عندما كانت الكرخ مسورة بــ (سور سليمان)

عندما كانت الكرخ مسورة بــ (سور سليمان)

رفعة عبد الرزاق محمد

كثيرا ما كنت اسأل نفسي عندما اقرأ شيئا عن سور الجانب الشرقي من بغداد وابوابه الاربعة.. هل كان للجانب الغربي الذي ندعوه بالكرخ سور وابواب؟. لقد عرفت ان سورا للكرخ اسسه والي بغداد المملوكي سليمان باشا الكبير الذي استمرت ولايته لبغداد نحو ثلاث وعشرين سنة انتهت بوفاته سنة 1802 وهي فترة طويلة لم تستمر عند اي من ولاة بغداد في العهد العثماني.

ولكن ماهي طبيعة هذا السور وصفته؟ فقد كانت معلومات متفرقة عنه هنا وهناك. وقد اتاح لنا الصديق الاستاذ علاء محسن الخزعلي مشكورا فرصة طيبة للبحث عن هذا السور عندما نشر في صفحته صورة واضحة المعالم لجانب من هذا السور فاغنانا بالعديد من الفوائد التاريخية.

وقد ادى بنا البحث (باختصار) الى انه قبل بناء السور المذكور كانت هناك سدة ترابية تحيط بجانب الكرخ قبل تشييد السور، فقد ذكر الرحالة الايطالي تكسيرا الذي زار بغداد في اوائل السابع عشر (1604) ودخلها من الطريق المؤدي الى الحلة انه عبر خندقا وصفه بانه عريض وعميق حفر سنة 1901 وعليه قنطرتان ومن تراب هذا الخندق اقيمت تلك السدة التي استخدمت في صد هجمان الاعراب وصد الفيضان الذي كان يأتي من الفرات. ولعل ذلك اول اشارة لاسوار الجانب الغربي من بغداد في العهد العثماني.

والرحالة التي جاءوا بعد ذلك لم يشيروا الى وجود سور لبغداد الغربية (مثل بترودلافاله اوتافرنييه)، حتى ان نيبور الي زار بغداد سنة 1766 لم يشر اليه لانه لم يجب هذا الجانب اذ كانت مياه الفيضان تغمره.. واول رحالة نوه بوجود السور الفرنسي اوليفيه سنة 1794، اذ ذكر ان الكرخ ضاحية محصنة محاطة بخندق صغير وسور بسيط شيده الوالي سليمان باشا ومدعم بالابراج ومزود بالمدفعية. وذكر السور الرحالة اللاحقين مثل ابوطالب خان (1803) وبكنكهام (1816) والمنشيء البغدادي (1822) الذي ذكر ان للسور اربعة ابواب هي: باب الكاظم، باب الشيخ معروف، باب الحلة، باب الكريمات. اما الانكليزي فريزرفقد ذكر سنة 1834 ان السور قد تعرض للهدم كسور الرصافة، ولعل ذلك بسبب احداث سقوط داود باشا وما اصاب بغداد من نكبة كبيرة.

الصورة التي نشرها الاستاذ علاء الخزعلي هي افضل ما وصلنا عن هذا السور وقد رسمت سنة 1845 حيث يتضح فيها ان مرقد الشيخ معروف وقبة زمرد خاتون هما خارج السور بمسافة واسعة. اما خارطة فيلكس جونز وكولينكوود في منتصف القرن التاسع عشر، وهي افضل الخرائط لتلك الفترة فقد اوضحت ان جميع محلات الكرخ ومناطقه يضمها السور وله اربعة ابواب و30 برجا بعضها كبير كأنه قلعة صغيرة. وفي رحلة بدج سنة 1888 فقد ذكران سور الكرخ مهدم.وفي خارطة رشيد الخوجة سنة 1908 يظهر قسم من السور قد ازيل، وفي خارطة ماسينيون لبغداد سنة 1908 فقد اشار الى ثلاثة ابواب للسور ولم يذكر باب الكريمات الذي يبدو انه قد ازيل مع قسم كبير من السور.

ذكر احد المصادر البغدادية ان طول سور الكرخ من باب الكاظم الى باب الكريمات 2400م وعرضه في اوسع قسم من هذا الجانب يبلغ 1000م. لقد بقيت اجزاء من هذا السور معروفة حتى اواخر عشرينيات القرن الماضي،وقد سمعت مرارا ان الناس كانوا ينقبون في اسس السور والمباني القديمة لاستخراج الطابوق واستخدامه في البناء. اما الخندق الذي كان يحيط بالسور فقد بقيت آثاره الى سنوات متأخرة، وقد اختلط الامر على بعض الباحثين اذ خلطوا بين بقايا الخندق وبقايا انهرمندرسة كالمسعودي.