من تاريخ فن الدمى في العراق

من تاريخ فن الدمى في العراق

د. فاضل خليل

لم يتعرف العراق على الدمى إلا في عام 1954- 1955م.بعد زيارة فرقة مدينة الألعاب المصرية الى بغداد (22) وقامت بتقديم بعض ألعابها التي استهوت بعض من هواة هذا النوع من فن تحريك الدمى، وكانت من نوع الدمى القفازية. فكان ثلاثة منهم و هم:

(عبد الستار عبد الرزاق) الذي رافقهم وتعرف عن كثب على هذا الفن ليمارسه فيما بعد في برنامج تلفزيوني أطلق عليه اسم (قره قوز) الذي كان يقدم حياً وعلى الهواء مباشرة، وقد استمر قرابة العام، كان يساعده شخص يدعى (فكري بشير) دربه هو. زامن هذا البرنامج قيام برنامج إذاعي يحمل نفس التسمية (قره قوز)(23) قدمه الثنائي (أنور حيران وطارق الربيعي)، اللذان انتقلا فيما بعد إلى التلفزيون عندما ترك (عبد الستار العزاوي) العمل في التلفزيون، ثم توسع عملهما ليشمل نشاطهما المدارس فقدما أول عرض لهما في الإعدادية الشرقية ببغداد عام 1956م أطلقا عليه أسم (رحلة إلى قمر)، ومنه انتقلا إلى مدارس أخرى. أما أهم شخصيات الدمى البشرية التي قدماها فكانت: (قره قوز- أبو شنيور – الفلاح الريفي – زهوري.. وغيرها) إلى جانب الدمى التي كانت تمثل مجموعة من الحيوانات. استمر عملهما حتى عام 1967م، سافرا بعدها في دورة تدريبية في فن الدمى وتحريكها إلى مصر.

إن العراق لم يهتم بهذا الواقع ولم يؤرخ لهُ قبل، مرحلة الخمسينات. فقد شهدت الخمسينات ألعاب (خيال الظل) التي كانت تقدم في (مقهى عزاوي) في ليالي شهر رمضان، حيث إشتهر شخص يدعى (رشيد أفندي) بتقديم ألعاب خيال الظل للصبيان الذين تتراوح أعمارهم من (10-إلى 15 سنة) (24). أما في الفترة ما بين الأعوام 1956- 1968م نشاطا في عمل وصناعة الدمى في العراق لتطور فن الرسوم المتحركة وخاصة ما بعد ثورة تموز 1958م التي شهدت زيارة العديد من فرق الدمى لدول عديدة مثل الصين، تشيكوسلوفاكيا، بولونيا، الهند، ألمانيا، وبلغاريا، لفرق شهيرة ومتميزة مثل فرقة (الثنائي الآل ني ايلة) الذين تنوعت عروضهم واستخداماتهم لأنواع الدمى من (قفازيه، صولجانيه، ماريونيت). وبالرغم من أن تأسيس تلفزيون بغداد كان في عام 1956م، لكن اهتمامه ببرامج الأطفال جاء في مقدمة اهتمامه، بمبادرات شخصية من المخرجين والعاملين في التلفزيون آنذاك (25). وحين أدركت إدارة التلفزيون هذا الاهتمام عملت على استقطاب عناصر ذات كفاءة بعمل وصناعة الدمى وعلى تحريكها أيضا أمثال (عامر مزهر، وسامي الربيعي) هذا الثنائي الذي قام بصناعة فلم (الخزاف) وهو أول فلم بالدمى المتحركة وبطريقة (الكادر– كادر Singe Frame). كما قاما بتنفيذ فلم (الطيارة الورقية) بواسطة القصاصات الورقية على طريقة (خيال الظل).

