تأسيس حزب الاتحاد الدستوري عراق عام 1949 وإنضمام موسى الشابندر اليه!

تأسيس حزب الاتحاد الدستوري عراق عام 1949 وإنضمام موسى الشابندر اليه!

سـعـاد عـبـد الجـبـار كـاظـم

نظراً للتغيرات التي طرأت على السياسة البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية، ولاسيما مخاوفها من توجهات الاتحاد السوفيتي في المنطقة القائمة على أساس مساندة حركات التحرر الأمر الي دفع بريطانية إلى تغيير سياستها فأشارت على الوصي عبدالاله لإجابة بعض المطالب الشعبية،

فدعا إلى عقد اجتماع لأعضاء مجلس الأمة في السابع والعشرين من كانون الأول عام 1945م، وألقى خطاباً كان مفاجئة لرئيس الوزراء وللسياسيين. إذ أعلن في خطابه بأن الدولة العراقية ملكية حرة مستقلة، وأكد عزم الحكومة على السير وفق المنهج الديمقراطي، وفسح المجال لإعادة الحياة الحزبية، كما أشار إلى معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية.

وبعد إعلان الحكومة فسح المجال لتأليف الأحزاب السياسية، وتقدمت الهيئات السياسية بشرائحها المختلفة بطلباتها إلى وزارة الداخلية، التي أعلنـت في الثـاني من نيسان عام 1946 إجازة خمسة أحزاب سياسية، الحزب الوطني الديمقراطي وحـزب

الاستقـلال وحـزب الأحـرار وحـزب الشعب حزب الاتحاد الوطني. لقد أدت الاحزاب السياسية دوراً كبيراً في تحشيد الجماهير حول الأهداف الوطنية والديمقراطية و اصدار النشرات والصحف الأمر الذي أقلق السلطة الحاكمة التي أخذت على عاتقها ممارسة الضغوط على وزارة توفيق السويدي، بحيث استطاعت تغييرالأوضاع وممارسة الضغوط على الفئة الحاكمة من أجل تحقيق إصلاح جذري حقيقي على جميع الأصعدة (الاقتصادي والسياسي والاجتماعي) الأمر الذي جعل الكثير من السياسيين وعلى رأسهم نوري السعيد يدرك بأن الأحزاب لها الدور الكبير في التأثير في مجريات الواقع السياسي مما شجع نوري السعيد أن يبادر بكسب جميع الأحزاب إلى جانبهِ وعندما فشل في مسعاه فكان البديل له باتخاذ قراراً حازماً بتأسيس حزب سياسي ليكون مسانداً لتوجهاته السياسية وداعماً له في مجلس النواب هو حزب الاتحاد الدستوري.

بعد استقالة وزارة مزاحم الباجه جي في السادس من كانون الثاني عام 1949، كُلِّف نوري السعيد بتأليف وزارته العاشرة في اليوم ذاته، إذ عدّت الأوساط الوطنية وزارة نوري السعيد وزارة تصفية لما بقي من مكتسبات حققتها وثبة كانون الثاني عام 1948. والعمل على القضاء على الحريات العامة، فألغت امتياز عدد من الصحف والمجلات وحملت على المعارضة بشدة تحت شعار محاربة الشيوعية، لاسيما في صفوف الطلاب.

رافق ذلك تجميد كل من الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الأحرار لنشاطهما. فحاول نوري السعيد ايجاد بدائل للأحزاب السياسية، فوضع ميثاقــاً وطنياً لجمع الصفوف، وتوحيد الكلمة. وقد أطلق عليهِ الميثاق بـ (الميثاق الدستوري).

بعث نوري السعيد نسخ عدّة من الميثاق إلى رؤساء الأحزاب، وعدد من السياسيين لاسيما حزب الاستقلال الذي كان يمارس نشاطه بعد تجميد نشاط الأحزاب الأخرى، إلاّ أنَّ حزب الاستقلال رفض الميثاق، واقترح ميثاقاً جديداً لم يوافق عليه نوري السعيد، ففشلت مبادرة نوري السعيد في إقناع حزب الاستقلال بالموافقة.

بعد فشل المفاوضات حول الميثاق الدستوري سعى نوري السعيد لتأسيس حزب سياسي لإيجاد دعامة حزبية لمؤازرة الوضع القائم تحت زعامته وللحد من تصرفات الوصي عندما تتصادم تلك التصرفات مع سياسة نوري السعيد. ففاتح صالح جبر، وقررا أن يعملا سوية على تأسيس حزب سياسي باسم حزب الاتحاد الدستوري على أن يضم بين صفوفه الشيوخ، والشباب على حد سواء للوقوف بوجه الأحزاب اليسارية. وقد تقرر أن تكون الهيئة المؤسسة للحزب من ثمانية أشخاص يختار نوري السعيد نصفهم ويختار صالح جبر النصف الآخر كما تقرر أن يكون صالح جبر رئيساً للحزب؛ لأنه أكثر تفرغاً من نوري السعيد لأعمال الحزب ونشاطاته.

