إعلان الدستور العثماني في بغداد سنة 1908..بين ناظم باشا وجمال باشا في ولاية بغداد

إعلان الدستور العثماني في بغداد سنة 1908..بين ناظم باشا وجمال باشا في ولاية بغداد

د. علي الوردي

شكل إعلان عن الدستور العثماني لأول مرة في 23 تموز 1908 تغيرا جذريا كبيرا لدى المجتمع البغدادي، وقد أدى هذا الأمر إلى تحرر الكثير من الشبان من القيود التقليدية متمثلة في أمور ثلاثة وهي:

1. كثرة انتشار الأسلحة.

2. انتشار الملاهي.

3.كثرة إصدار الصحف والمجلات وبروز ظاهرة الشتائم الصحفية.

بعد إعلان الدستور قامت جمعية الاتحاد والترقي بفتح مقار لها في جميع المدن العثمانية وكانت بغداد من بين هذه المدن التي تم فيها افتتاح مقر للجمعية[ وقد كان يرأس الفرع مراد بك سليمان وقد قام بإصدار صحيفة بغداد وقد كان من بين أعضاء الجمعية في بغداد كذلك الشاعران المعروفان جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي. وفي 13 تشرين الأول 1908 / 17 رمضان 1326 هـ قامت جماعة من الاتحاديين بالدخول إلى جامع الوزير والذي كان يقع باتجاه السراي الحكومي وكان المصلون فيه يؤدون صلاة العصر وقرأ معروف الرصافي بيانا لجمعية الاتحاد والترقي كانت قد ارسلته من مقرها في سلانيك إلى بغداد. وانتشرت الإشاعات المختلفة في بغداد حول هذا الأمر وفي اليوم التالي خرجت مظاهرة في بغداد تنديدا بهذا الأمر وحصلت خروقات كبيرة أثناء المظاهرة حيث تم نهب كل ما كان يقع بأيدي المتظاهرين وقد حاول والي بغداد آنذاك ناظم باشا من تهدئة الموقف وأرسل إلى المتظاهرين بعض أعيان بغداد بغية إقناعهم وبعدها قام الوالي بإلقاء القبض على كل من عبد اللطيف ثنيان ومعروف الرصافي لتسكين المتظاهرين.وتم التحقيق معهما ومن ثم تم إطلاق سراحهما بعد ثبوت عدم صحة ماشاع عنهما من قبل المتظاهرين. في خريف 1908 جرى انتخاب المبعوثين (النواب) في كافة الولايات العثمانية وقد فاز من مدينة بغداد كل من إسماعيل حقي بابان وعلي الآلوسي وساسون حسقيل.

في نيسان من سنة 1909 تم خلع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني وتنصيب أخاه محمد رشاد سلطاناً على الدولة العثمانية. وفي اليوم التالي من خلع السلطان أصدرت صحيفة بغداد والتي كانت تنطق بلسان حال جمعية الاتحاد والترقي تفاصيل واقعة خلع السلطان العثماني. وأقبل أهالي بغداد على شراء تلك الصحيفة وبأعداد كبيرة. وقد شعر الكثير من أهالي بغداد بالفخار حين علموا بأن محمود شوكت باشا هو من كانت له اليد الطولى بخلع السلطان لكونه من أهالي بغداد. في شهر أيار من عام 1910 وصل إلى بغداد وال جديد هو الفريق حسين ناظم باشا وهو غير الوالي ناظم باشا والذي سبق أن كان والياً على بغداد قبل سنتين. كان الوالي الجديد لبغداد الفريق ناظم باشا عازما على القيام بأعمال عمرانية وحضارية عديدة للمدينة نلخصها كالآتي:

1. اهتم بنظافة المدينة

2.انشأ صيدلية حديثة تفتح أبوابها ليلا ونهارا.

3.فتح مدرسة كوجك ضابطان - أي صغار الضباط - على النهر في جهة الكرخ.

4. أمر بإعطاء الجنود ماتأخر من مرتباتهم

5.أمر بشق شارع النهر وتغطيته بمادة القير.

6.أمر بجمع الكلاب وإعدامها نظير مكافأة مالية.

7.فتح شارع النهر وهدم جزء من القنصلية البريطانية لغرض عمل الشارع.

