صفحة مطوية ومشرقة من تاريخ التعليم في العراق..مدرسة القديس يوسف في منطقة الشورجة

صفحة مطوية ومشرقة من تاريخ التعليم في العراق..مدرسة القديس يوسف في منطقة الشورجة

جاسم محمد رجب

تعد هذه المدرسة من المدارس المسيحية الأجنبية المتقدمة في بغداد والتي اهتمت كثيراً في تربية طلابها ورفع مستواهم العلمي والديني والأخلاقي، وهي تابعة لطائفة اللاتين الكاثوليك التي أشرفت على إدارتها هيئة الآباء الكرمليين في بغداد.

وتقع هذه المدرسة في محلة رأس القرية عكد الكنائس (عكد النصارى) مقابل جامع الخلفاء قرب سوق الغزل في بغداد، شغلت بنايتها المرقمة (1/178) بجوار كنيسة اللاتين التي كانت تحيطها بالجانبين الشرقي والغربي، كما يحيطها من الخلف دير للآباء الكرمليين.

أُسست مدرسة القديس يوسف اللاتينية عام 1737 واستمرت في أداء رسالتها التعليمية حتى عام 1914 بعد أن أغلقت إبان الحرب العالمية الأولى

وحل في بنايتها المكتب السلطاني العثماني، إذ تم الاستيلاء على جميع

محتوياتها من أدوات مدرسية وكراسي وموائد والواح وكتب وخرائط .

وفي فترة الإدارة البريطانية للعراق 1918، تم افتتاح المدرسة ثانيةً

لقبول الطلاب فيها كمدرسة ابتدائية نهارية للبنين، وأخذ مديرها جوزيف كركجي بتهيئة أدوات مدرسية جديدة لتقوم مقام التي فقدت وتلفت عمداً . وفي عام

1920 قام المسؤولون على إدارتها والإشراف عليها من قبل الآباء الكرمليين بترشيح نخبة من الأساتذة الأكفاء لهيئتها التدريسية، وعين الأب جان سعيد الكرملي مديراً لها فأعاد في مدة قصيرة سمعة المدرسة وشهرتها الأولى بالجهود الكثيرة التي بذلها في سبيل تقدمها ورقيها.

تميزت المدرسة بسعة مساحتها اذ تكونت من طابقين احتوت على اربع عشرة غرفة ست منها استخدمت كصفوف دراسية، كما توفرت فيها ساحة مناسبة للألعاب الرياضية وبعض الحدائق الصغيرة التي تكللها أشجار جوز الهند، وتوفرت فيها المستلزمات المدرسية والوسائل الضرورية التي تتطلبها المدارس العصرية الحديثة. وعلى الرغم من أنها مدرسة ابتدائية فقد ضمت مختبراً مجهزاً بالأدوات الفنية الحديثة والوسائل الضرورية اللازمة للعمل العلمي، يستفيد منها الطلبة لدروس الطبيعيات والأشياء والصحة والعلوم الطبيعية وهي تصلح لمدرسة ثانوية.

فضلاً عن احتوائها على مكتبة نفيسة تضم بين جدرانها سبعة آلاف كتاب من الكتب العلمية والأدبية والثقافية وهي مصنفة إلى اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، كذلك أفادت إدارة المدرسة وهيئتها التدريسية من مكتبة الأب أنستاس ماري الكرملي في كنيسة اللاتين وهي من الكنوز الأدبية والثقافية للبلاد. ومن الآثار العلمية فيها وجود متحف مصغر للتاريخ الطبيعي، إذ تحتوي على مجسمات لهيكل الإنسان، ومجسمات لأعضاء البدن، وبعض الحيوانات المحنطة، كما توفرت فيها وسائل الإيضاح والخرائط الجغرافية والمصورات العلمية، وعارضة سينمائية يتم تشغيلها لعرض الأفلام العلمية والاجتماعية للطلاب.

تعدّ مدرسة القديس يوسف اللاتينية من المدارس الأجنبية التي خضعت لأنظمة وقوانين وزارة المعارف، واتبعت المناهج الرسمية المقررة لوزارة المعارف والكتب الرسمية المقررة فيها. فضلاً عن استخدامها المناهج غير الرسمية لتدريس اللغة الإنكليزية واللغة الفرنسية والديانة المسيحية وقد جرت الموافقة الوزارية على تدريس هذه المواد شريطة أن لا تدخل ضمن الامتحانات العامة، ويتم تدريس اللغة الإنكليزية بدءاً من الصف الأول وحتى الصف السادس، في حين يبدأ تدريس اللغة الفرنسية من الصف الثاني وحتى المرحلة الأخيرة، فضلاً عن تدريس الديانة المسيحية لجميع الطلبة المسيحيين. واعتمدت

المدرسة فيما يخص منهج الديانة المسيحية، كتاب مبادئ أصول الديانة

المسيحية للصف الأول، ومختصر التعليم المسيحي للصفوف (الثاني، والثالث، والرابع، والخامس، والسادس)، ومختصر التاريخ المقدس للصفين الخامس والسادس.

