وحيده خلیل صوت الحنين الدافئ

وحيده خلیل صوت الحنين الدافئ

سعدي جبار مكلف

ايقنت تماماً ان الحكاية لا تنتهي على خير مع مدير المدرسة الاعدادية التي نقلت اليها عقوبة وابعاداً لي فقد نقلت الى اعدادية الزبير للبنين الواقعة على اطراف مدينة الزبير الحدودية ، تقع بناية هذه المدرسة مباشرة امام مقبرة كبيرة تضم عشرات القبور القديمة والحديثة

فقد ارسل لي عدة مرات وفاتحني في الانتماء الى حزب السلطة وقد عرفت لاحقاً انه كان من المنتمين الى الحزب الشيوعي سابقا ويعرف كافة التفاصيل التنظيميه صغيرها وكبيرها وهو رئيس نقابة المعلمين في الزبير خادم السلطة روحاً وجسداً ولا اخفي انه ذكي يعرف جميع الاساليب والحيل ومتمرس في كسب مايريد وبشتى الاساليب وقد اخبرني وبصوت منخفض انه لا يتحمل مسؤولية بقائي واستمراري في المدرسة فقد دافع عني كثيرا ومع علمي ويقيني انه يدعي هذه الحكايات والقصص كذبا وزورا اخبرني ان المدرسة اغلقت تماما واصبحوا جميع الملاك التعليمي منتمين الى الحزب اي حزب البعث العربي الاشتراكي وماهي الا ايام حتى صدر امر نقلي من مدرس لمادة الفيزياء للصف السادس العلمي الى كاتب وكنت ضمن اكثر من مائة وسبعون مدرس ومعلم ، وكان القسم الذي نقلت اليه قسم المختبرات وهذا القسم لا يوجد اصلاً لعدم وجود مختبرات في المدارس وانتهى كل شئ درسته في الفيزياء سلمني كتابان الاول امر تحويلي من مدرس الى كاتب والثاني انقطاعي عن الدوام في الاعدادية ويجب ان اباشر في مديرية التربية غداً تسلمت الكتاب واتجهت الى مديرية التربية في العشار خلف الاعدادية المركزية وصلتها متأخر تركت كل شئ الى اليوم الثاني وفي اليوم الثاني اصبحت كاتبا في قسم المختبرات وموقعه في بناية قديمة في منطقة البصرة القديمة وفي المخزن الثانوي ، المكان غرفة تحتوي على عدة مناضد لموظفين مبعدين عجزة او سياسين يترأسهم رئيس ملاحظين كان مسؤول نقابة المعلمين في البصرة قبل مجئ البعث يعرفه كل اهالي البصره من خلال الجمعية الاستهلاكيه للمعلمين ارشدوني الى مكان عملي الجديد وهو عبارة عن منضدة وخزان يحتوي على سجلات لمختبرات المدارس واغلبية مدارسنا لا يوجد فيها مختبرات ( اسمي بالحصاد ومنجلي مكسور ) وبعد الاستفسار عرفت اني المسوؤل عن نفسي في كل شئ وهكذا اصبحت كاتب ليس الا وضاع تعب اربع سنوات دراسية .

الدائرة عبارة عن بناية قديمة جداً ممكن السقوط في اي لحظة وانا اصبحت لا شغل ولا عمل لاحظت ان الموجودين يقضون كل وقتهم في سوق البصرة القديمة وفي سوق الطيور والحمام الموجود قريب من الدائرة او شارع بشار مقر بنات الليل والغانيات والراقصات وفرق الطبل والحفلات لم اعر اي اهتمام لهذه النكسة الكبيرة والمحاربة لطموحي واملي وقدراتي بل اعتبرتها جزء من تضحياتي الكبيرة كان والدي رجمه الله على مشارف النهاية وكنت بجانبه كل وقتي جلب انتباهي ان امرأة في اواسط عمرها تقف بالباب المقابل الى باب الدائرة حيث ان الزقاق ضيق عرضه حوالي اربعة امتار ترتدي الهاشمي والملابس البصرية الانيقة وترتدي مصوغات ومخشلات كثيرة جدا من الزنادي الى الحجل الذهب والمفردات وغيرها وكانت كأنها ترتدي معرض لصائغ بكامله ابتدأت الكلام معي وبقيت اسلم عليها كلما اشاهدها تتكلم بمنطق الواثق من نفسه تعتز كثيرا بكبريائها وشخصيتها الجذابة المحبوبة تنجذب اليها وتحاورها وتتكلم معها كانت حنونة وعظيمة الى ابعد الحدود اصبحت من اصدقائي المعززين المقربين اتكلم معها بصمت واخبرها لوعتي وعذابي وعرفتها انها المطربة وحيدة خليل تحاورني عوفه يساعدي ولا تحسب حسابه كنت من اعماقي اود سماع صوتها العذب وهي تردد ( دللول يالولد يبني دللول )كانت قمة من التحدي والكبرياء الشامخ تزرع الامل منذ اللحظة الاولى لكلامها معك وتصنع منك بطلاً وسيفاً جباراً لا يغمد ابداً اعتدت على سماع حكاياتها وقصصها وكان اسمها الحقيقي مريم عبدالله جمعه وسيرة حياتها كما يلي

