نص نادر لسنة 1928.. أشهر مدن البطائح الحالية

نص نادر لسنة 1928.. أشهر مدن البطائح الحالية

الشيخ علي الشرقي

المدينّة

ليست بـ مدينة وإنما قرية كبيرة على بز الفرات الأسفل، بين القرنة وسوق الشيوخ تكتنفها البطائح وفي ظهرها بادية العراق جدت قبل القرن الحادي عشر. وهي حاضرة الجزائر سابقا وفيها مقر الأمارة على ربيعة البطائح والجزائر ولا يزال الأمارة متوطنا إياها وضواحيها ولكن شأنها اليوم شان أمرائها إذ انتقلت الزعامة إلى بيت الأسدي، بيت خيون وأصبحت القرنة حاضرة البطائح.وقبائل المدينة من ربيعة وهم بنو منصور ويجاورهم سعد.

القرنة

مر عليك طرف من ذكرها في ترجمة آل فراسياب. وإنها قلعة اسمها القرنة ثم صار اسمها العلية ثم استرجعت اسمها القرنة نعم نشأت قرية وصارت مدينة على بز الفرات وفي قريب منها يقترن بز دجلة ببز الفرات ويلتقي الأخوان بعد أن كانا تفارقا من جبال أرمينية فسميت القرنة ولم يكن لها، - وهي قرية أو مدينة -، مؤسس معروف فقد كانت قلعة تصد الهاجمين على البصرة من جهة بغداد وحولها رهط من الجزائريين المتهيئين للدفاع ثم نشأت قرية على مفرق الطريقين ولا اعرف زمن تأسيسها وقد ربلت حتى صارت مدينة صغيرة من مدن العراق وقبيلتها بنو سعد من ربيعة البطائح وقد ذكرها بعض الرحالين قرية حقيرة في أواخر القرن الحادي عشر.

العمارة

بلد نزة ومدينة من مدن العراق الزاهية ناهضة على وادي دجلة في الجانب الأيسر، في آخر دجلة البصرة، حاضرة عامرة وهي من المدن الجديدة في العراق وموقعها من طفوف سابقا يوم كانت دجلة تستقيم من الدار الذي هو قريب من موقعها وكذلك كانت ناحية من نواحي البطائح سابقا عند ما امتدت دجلة بين واسط والمدار، وهذه المدينة الحديثة نشأت في القرن الثالث عشر معسكرا للحامية التي ترد من بغداد لحفظ الأمن في تلك الجهات، وجباية الأموال الأميرية وقد اختارت الجنود النظامية التكوف في هذا الموقع لنشوفة أرضه، وعذوبة هواءه، فأطلق الناس على ذلك المكان اسم (الاوردي) وهي لفظة تركية مهنا المعسكر وما زالت إلى اليوم تعرف عند المنتفق باسم (الاوردي) ثم اطمئنان إليها الناس وأرباب الكسب والتجارة من البغاددة والبصريين فانشئوا هناك عمارة ضخمة وأطلق عليها اسم العمارة.

قلعة صالح

صالح هذا زعيم من زعماء أل أبي محمد، القاطنين في تلك الأنحاء من بطائح دجلة ومن حواليها تمتد إلى ناحية الحويزة والأهواز وقد إنشاء هذه القلعة لتكون حامية لمزرعة وقبيلة كما هو شأن الكثير من الزعماء العراقيين وقد جاورها كثير من الأغراب فأصبحت بلدة عامرة وهي قائمة على أنقاض بلد المذار الشهيرة وموقعها اليوم بين العمارة والعزير (بالتصغير) وهو بلدة ميسان الشهيرة ودجلتها دجلة البصرة أم البطائح. وقلعة صالح في متوسط البطائح وقد كانت هذه الأنحاء إلى آخر القرن الثاني للهجرة تابعة لملكة المنتفق وتخضع لأمارة آل سعدون ولكن في القرن الثالث عشر تنازل أحد مشايخ آل سعدون لحكومة بغداد عن تلك الأنحاء وأتذكر الآن انه الشيخ عقيل.

سوق الشيوخ

من مدن البطائح الحديثة على ضفة الفرات اليمنى. وفي جنوب الناصرية تحده الصحراء المعروفة بالشامية من الغرب والجنوب، ويحده الفرات شرقا وشمالا، وحوله الاهوار والبطائح التي أفسدت هواءه وجعلته في وخامة ووبالة، كثرت فيه حميات البطائح الفاتكة. وموقعه تحت الناصرية بمسافة 4 ساعات وفوق البصرة بـ 28 ساعة.

والشيوخ هم الزعماء من آل سعدون أمراء المنتفق والذي أقامه منهم الشيخ ثويني بن عبد الله بن محمد بن مانع، وهو من كبار ذلك البيت واليه انتهت الزعامة وتاريخ حياته صفحة مهمة في تاريخ آل سعدون وكان زمن تأسيسه حسبما يعيه الواعون من الطاعنين في العمر سنة 1175 في زهرة أيام الشيخ ثويني.