أما المواد الدراسية المقررة حسب المنهج الرسمي للوزارة فقد اشتملت على اللغة العربية، والتاريخ، والجغرافية، والواجبات الأخلاقية والوطنية، والخط والرسم، والأعمال اليدوية، والرياضة البدنية والنشيد.

وعند صدور قانون المعارف العامة رقم (57) لسنة 1940، أخذت المدارس الأجنبية الابتدائية تقدم طلباتها إلى وزارة المعارف لغرض تحويلها إلى مدارس أهلية، فضلاً عن تعيين مدراء عراقيين لها، وعلى هذا الأساس قدمت إدارة مدرسة القديس يوسف اللاتينية طلباً مؤرخاً في 13 آب 1940 إلى وزارة المعارف لغرض مواصلة تدريساتها كمدرسة أهلية تخضع لقانون المعارف العامة الذي صدر في 4 آب 1940، ورشحت مديراً عراقياً لإدارتها وهو الأب كراسيان الكرملي، ومن هذا المنطلق اعترفت بها الحكومة العراقية كمدرسة أهلية بعد إجراء مصادقة وزارة المعارف للتخلي عن صفتها الأجنبية.

وبعد صدور القانون المذكور اتخذت إدارة المدرسة عدة إجراءات في سياستها التعليمية بهذا الخصوص، محاولة منها التخلص من صفتها الأجنبية ومواصلة عملها كمدرسة عراقية أهلية، وكانت ابرز الإجراءات التي اتخذتها إلغاء درس اللغة الفرنسية في منهاجها، فضلاً عن تقليص اللغة الإنكليزية.

ومن الجدير بالذكر إن إدارة المدرسة قدمت طلباً في 1 أيلول 1940 إلى وزارة المعارف لترشيح الأستاذ روفائيل بابو إسحق، محاضراً لتدريس اللغة العربية على طلبة المدرسة في أوقات فراغه، من أجل ترقية اللغة العربية في المدرسة وإمكانية تقوية الطلاب ورفع مستواهم العلمي في اللغة العربية.

وجاء هذا الترشيح من قبل إدارة المدرسة نظراً لما يتمتع به روفائيل بابو اسحق من الكفاءة العالية في اللغة العربية وخبرته الطويلة بتدريس اللغة العربية على مدى عشرين عاماً. وعلى هذا الأساس سمحت الوزارة للأستاذ روفائيل بابو اسحق المدرس في مدرسة المتوسطة المركزية في بغداد، بتدريس اللغة العربية لطلاب السادس في مدرسة القديس يوسف اللاتينية، على أن لا يزيد عدد دروسه عن ستة دروس أسبوعيا.

وثمة حقيقة تاريخية ينبغي الإشارة إليها في هذا الصدد هي قيام الأب نوئيل الكرملي رئيس الآباء الكرمليين في العراق، عام 1943 بتقديم طلب إلى وزارة المعارف بضرورة تعيين الدكتور الأب أنج الكرملي اللكسمبورغي . مديراً لمدرسة القديس يوسف اللاتينية، بدلاً من المدير العراقي الأب كراسيان الكرملي المرسل إلى البصرة. وعلى هذا الأساس جاءت الموافقة الوزارية على تعيين الأب أنج الكرملي اللكسمبورغي، ومنحت الإجازة الرسمية باسم المدير الجديد، ولدى تدقيق جنسيته من الوزارة أعيد النظر في هذا القرار، وطلبت الوزارة من رئيس الآباء الكرمليين في العراق ضرورة تغيير المدير الجديد لكونه ينتمي إلى أصول أجنبية ولا يجوز تعيينه مديراً لمدرسة أهلية، عملاً بموجب قوانين وأنظمة وزارة المعارف وأكدت الوزارة على ترشيح مدير عراقي بدلاً عنه. لذا طلبت إدارة المدرسة من الوزارة الموافقة على التعيين الوقتي للمدير الأجنبي إلى حين ترشيح مدير عراقي جديد.وصرحت وزارة المعارف بدورها بأنها لا تزال تبذل اقصى جهودها لمساعدة المدارس الأهلية وتشجيعها، غير أنها في الوقت ذاته لا ترى ما ينافي تطبيق القوانين بكل دقة، إذ إن الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون المعارف العامة رقم (57) لسنة 1940، صريحة بخصوص إدارة المدارس الأهلية من قبل العراقيين، لذلك فليس بالإمكان تعيين الأب الكرملي اللكسمبورغي، مديراً لمدرسة القديس يوسف اللاتينية، كما لا يمكن قيامه بوكالة إدارة المدرسة، أما موافقة الوزارة في بادئ الأمر على تعيينه مديراً للمدرسة فقد حصل سهواً لعدم تطابقه مع الصراحة القانونية، والزمت إدارة المدرسة بضرورة تعيين مدير عراقي بدلاً من المدير الأجنبي. وبحكم ذلك رشحت إدارة المدرسة في عام 1943 المدير العراقي حنا اسحق صولاغ على إدارة المدرسة والحاصل على شهادة الليسانس من كلية التجارة والاقتصاد، بدلاً من الأب أنج الكرملي اللكسمبورغي.

عن (المدارس المسيحية في بغداد 1921-1958 دراسة تاريخية)