في هذه الأثناء عاد الثنائي (أنور حيران وطارق الربيعي) من القاهرة بعد زيارة لمسرح العرائس في دورة تدريبية اطلعا خلالها على عملية صنع الدمى (Marionette Puppets) وتحريكها على يد (الفريد ميخائيل (26) وصلاح السقا (27))، كما شاهدا العديد من عروض الدمى المختلفة، فاستحدثا برنامجاً جديداً باسم (مسرح العرائس) إضافة إلى برنامجهما الذي كانا يقدمانه قبل سفرهما (قره قوز) وذلك عام 1969م. كما كانا قد شكّلا فيما بعد فرقة للعرائس المسرحية أطلقا عليها اسم (مسرح بغداد للعرائس) التي كانا يتجولان بعروضها بين رياض الأطفال والمدارس والفنادق ومدينة الألعاب في اغلب مدن العراق. وفي نفس العام 1969م استقدم (تلفزيون بغداد) أحد مخرجي مسرح الأطفال والعرائس من المسرح القومي المصري وهو(إبراهيم سالم) من أجل إعداد فقرات منوعة للعرائس في العراق(28)، الذي استعان من اجل إنجاز عمله بمحركي دمى عراقيين من الذين مّر ذكر البعض منهم في سياق حديثنا، فكانوا نواة لتأسيس قسم خاص ببرامج الأطفال في (مصلحة السينما والمسرح) (29) التابعة إلى وزارة الثقافة والأعلام فاستعانت بنفس المجموعة التي كانت تعمل في التلفزيون وعلى المسارح. كما كان للخبرة السينمائية دورها الهام على مستوى تنفيذ وعمل الدمى في السينما وما يتطلب ذلك من الدقة في الحركة ومن متطلبات الشروط الفنية العالية. فقدموا الفلمين (القطة بوسي) و(الأرنب الذكي)، وكانا من إخراج: كاظم العطري و فيلم (حياة سعيدة) الذي كان من إخراج: عبد السلام الأعظمي. بعد هذا الفلم توقف العمل في أفلام الأطفال لتبدأ بعدها مرحلة جديدة تبناها تلفزيون بغداد الذي بدأ بتقديم برنامج نصف شهري باسم (عرائس بغداد)، قدمه الثنائي (أنور حيران وطارق الربيعي) أيضاً، الذي لم يستمر طويلا فتوقف لأسباب فنية أهمها صعوبة التنفيذ السريع للدمى وغياب المؤلف الذي يقدم الحكايات المناسبة للبرنامج.

وظل الحال بين مد وجزر، بين تأسيس وانقطاع، حتى صدرت التوصيات التي خرجت بها (الحلقة الدراسية العربية – في بيروت) والتي نصت “ أن يراعي المربون والكتُّاب والفنانون أطوار النمو بالرجوع إلى الدراسات النفسية والتربوية “ (30). ولكي تتم المباشرة في العمل، تم افتتاح دورة تدريبية لبرامج الأطفال في معهد التدريب الإذاعي والتلفزيوني ببغداد (31)، استهدفت تثقيف وتوعية الكادر الذي يشرف على برامج الأطفال في وسائل الثقافة والإعلام لتأخذ العملية جانبها الترفيهي والتربوي البناء. مما أعطى لتلك البرامج تطوراً واضحاً أهمه إدخال الدمى ولأول مرة كعنصر مشارك مع مقدمي البرامج وخلال تقديمهم فقرات برامجهم الموجهة للأطفال.، فكان برنامج (الشاطر) (32) الذي يضم دميتين ل[الشاطر]و[بسمه] كانتا من النوع القفازي. دمية (الشاطر) حركها وتكلم لها (أنور حيران) ودمية (بسمة) حركها وتكلم لها (أنور حيران). أعتمد البرنامج على حوار كان يجري بين مقدمة البرنامج [هدى عبد الحميد] والدميتين.

وفي عام 1974م تم استحداث برنامج جديد بإسم (قصص وحكايات) (33)، كان قد اعتمد أيضا على دميتين هما (الببغاء) و(الدب) كانتا تتواليان على تقديمه بالتناوب. أما حكاياته فكانت تقدم بطريقة الرسوم الثابتة. واستحدثوا كذلك برنامجا أسبوعيا هو (عائلة فاهم) (34) الذي اعتمد هو الآخر على الدمى المتمثلة بأربعة شخصيات رئيسة ثابتة هي (فاهم) وأختهُ (سوسن) و(الأب) و(الأم)، تشاركهم دمى ثانوية مثل (العم، الخال العمة، الخالة، الجار، البائع، وغيرها حسب مقتضيات الحاجة لموضوع كل الحلقة.

ومن الأساليب التي كانت قريبة من عمل الدمى هو ارتداء الممثلين ملابس تمثل أشكال الحيوان تغطي كامل جسم الممثل من الرأس حتى اسفل القدم. كما في مسلسل (حكاية للأطفال) الذي قدمه جاسم الصافي في العام 1970 بثلاثين حلقة، وكان من إخراج سمير الصائغ. كانت موضوعات هذا المسلسل المقتبسة من حكايات (كلية ودمنة)، ومن مختارات (قصص الأدب العالمي). وقسم آخر منها كتب خصيصاً للبرنامج بتأليف محلي لحكايات محلية شعبية تستهوي الأطفال لأنها مقتبسة من الموروثات العراقية والعربية المعروفة والشائعة.