اشتركت شخصيتان في الهيأة المؤسسة هما محمد علي محمود وموسى الشابندر، إذ مضى نوري السعيد في طلب تأسيس الحزب من دون صالح جبر، مما حدا إلى اشتراك هاتين الشخصيتين تزكية منهما لسياسته على الرغم من اشتراكهما في حكومة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941 واعتقالهما ونفيهما.

دور موسى الشابندر في حزب الاتحاد الدستوري

أخذت علاقات موسى الشابندر تزداد متانة بعد أن استطاع كسب ود الساسة العراقيين ولاسيّما نوري السعيد وعبد الإله وجميل المدفعي ومصطفى العمري وغيرهم، بصورة أكثر فعالية وجدية بعد عام 1948 على أثر الأوضاع السياسية التي مر بها العراق والبلاد العربية آنذاك ولاسيما القضية الفلسطينية وقضية الانقلابات السورية. وموضوع الاتحاد العراقي السوري وفكرة الضمان الجماعي إذ التقى موسى الشابندر مع الوصي عبدالاله في الثلاثين من تشرين الثاني عام 1948 وتحدثا بشأن القضية الفلسطينية كما التقى مرة ثانية مع الوصي وهاشم الأتاسي، وسامي الحناوي في الخامس من تشرين الأول عام 1949 في سوريا، فضلاً عن اتصاله مع فاضل الجمالي في الرابع من أيار 1949 أثر توجيه دعوة عشاء رسمية تكريماً لبعض الوزراء المفوضين الأجانب في العراق، كما استمرت علاقته مع نوري السعيد الذي كسبهُ إلى جانبه مع محمد علي محمود في الانضمام إلى حزبه حزب الاتحاد الدستوري وأصبحا عضوين فاعلين في الرابع والعشرون من تشرين الثاني عام 1949. لقد بدأ نضوج فكرة تأسيس الحزب بعد أن قدم كل من نوري السعيد وعبد الوهاب مرجان، ومحمد علي محمود وموسى الشابندر وجميل أورفلي وسعد عمر وعبد المجيد عباس وأحمد العامر وخليل كنة طلباً إلى وزارة الداخلية في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 1949 بتأسيس حزب سياسي باسم (حزب الاتحاد الدستوري).

فقدموا طلباً إلى وزارة الداخلية في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 1949 مع مجموعة من الأعضاء مرفقاً بالمنهاج الأساسي للحزب ونظامه الداخلي، فوافقت الوزارة على ذلك الطلب بكتابها المرقم (16316) في الرابع والعشرين من تشرين الثاني 1949. وبعد إجازة الحزب، اجتمعت الهيأة المؤسسة للحزب في دار نوري السعيد، وقررت انتخاب نوري السعيد رئيساً مؤقتاً للحزب وموسى الشابندر محاسباً وخليل كنه سكرتيراً ولغاية اجتماع المؤتمر العام للحزب.

تم تحديد الأعضاء علماً أن اسم الشابندر لم يظهر في انتخابات لجان الحزب العامة؛ وذلك لأنه شغل منصب وزير العراق المفوض في دمشق، إلاّ أنه بقي عضواً فعالاً في الحزب وخير دليل على ذلك تكليفه من قبل نوري السعيد بمهمة خاصة إلى سوريا لبحث موضوع الوحدة بين البلدين، وقد نال الحزب مساندة الوصي عبد الإله.

يبدو لنا مما تقدم، أن انضمام موسى الشابندر إلى ذلك الحزب فرصة لا يمكن التعويض عنها، وذلك لمعاودة نشاطه السياسي من جديد، بعد حركة مايس 1941، وما لحق به من تعذيب جرّاء سجنه وتعرضه لخسائر مادية، ولذا كانت خطوة لرد اعتباره من جديد على الساحة السياسية في البلاد وفرصة لكسب قضيته وإعادة أمواله التي صودرت منه، وذكر موسى الشابندر « أما بالنسبة لي، فكانت خطوة ايجابية تخدم مصلحتي الشخصية، وإعادة حقوقي، وتخدم في الوقت نفسه المصلحة العامة باتباع سياسة واقعية إيجابية تضمن حقوقنا من جهة، وتحد من تصرفات المشاغبين..

عن رسالة (موسى الشابندر ودوره الثقافي والسياسي )