وكان يعرف بسوق النواشئ في أول نشؤه. والنواشئ هم فخذ من بني أسد ولما نزل عليه آل سعدون وكانت أكثر شيوخ المنتفق تمتاز منه عرف بسوق الشيوخ واغل ذكر النواشئ ولم ينزله شيوخ المنتفق من آل سعدون حتى الشيخ ثويني لان آل سعدون كغيرهم من أمراء الجزيرة معودون سكنى انف البرية وجمال البادية ولا يتقيدون بجدران الحضر وثانيا للشيخ حاشية وركاب ومواكب اكثر من ألف بيت تقريباً فهذا الحي الكبير كيف تسعى المدينة مع خيله وركابه ولكن جرت عادة شيوخ السعدون في سوق الشيوخ وفي الناصرية وفي الشطرة بل في البصرة نفسها إذا أرادوا نزول البلد ينزلون في باديتها وقريبا منها. وعند مارث أمر شيوخ المنتفق وانقلبت بهم الأيام قيدت الحكومة العثمانية سوق الشيوخ في أملاكها الإدارية في العراق وجعلته قضاء وذلك سنة 1288.

وليس في هذا القضاء إلا ناحية واحدة. فقد كان الشيخ ثويني بذل الوسع والطاقة في تجفيف تربته ومنع وصول سيب الفرات إليه فكان في اجمل موقع بين النهر والبادية؛ أما اليوم وقد ماتت خطورته وانحط رقيه فقد أصبح كما قيل بمنزلة المثانة من الجسد لا يصل إليه الماء إلا بعد أن يفسد ويتغير وهواؤه ثقيل ملوث بوخامة أرضه وليس كل بيوته بناء وعمارة بل فيه كثير من بيوت القصب والخصائص.

وعدد سكانه زهاء 5000. وكان يحيط بالبلدة سور وقد تداعى اليوم واكثر

أقسام ذلك السور كان مبنياً بالطين (بالطوف) كما يسمه العراقيون وجهة واحدة مبنية باللبن وهو الطابق غير المشوي وكان للسور أربعة أبواب.

وفي البلدة ثلاثة مساجد وحوام وأربعة كتاتيب وفيه بيت من بيوتات العلم الشهيرة في العراق وهو بيت (آل حيدر) وكان النابه في هذا البيت على عهدنا الشيخ باقر أبن الشيخ علي وأبوه هذا كان في عداد مجتهدي الأمامية وله مصنفات عديدة في فنون شتى وكان الشيخ باقر مجتهدا في فنون العلم والأدب وقد تعاطى صناعة الشعر وجاد فيها وقد كان الدور الأخير من حياته دور نهضة وجهاد سياسي وذلك على اثر الحوادث الأخيرة في بلاد المنتفق ودخول الإنكليز العراق وتوفي صارخا ناهضا بين إطناب المتطوعين الذين كان يريد بهم غزو البصرة وذلك سنة 1333، وآل حيدر هم بقية بني وثال زعماء آل أجود حلفاء المنتفق سابقا والثلث الكبير من قبائل المنتفق أخيرا المعروفة بالأثلاث ولبني وثال أثار كبيرة ولكنها مندوسة وسوق الشيوخ مطوق بقبائل المنتفق وربيعه البطائح.

الناصرية

هي من أهم مدن الفرات المعروفة اليوم، وهي جالسة على ضفة الفرات اليسرى، وهي من العمارة الجديدة في العاق لان موقعها هذا وهو (ذنائب) الفرات الأسفل كان في القديم بطائح. وهي مركز أمارة المنتفق في الأيام الأخيرة وذلك بعد انتقالها من سوق الشيوخ كما أن العثمانيون اتخذوها مركزا لحركاتهم الإدارية يوم تسلموا تلك البلاد من جراء اصبح أشهر أسمائها (.

والى اليوم لم تجف بطائحها جفافا صادقا ولا يؤمن خطرها فلا تزال في مياهها وبالة محسوسة وفي ضفتها وخامة ووحول ولا تزال تهددها بالخطر وبالغرق بطيحة في ظهر البلد تسمى (هور أبي قداحة) تلك البطيحة الهائلة وقد أغرقت البلد في أوائل هذا القرن على عهد فالح باشا وأغرقتها ثانية عام الهزاز العراقية سنة 1333 هجرية.ويظهر أن سطح هذه البطيحة يرتفع فوق قاع البلدة أربعة أمتار.

ومؤسس الناصرية هو ناصر باشا السعدون وقد احضر لتخطيطها المهندس

البلجكي (المسيو جول تلي وذلك في عهد ولاية مدحت باشا في العراق والحجر الأول الذي وضع فيها كان لدار الحكومة وذلك سنة 1286 هجرية فجاءت من احسن مدن العراق تخطيطا وصارت قاعدة بلاد المنتفق وقد حكم فيها من آل سعدون ناصر باشا ثم ولده فالح باشا ثم فهد باشا والد صاحب الفخامة رئيس مجلس نواب العراقي اليوم عبد المحسن بك وأخيرا في أول إنشاء الحكومة العراقية كان متصرف الناصرية الزعيم إبراهيم بك ابن مزعل باشا السعدون.

هذه جملة من مدن البطائح الجديدة وبقي شئ منها في الغراف نأتي على ذكره في البحث عن الغراف وبما أن المدن الثلاثة البصرة والحويزة وواسط هي أمهات البطائح وقواعد شؤونها وحوادثها أرجأنا الكلام عنها إلى جزء آت.

النجف: علي الشرقي

م. لغة العرب لعدد 53 - بتاريخ: 01 - 11 - 1927