“وحيدة خليل”.. عطر الماضي وأناقة الاداء

“وحيدة خليل”.. عطر الماضي وأناقة الاداء

ستار الناصر

ظهرت الفنانة الراحلة وحيدة خليل في مرحلة الأربعينيات، وهي تبحث عن مكان لها في المشهد الموسيغنائي العراقي. ووحيده خليل هي الامرأة العائدة من ريف الجنوب مختزنة في ذائقتها الندية ما سمعته هناك من أطوار الغناء الريفي الصعبة الأداء،

كالابوذيات والمواويل وغيرهما بما تحمل هذه الأنواع الغنائية من رقي واصالة؛ والتي في طياتها يكمن الشجن الجميل والعفوية في الأداء، كل هذا أكسبها الدفء والجمال. وهاتان الصفتان “الشجن الجميل وعفوية الأداء” كانتا السمة البارزة في تلك الاغاني التي مازال الغناء العراقي متشبع بهما.

شهدت تلك الفترة الأربعينات ظهور الأصوات النسوية وتهافت مختلف شركات تسجيل الأغاني “بيضافون، جقمقجي” وغيرهما على تسجيل أغانيهن الجميلة. تلك الشركات النبيلة التي ارشفت هذه الأغاني وهي تحمل هوية موسيقانا العراقية. ورغم ان تلك الأغاني جاءت بعفوية اللحن وبساطة الكلمات، لكنها غنية كل الغنى في استخدام السلالم الموسيقية “المقامات والأطوار وغيرهما».

كانت الساحة الغنائية في تلك الفترة وما بعدها تعج بأصوات نسائية أصبحن مطربات وحققن نجاحا ملحوظا، فيهن البغداديات من أمثال الراحلات: صديقة الملاية، وسليمة مراد، منيرة الهوزوز، وأصوات قادمة من ريف الجنوب كجليلة أم سامي، مسعودة. وعربيات قادمات من دول كمصر ولبنان؛ كنرجس شوقي، وانصاف منير وراوية، ونهاوند، وغيرهن الكثير.

الراحلة وحيدة خليل هي من المطربات القادمات من قرى الجنوب الجميلة، لكنها في بغداد وقفت تتأمل ما يحدث، حيث صديقة الملاية، وحضيري ابو عزيز، وناصر حكيم، وداخل حسن وصداهم المؤثر في الساحة العراقية آنذاك. هذا التأمل جعلها تعيد قراءة صوتها لتخلطه بمدنية المدينة فصار صوتها وأداؤها يتمثلان الاناقة في أرقى صورها.. هادئة متأملة كلمات أغنياتها، فغنت في أجمل ما يكون الغناء، حتى باتت أغنية “لا هو جرح ويطيب” على كل لسان، يرددها الواحد منا بشوق ودهشة. كذلك أغنية “بسكوت اون بسكوت تره ما ورج احد”، وهكذا شقت القادمة من الريف طريقها في عالم الغناء لتحقق شهرة لا تقل عن شهرة مجايليها ولتفتح الباب أمام ملحنين كبار كالراحل عباس جميل ليلحنوا لها أعذب الأغاني منها:”ماني صحت يمه أحّا جاوين أهلنا، وهذا منو دك الباب” وغيرهما. كذلك لحن لها الملحن الراحل محمد نوشي وكاظم الحريري الذي كان يصاحبها في حفلاتها وقد لحن لها اغان كثيرة منها “الريف الك موش المدينة”. وهكذا بزغ نجمها عاليا لتخصص لها الإذاعة مكانا بارزا بين المطربين الكبار لتقدم أغنياتها عبر الاذاعة.

ويذكر ان اشد المعجبين بادائها من الفنانين الكبار هو الموسيقار الراحل جميل بشير؛ لذلك وافق على الفور حين طلبت منه أن يعطيها دروساً في آلة العود. كما ان وحيدة كانت تحرص على ان تظهر في أغلب تسجيلاتها التلفزيونية وهي مرتدية الزي العراقي المعروف بالهاشمي، وتضع شالا جميلا على راسها - بالرغم من انها لبست الفستان السواريه - هذا وقد خصها الاذاعي الكبير الراحل سعاد الهرمزي في برنامجه الشهير “من الذاكرة في حديثه عنها ذاكرا فضلها على الغناء العراقي ومنزلتها بين اقرانها فيه.

وفي أواسط التسعينيات رحلت الفنان الهادئة الوقورة بهدوء عن عالمنا تاركة الكثير من الأغاني التي لا تنسى، ومن منا لا يحمل حبا كبيرا لأغنيتها الشهير “ دللول يالولد يبني دللول” وهي بمثابة سوناتا خالدة بحد ذاتها. ولا أعتقد انها غنت أغنية من أغنياتها ولم تصبها الشهرة، واليكم بعضها “عليمن ياكلب تعتب عليمن”، “حرت والله بزماني ياحسرتي”، “سبحانة الجمعنة بغير ميعاد” ، “هذا منو دق الباب” ، “امس واليوم”، “ارد اوقف بحي الولف”، “على بالي ابد”، “اقولك لو عواذلنا تقولك”، “يمه هناه” ، “جان الحي حلو بعيني”، “اليه يحفظج يايمة».

وحيدة خليل، ولأنها الحاضرة حتى اليوم في ذائقة الناس بقوة، فهي بحق الحامل لعطر الماضي الجميل، أوصلته الينا بأدائها الانيق.