‫أسمها الحقيقي مريم عبدالله جمعة ومن مواليد عشرينيات القرن الماضي في حي الرباط الصغير بمحافظة البصرة، وقد أختير لها لقباً فنياً فاشتهرت باسم ( وحيدة خليل ) ، نشأت وهي تستمع إلى أطوار الأبوذيات والمواويل المليئة بالحزن والشجن ، وكانت تستمع إلى أصوات معروفة بالغناء الريفي مثل ( حضيري أبو عزيز ) و ( داخل حسن ) وآخرين بدأت الغناء متأثره بصوت ام كلثوم وكانت تقلدها ولكنها ابتعدت عن التقليد عندما رحلت من مدينتها البصرة الى العمارة حيث داعبت أذنها الوان الغناء مثل المحمداوي والحياوي والغافلي والنايل والسويحلي والركباني ، مزيج الالوان هذة فتح امامها طريق الشهرة والطموح فقررت الرحيل الى بغداد اتجهت إلى الغناء الريفي عند دخولها الإذاعة العراقية عام 1950 سافرت الى بيروت/ دمشق، الاردن، تركيا، بلغاريا، امريكا، لندن، وغيرها، قد غنت عام 1954 في بيروت وقد كان من بين الحضور في حفلتها في سينما النور الفنانة الكبيرة فيروز والفنانة صباح.

عام 1961 اشتركت في تمثيل فلم فجر الحرية وغنت اغنيتها المشهورة هذا منو دك الباب .

کان اول من اکتشف جوهر صوتها الملحن عباس جمیل الذي عرفها على الملحن ناظم نعيم حيث قدمها الى الجمهور في اغنية ( يايمه ذاك اهواي).

‫ ثم جاء الفنان الراحل جميل بشير فقدمها باغنية (من وصلچ من دلاچ).. كانت هذه اول مرحلة تخطوها. ثم جاءت القفزة الكبيرة، على يد الملحن عباس جميل، الذي صاغ لي العديد من الالحان، التي دفعت بقدرات صوتها نحو المزيد من التألق والنجاح، منها (عين بعين، وچاوين اهلنا) وغيرها.

في نفس العام الذي دخلت فيه الإذاعة العراقية، سجلت لها شركات الأسطوانات مجموعة من الأسطوانات، كان أولها اسطوانة بعنوان “ دللول يا الولد يا أبني في وقت قصير جداً وجدت وحيدة خليل نفسها في بغداد مطلوبة في البيوت والحفلات الخاصة، ولم تكتفي بذلك، حيث راحت تستكمل مسيرتها الفنية عن طريق الغناء في الملاهي التي كانت في ذلك الوقت حاضنة المغنيات المطربة وحيدة خليل مطربة جزيلة العطاء غنائياً، حيث تملأ ذاكرة المكتبة الغنائية العراقية بأعذب أغانيها، شجية الصوت ، تجيد الغناء الريفي الأصيل القريب من ذائقة أهل المدينة، حلاوة الصوت ضلت ترافقها حتى يومها الأخير، تحس النبرات الطفولية في صوتها عام 1961 اشتركت في تمثيل فلم ( فجر الحرية ) وغنت فيه أغنيتها المشهورة ( هذا منو دگ الباب ) أجادت المطربة وحيدة خليل غناء الكثير من الأطوار الغنائية مثل: الحياوي، المستطيل، الدشت، العنسي إلى جانب السويحلي والنايل والبستة، إلا أن أكثر أغانيها شهرة وحلاوة هي تلك التي كانت تؤديها بطور الغافلي واطوار كثيرة منوعة «.

غنت للملحن محمد نوشي (سبحان الجمعنه) و(هذا منو دك الباب) و(الي يحفظج ربي يا يمه).ولحنت وحيدة خليل لنفسها بعض الأغنيات، وكان أبرزها أغنيتها الشهيرة “ أنا وخلي تسامرنا وحجينا. «

من اجمل ما لحن لها الملحن عباس جميل:‫لا هو جرح ويطيب ،‫عليمن ياقلب تعتب عليمن،‫حرت والله بزماني،‫امس واليوم،‫ارد اوقف بحي الولف،‫على بالي ابد،‫اقولك لو عواذلنا تقولك ،‫بسكوت اون بسكوت،‫يمة هنا،‫ماني صحت،‫جان الحي حلو بعيني،‫ اليّ يحفظج يايمة.

‫توفيت رحمها الله في تسعينيات القرن الماضي .