فرنسيس بيكون.. هل هو الذي كتب لشكسبير مسرحياته؟

فرنسيس بيكون.. هل هو الذي كتب لشكسبير مسرحياته؟

نجم عبد الكريم

شخصية مثيرة للجدل واسمه قفز إلى مقدمة الأحداث الأدبية رغم مرور أربعة قرون على وفاته (3 ـ 3) بدأ فرانسيس بيكون يدعو الى ايجاد منهج جديد في البحث والاستقراء لاسترداد سيطرة الانسان على الطبيعة، وان ذلك لا يتم الا بإطاعة قوانين الطبيعة ذاتها ومعرفتها.

واخذ يؤكد هذا المعنى الذي يدعو اليه قائلا: «اذا اصبحت الارض كلها ملأى بالمدارس والكليات والجامعات فإنه لن يتحقق اي تقدم في العلوم من دون دراسة للتاريخ الطبيعي ومن دون منهج تجريبي».

وقد وصل به حماسه لضرورة التجريب وان المعرفة العلمية لن تتحقق الا بالمعرفة العلمية عن طريق الحس والتحليل العقلي، الى اعتقاده ان مهمة العلوم ستتحقق في سنوات قليلة، سيكون في امكان البشر بعدها ان يعرفوا كل ما يسعون الى معرفته وما يتوجب عليهم معرفته، وربما كان الدافع وراء حماسه هذا هو تشجيع معاصريه على تقبل افكاره الجديدة.

على ان الاركانون يعطي اهمية قصوى للمنطق، وذلك لكي يوضح الفرق بين رؤياه وبين ارسطو فهو يكشف اولا عن ضعف المنطق الارسطوطاليسي ويهاجم القياس الذي يرى فيه مجرد تثبيت لحقيقة مستبقة سلفا في مقولة مسبقة، ويرى ان هذا المنطق ادى الى تدهور العلوم ومن ثم اخذ يحدد خطى مذهبه الجديد، وهو في جوهره منطق التحليل العلمي المعاصر، ويدافع عن منهجه باعتباره ليس تصحيحا للمناهج السابقة وانما هو نفي لها ومنح العقل الانساني قدرات جديدة لتوسيع آفاقه وتمكينه من الوصول الى الحقيقة في كل جزئية يقوم بدراستها.

عالم جديد:

كان بيكون يرى ان كولومبوس باكتشافه قارة العالم الجديد قد فتح آفاقا جديدة للعالم المادي وانه من المخجل ان تظل حدود العالم الفكري مغلقة وضيقة. لذلك فهو يرى ان المنهج التحليلي التجريبي الذي يدعو اليه لا يجب حصره في العلم الطبيعي فحسب بل يجب اتباعه في دراسة العلوم الاخرى، وان ذلك من شأنه ان يساعد على التركيب بمعنى الابتكار الذي ينشأ بعد معرفة الاكتشاف.

وقال ان الانسان اسير اوهام عديدة، هي احساسه بأن المعرفة عن طريق الحواس ناقصة، وانه ككائن بشري يشتمل على نقص في طبيعته البشرية، وانه اسير الالفاظ العامة المبهمة المعاني، واسير ثقافاته القديمة، ثم اوضح بعد ذلك ان هذه الاوهام لا يقتصر وجودها في ذهن الانسان العادي فحسب بل هي متوفرة عند الفلاسفة انفسهم، وفي مختلف المدارس الفكرية منذ ايام الاغريق حتى زمانه هو. وقدم دراسة موحية حول هؤلاء الفلاسفة الذين تنطوي نظرياتهم على وهم من هذه الاوهام او كلها.

وخلص من ذلك الى ضرورة ان يتجاوز الذهن الانساني ذاته، وان يتملك وسائل جديدة تساعده على ادراك بطلان اوهامه هذه، وان يقبل على العلوم بعقل بريء صاف خال من اي مفهومات قديمة كأنه عقل طفل لم تشوهه معلومات خاطئة مسبقة.