وشهد العام 1976م النقلة النوعية في عمل الدمى وبرامج الأطفال في العراق. الذي كان بداية البث الملون في التلفزيون العراقي. حيث تم استحداث (شعبة الدمى والرسوم المتحركة) في مبنى التلفزيون وفيه كان تنفيذ مقترح الدمى التي تصاحب المقدم أو المغني فيها. هذه الحركة أدت إلى تقديم (13) تطور البرامج التلفزيونية، وما اعقبها من أفلام دمى اكثر تطورا من سابقاتها مثل (الطيارون الصغار) و(الأسد والفار) و(التنين) وغيرها. وبمرور الأيام استعان التلفزيون بالخبرات الأجنبية، حيث أقامت شعبة الدمى والرسوم المتحركة في تلفزيون بغداد دورات تدريبية لستة عشر فناناً بإشراف (بارو ميرا برودوفا) و (فاتسلاف بولاك) وهما من تشيكوسلوفاكيا (35) في معهد التدريب الإذاعي والتلفزيوني الذي استمر يستعين بالخبرات العربية والأجنبية. ومن خلال اهتمامه المستمر شكلت شعبة خاصة لرسوم وتصميم الدمى من مجموعة من الرسامين والنحاتين المعروفين في العراق أمثال (محمد تعبان وعامر مزهر) وغيرهم، كما و تمت استضافة الرسام المصري (صلاح الليثي) الذي صمم ونفذ دمى مسلسل (القطار الأخير) عام 1978م. هذا الاهتمام وا لتواصل كان عاملا مساعدا في تطور عمل الدمى والرسوم المتحركة في العراق.

إن العراق واحد من الدول الستة التي وقعت على برنامج إنشاء (مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لأقطار الخليج العربي) في4كانون الثاني 1978 في دولة الإمارات العربية في [أبو ظبي](36)، وقد مثل العراق في اجتماعات اللجنة المؤسسة فيصل الياسري و فائق الحكيم. ومن خلالهما انطلق التعاون الفني المشترك في إنتاج أفلام الكارتون مع ألمانيا الديمقراطية و تشيكوسلوفاكيا. وقد نصّت خطتا التعاون على تزويد المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بمواد برامج الأطفال، وتدريب الكوادر العراقية في مختلف مجالات العمل التلفزيوني، والتعاون في إنتاج برامج مشتركة (37)، كان من ثمراتها إنتاج فلم الرسوم المتحركة الطويل [الأميرة والنهر]، وإرسال عدد من الخبراء إلى العراق، إضافة إلى المشاركة في المهرجانات الدولية، ومنها مهرجان برامج الأطفال والشباب في (براتيسلافيا) (38). إمتازت هذه الفترة بالمواضيع التراثية مثل أفلام (الماجينة) (39) التي نفذت بطريقة الدمى القفازية، (المغيزل)(40) الذي نفذ بالقصاصات الورقية عام 1978م. كتبت السيناريو لها وأخرجتها [فاتسلاف برودوفا] أما الجهة التي قامت على تنفيذها فهي شعبة الدمى في تلفزيون بغداد. ونتيجة للمشاركات المستمرة للعراق في المهرجانات الدولية والعربية، ولضرورات التصدير للأفلام المنتجة إلى الدول الأخرى ابعد قليلا تلك الأفلام من محليتها و قلل من استخدامها للهجة المحلية ضيقة الفهم التي استبدلها باللغة العربية الفصحى و[الدبلجة]. وهكذا كان لدخول الخبرة الأجنبية دورها الإيجابي المساعد في اعتماد الدقة في استخدامات الديكور والإضاءة والملابس وبقية عناصر إنتاج الأعمال الفنية. وفي تصنيع كافة المستلزمات المطلوبة لذلك، ومنها الدقة في تصنيع الدمى المحلية في أشكالها وألوانها وحجومها والمواد التي تدخل في صناعتها.

إن اضخم سنة إنتاج على المستوى العربي تزامن مع السنة الدولية للطفل بإنتاج البرنامج التعليمي المنوع (افتح يا سمسم Mobbite Show) الذي برز من خلاله خط جديد في نشاط عمل الدمى، كان في تصوير الأغاني التراثية بالدمى القفازية والصولجانية ذات الأسلاك. من هذه الأغاني (هيلا يا رمانة)، (كشك وعدس)، (بلي يا بلبول)، (يا زكريا)، (هيدو)، (يا كمرنا لا تغيب)، (الله مصبحكم بالخير)، (شدة يا ورد)، (اشكمو ياشيب)، (يا يمّه إنطيني خريزة)، (يا حوتة يا منحوتة)، (طلعت الشميسة على قبر عيشة)، (يا خشيبة نودي نودي) وغيرها. كما تم تنفيذ مسلسل (سفينة الحكايات) عام 1981م وهو إنتاج (عراقي – سوري) مشترك. ومسلسل (علي بابا) عام 1981م كتبهما الكاتب المغربي محمد السملالي، ومثل شخصية [الراوي] الممثل سامي قفطان. ومن الأفلام التي أنتجتها شعبة الدمى: الفيلم الملون 16ملم (الأخوات الثلاثة) وكان من إخراج: فلاح زكي، وفيلم (الجسر الجديد) لعزي الوهاب، وفيلم (الفأر الرسام) وفيلم (الكلب والأرنب)، وأفلام أخرى.