وقع الوالي حسين ناظم باشا أثناء فترة ولايته بغرام فتاة أرمنية تدعى سارة خاتون في سنة 1910. وقد عرض عليها الوالي حسين ناظم باشا الزواج فأبت سارة الزاوج منه. وقد تسربت أنباء غرام الوالي إلى أوساط العامة في بغداد]. استطاعت سارة خاتون بعدها من الهرب من بغداد متنكرة إلى باريس بعد تعرضها لمضايقات من قبل الوالي وقد ساعد سارة خاتون في هربها القنصل الروسي في البصرة والمقيم البريطاني في مدينة بوشهرالسير بيرسي كوكس. في يوم 17 أذار من سنة 1911 ورد الأمر من إسطنبول بعزل الفريق حسين ناظم باشا عن منصب والي بغداد.. وعند شيوع خبر عزل الوالي نظم أنصار الوالي بأيعاز من بعض الأشراف والذين كانوا من حزب الوالي مظاهرة تأييد للوالي وقيل أن عدد المشاركين فيها بلغ عشرين ألفا استمر التوتر في بغداد حوالي الثلاثة ايام وقد ارسل عددا من الضباط برقيات إلى إسطنبول يهددون فيها بالاستقالة ولكن هذا لم ينفع شيئا، تم تعين أمر اللواء يوسف آكاه باشا واليا على بغداد بالوكالة.وقد عمد الأخير إلى استعمال الشدة في قمع المظاهرات وزج القائمين عليها بالسجون فهدأت الحال في بغداد نتيجة هذه الإجراات القمعية للوالي الجديد. وفي صباح يوم 20 أذار ركب الفريق حسين ناظم باشا باخرة من بواخر لنج متوجها إلى مدينة البصرة ومن هناك ذهب إلى إسطنبول عن طريق بومبي.

وفي اواخر شهر آب من سنة 1911 وصل الوالي الجديد جمال باشا إلى بغداد. لم تدم ولاية جمال باشا على بغداد سوى سنة واحدة شهدت بغداد صراعا حزبيا كان يعد الأول من نوعه ما بين الاتحاديين (جمعية الاتحاد والترقي) وما بين الائتلافيين (حزب الحرية والائتلاف) وقد قدم جمال باشا استقالته من منصب الوالي نتيجة تسلم الائتلافيين مقاليد السلطة في إسطنبول في شهر تموز من سنة 1912. عند مقتل الصدر الاعظم محمود شوكت باشا في حزيران من سنة 1913 فرح الائتلافيون بمقتله فرحا عظيما عندما وصل خبر مقتله إلى بغداد وظنوا أن هذا سيؤدي إلى قصم ظهر الاتحاديين وعندما وصل الأمر من إسطنبول باعتقال جميع الذين ينتمون إلى حزب الائتلاف والحرية هب الوالي محمد فاضل باشا الداغستاني للتشفع بهم وقام برفع اقتراح إلى إسطنبول يطلب منها إحالة المتهمين إلى محكمة عسكرية تقام لهم في بغداد فتم قبول اقتراح الوالي ماعدا واحدا من الائتلافيين وهو كامل الطبقجلي إذ طلب تسفيره إلى إسطنبول ليلاقي جزاءه هناك.

ضجة الزهاوي

في يوم 7 آب من سنة 1910 نشرت جريدة المؤيد المصرية الأسبوعية مقالا لجميل صدقي الزهاوي بعنوان “المرأة والدفاع عنها” والذي شرح فيه مضار الحجاب ومعاناة المرأة المسلمة من الظلم المستمر في المجتمع. وقد قامت جريدة تنوير الأفكارالبغدادية من أن تحصل على نسخة من الجريدة وقامت بنقل المقال عنه. وقد اثارت هذه المقالة ضجة كبيرة لدى أهالي بغداد وسارت مظاهرة نحو السراي الحكومي تطالب بالقصاص من الزهاوي وقد طلب السيد مصطفى الواعظ مبعوث الديوانية من الوالي الفريق حسين ناظم باشا بإنزال العقوبة الرادعة للزهاوي. فلبى الوالي طلب الواعظ وقام بعزل الزهاوي من وظيفته التي إذ كان يعمل مدرسا في مجلة الأحكام العدلية في مدرسة الحقوق، وقد قام الزهاوي بنشر بيان يوضح فيه موقفه في جريدة الرقيب للتوضيح ولكن هذا لم ينفعه بشيء فلم يغير الوالي رأيه حول هذا الأمر.

عن (لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث) ج 3.