ثم اخذ بعد ذلك في تبيين حدود فهمه للاستقراء مخالفا بذلك مفهوم ارسطو في الاستقراء الذي رغم انه ذكره الا انه لم يطوره وبدا عليه ـ ارسطو ـ انه لم يفهم حدود هذه الملكة الرئيسية في فهم الحقيقة.

ومهما يكن من امر فإن (بيكون) وضع الأساس الأولي للمنطق العلمي الحديث الذي توسعت الآن استخداماته الى كل انواع العلوم بما في ذلك العلوم الانسانية التي لا تخضع للتجريب، وقد كان من الممكن ان يقدم بيكون تطورات اشمل لمنهجه لو انه توفر على صياغتها الصياغة الكاملة التي خطط لها، ولكن انشغاله بالمشاكل العامة والمناصب التي تولاها جعل تفرغه لعمله الحقيقي قليلا ومحصورا. وقد استطاع رغم ذلك ان يقدم على مغامرته الخطيرة في تغيير مناص التفكير في عصره، فإن هذا لم يمنعه من الوقوف موقفا خاطئا من بعض اكتشافات عصره مثل عدم ادراكه لكوبرنيكوس وجاليليو، رغم ان هذين العالمين بالذات قد حققا عمليا ما كان يدعو اليه هو، وربما كان تقصيره هذا بسبب انشغالاته العامة تلك. ورغم تقصيره هذا فإنه مات في يوم كان يحاول فيه عمليا ان يثبت صحة منهجه، كان يوما باردا شديد البرودة، فوجد في برودته فرصة لاثبات ان البرد او الثلج قادر على منع التعفن فأصيب بالتهاب رئوي حاد ألزمه السرير عدة ايام مات بعدها وكان في الخامسة والستين من عمره، وقد خلف وراءه منهجا ساعد الاجيال التي أتت من بعده على تخطي كل حواجز الجهل والانطلاق الى عالم المعرفة الحقيقية.

شكسبير ورغم مرور اكثر من اربعة قرون على وفاته، الا ان اسمه عاد وقفز الى مقدمة الاحداث الادبية عند تنبه عدد من النقاد الى التشابه الشديد بين لغته ولغة شكسبير، وسرعان ما تطور هذا التشابه الى ان اصبح بعد ذلك نظرية يطلق عليها اسم (النظرية البيكونية) وهي تقوم على فكرتين اساسيتين:

الأولى: هي وجود قرائن داخلية تشير الى ان الكاتب لهذه المسرحيات كان هو بيكون وليس شكسبير، والقرائن الداخلية هذه هي المفردات اللغوية المستخدمة في المسرحيات ونوعية المعرفة المنتشرة فيها.

والفكرة الثانية: هي القرائن الخارجية التي تدور حول ذلك الغموض الشديد الذي يكتنف حياة شكسبير، وتجعل الافتراض أميل الى نسبة المسرحيات الى بيكون. إلا أن هذه المعركة الادبية لم تحسم لصعوبة الحسم فيها من ناحية، وعدم وجود دليل تاريخي واضح يفصل فيها.

الخلاصة:

لقد كانت شخصية بيكون من اكثر الشخصيات مدعاة للاختلاف، ولم تتوقف هذه الحال حتى بعد موته، فهو رغم اهميته في تاريخ الفلسفة العلمية، ظلت تهمة الحاقه الاذى بزميله وصديقه إيرل أوف إسكس لصيقة به طوال حياته وساعدت في ما بعد على تنشيط الاتهام ضده حول ارتشائه من المتقاضين والمتهمين، فإذا صحت العلاقة بينه وبين شكسبير حتى التطابق بين الشخصيتين فهو يمكن الحاق كل هذا بشكسبير. من اجل ذلك فإن الدراسات الاكاديمية ما زالت باقية على الفصل بينهما رغم اهمية كل من القرائن الداخلية والخارجية معا.

عن الشرق الاوسط