر والتراث، وساهم في تحريرها ابرز الادباء المسيحين آنذاك.

اما في خمسينات القرن العشرين فقد صدرت مجلتان في بغداد الاولى باسم مجلة "النور" التي أصدرها القس يوسف بابانا (المطران فيما بعد) واستمرت ست سنوات، ومجلة "الفداء" التي أصدرها الأب نوئيل ايوب ولم تدم طويلا.

كما نشط السريان الارثودكس في الموصل عندما تولّى زمام الابرشية المطران بولص بهنام حيث افتتح معهداً كهنوتياً وأصدر مجلة "لسان المشرق" التي حفلت في اعدادها الاولى بالمقالات التأريخية والتراثية اِلا انها لم تدم طويلاً.

وفي سنة 1964 أصدرت جمعية يسوع الملك في الموصل مجلة "الفكر المسيحي" وكان رئيس تحريرها الأب زهير عفّاص ونائبه الأب جرجس القس موسى (المطران فيما بعد) كانت في البدء على شكل نشرة ثم تطورت حتى اصبحت مجلة مرموقة. استمرت في العطاء والصدور ماينيف عن اربعين عاماً ولازالت حتى اليوم غير ان ادارتها سلمت مؤخراً للآباء الدومنيكان في بغداد برئاسة الأب يوسف توما الدومنيكي، وتعدّ اول مجلة مسيحية عراقية تصمد طوال هذه الفترة الطويلة على ما صادفها من مصاعب وعقبات، اضافة الى انها كانت مجلة منفتحة على كل المسيحين وامتازت مقالاتها بالانفتاح على جميع الميادين.

وفي الموصل ايضاً صدرت سنة 1972 مجلة "بين النهرين" لصاحبها الأب جاك اسحق (المطران فيما بعد) ورئيس تحريرها الأب الدكتور يوسف حبّي وهي مجلة فكرية وتأريخية وتراثية استمرت فترة طويلة.

اما سنة 1975 فقد اصدر مجمع اللغة السريانية التابع للمجمع العلمي العراقي مجلة تحمل اسمه خصصت للدراسات السريانية والتراث السرياني وساهم في تحريرها نخبة من الكتاب والباحثين.

كما اصدرت بطريركية بابل الكلدانية سنة 1995 مجلة "نجم المشرق" وعهد تحريرها الى مجموعة من الآباء والادباء المتخصصين ولازالت حتى يومنا هذا.

م. المورد 1983