حكايتي مع موليير

حكايتي مع موليير

سامي عبد الحميد

كانت المحطة الثانية التي وقفت عندها لأمارس فن التمثيل امتداداً للمحطة الأولى وذلك عندما انتقلت من سامراء إلى الديوانية كي أواصل دراستي الثانوية هناك حيث لم تكن قد اتخذت مدرسة للدراسة الثانوية في سامراء بعد وحيث كان لي أقارب يسكنون الديوانية استطعت أن اسكن لديهم.

لا ادري أيضاً لماذا اختار مدرس اللغة العربية في ثانوية الديوانية (الحبوبي) نص مسرحية موليير الشهير (البخيل) ليخرجه ويقدمه على خشبة المسرح مع طلبته، ولكنني لا ادري لماذا لم يخترني أنا لتمثيل دور (هرباغون-البخيل) أو دور (كلبانت) ابن البخيل وذلك لأنه أراد طالباً نحيف البدن رفيع الصوت لتمثيل الشخصية الأول وأنا لا أمتلك الصفتين. وأراد أن يحابي(مدير المعارف- التربية) فأسند دور الشاب الى ابنه بينما عهد الي بدور والد حبيبة الشاب ومع ذلك قبلته لأن العمل المسرحي قد استهواني بعد مروري بالتجربة الأولى مع (أنا الجندي) في مدرسة التفيض الأهلية بسامراء.لا ادري أيضاً كيف تسنى للحبوبي إخراج مسرحية فرنسية وهو لا يعرف شيئاً عن تمارين الإخراج المسرحي ولم يقرأ شيئاً عن تقنياته من دون شك فقد اعتمد على سليقته وعلى حسه وعلى خياله.

ولا ادري كذلك لماذا بادر مدرس النشاط اللاصفي الفني (حسين الرضى) لإخراج النص المسرحي الذي ترجمه بتصرف الأديب المصري الشهير(احمد لطفي المنفلوطي) وكان بعنوان (في سبيل التاج) تدور أحداثه في أحدى البلدان الأوروبية حيث يدور الصراع بين ملك تلك البلاد وخصومه وتدور معركة بين جيشه الذي كان يقوده بنفسه وجيش الأعداء وحيث يقتل في ساحة الوغى ويقام له تمثال في إحدى ساحات العاصمة.

يبدو لي أن (حسين الرضي) وكانت له ميول فنية، قد اعتقد بامتلاكه قدرة على إخراج المسرحية أكثر من زميله (الحبوبي) علماً إن هو الآخر لم يعرف شيئاً عن هذا الفن ولم يدرس تقنياته. ويبدو لي أن جميع العراقيين الذين تصدوا لإخراج المسرحيات منذ بدايات ظهور الفن المسرحي في العراق في أواسط القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين كانوا يعتمدون على حسهم وخيالهم لا على معرفتهم ودراستهم بمن فيهم (حقي الشبلي) قبل أن يذهب مبعوثاً الى باريس أواخر الثلاثينات من القرن الماضي.

المدهش ان (حسين الرضي) في إخراجه مسرحية (في سبيل التاج) كان يطبق ما تعلمناه في ما بعد، إجراءات العملية الإخراجية امتداداً من قرارات المائدة وتحليل نص المسرحية إلى مرحلة (الميزانسين) أي وضع المشاهد على خشبة المسرح، إلى متابعة تنفيذ الفن المناظر والأزياء وغيرها وحتى توزيع الإضاءة على الممثلين وعلى المناظر.

قدمت مسرحية (في سبيل التاج) على مسرح في المدرسة الابتدائية الأولى في الديوانية وبوسائل تقنية بدائية خصوصاً ما يتعلق بالإضاءة حيث لم تكن تتوفر أجهزة متطورة حتى في مسارح بغداد في ذلك الوقت.

ومن الطريف أن اذكر حادثة حدثت أثناء عرض المسرحية حيث عهد بدور زوجة الملك الى احد الطلبة(عصمت كتانه) وقد تبوأ فيما بعد منصب مندوب العراق في هيئة الأمم المتحدة وأصبح رئيساً لها في إحدى دوراتها. ولم يكن مسموحاً بحسب الأعراف والتقاليد بوقتها ان تشترك امرأة أو فتاة في تمثيل دور على خشبة المسرح وخصوصاً في مدينة جنوبية كالديوانية. وبلا شك فقد تغيرت الأحوال هذه الأيام وقد شهدها عدد من فتيات الديوانية يشاركن في العروض المسرحية. في مشهد ما في المسرحية وكان بدور بين الملك (وكنت أنا أمثله) وبين زوجته(وكان يمثلها عصمت) علق احد المتزوجين بكلمات نابية سمعها (عصمت) وثارت ثائرته وعند انتهاء المشهد أو الفصل قرر عدم الاستمرار في التمثيل ومعنى ذلك إيقاف عرض المسرحية. وراحت جهود المخرج لإقناعه بالعودة لإكمال المسرحية، أدراج الرياح مما اضطر إلى حذف المشاهد التي تظهر بها (زوجة الملك) وحدث الارتباك بالنسبة لبقية الممثلين وربما أحس عدد من المتفرجين بذلك الإرباك وربما سامحونا على ما حدث وهاجموا المتفرج الذي تسبب به.

· سبق لهذه المادة ان نشرت في المدى ضمن الزاوية الاسبوعية التي كان يكتبها الراحل سامي عبد الحميد