صوت كردي خالد لا يمحيه الموت

صوت كردي خالد لا يمحيه الموت

حكيم نديم الداودي

لايمكن حصر الأصوات الغنانية الخالدة في زوايا النسيان، أو تقييمها بصورة عرضية من دون معرفة خاصية الصوت الشجي. الذي يحمل بين نبراته القوية والمتوازنة بالقرار والإيجاب بعيداً عن الزعيق وقريباً من المرونة المحببة. الموشية بنكهة إثارة الحزن الدفين في النفس التواقة لذكريات الأحبة في لحظات فرح المواسم وساعات النشوة بعد مرارة الفراق.

حسن زيرك منذ نصف قرن صوته يقاوم النسيان والتهميش، نصف قرن وعلى بساطته القروية حنجرته تشّنف السمع وتطرب الروح، دون أن تعرف خدعة فن فيديوكليب، أواللقطات المثيرة لتقطيع الكاميرات المتطورة، العاكسة لهزات البطون وعرض السيقان البظة العارية، على حساب الصوت النشاز الضائع بين المعمعات اللونية والوصلات الراقصة. كان حسن زيرك لوحده مدرسة غنائية كردية كبيرة، قوامها العفوية والتواضع، لبناتها كلماته الطرية بندى صباحات عشاق كردستان، والعذبة مثل مشاهد مدينة بوكان.

عندما نستذكر حسن زيرك اليوم، معناه نتوقف عند فنه الغنائي الأصيل الممنوع من النسيان. نستذكره برصيده الغنائي الذي لا يمحيه الموت، حسن زيرك كان لا يملك الأرصدة الكبيرة في البنوك، ولا كان متاجراً بالعقارات، ولم يكن منهمكاً ليل نهار في توظيف فنه في خدمة مآربه الشخصية، على حساب الذوق العام وعلى شرف أصالة الأغنية الكردية. حسن زيرك صاحب الحنجرة الذهبية الذي مات ولم يشبع بطنه الخاوية من الخبز اليابس، وكان نصيبه السجن والتشريد في ظل النظام البهلوي المباد.مهاجراً مدينته بسبب اضطهاد صوب القرى الكردية، صادحاً بصوته العذب في وصف جمال كردستان وجميلاتها المصونة بفرسانها الشجعان. زيرك كان مؤلفا وملحناً بفطرته الفنية أغلب أغانيه ذائعة الصيت. دون أن يدخل مدرسة في حياته القصيرة.العامرة بالعطاء من أجل خدمة التراث الغنائي لشعبه الصامد بوجه التهميش.

وحول مكانة حسن زيرك في السلم الغنائي الكردي قال عنه د. توفيق آلتونجي” لايمكن التطرق الى الغناء الكردي الشعبي دون التوقف كذلك عند أحد عمالقته، وأكثر المطربين في العالم غزارة في إنتاج الأغاني، وهو المطرب الشعبي الكبير- حسن زيرك- فهو مدرسة غنائية شعبية متكاملة، ولات آزاد كه ى، أينما حل وترحل، من ايران الى كركوك”.وعن دور الأغنية الكردية القدية كوسيلة للتواصل بين قبائل وعشائر الشعب الكردي وتمجيدها لبطولته، كتب الأستاذ احمد زاويتي في مقدمة مقابلته مع المغني الشعبي الكردي خليل باكوزي “كانت الأغنية الكردية القديمة من أهم وسائل التواصل بين قبائل وعشائر الشعب الكردي.

وبهذه الطريقة انتشرت القصص والأساطير بين مختلف مناطق كردستان واختلطت فيها الحقيقة بالخيال المصطنع من قبل المغني”. وإنصافاً لتراث هذا الرائد الغنائي الكردي حسن زيرك، نقول قلّما يجود العصر صوتاً أصيلا كصوت حسن زيرك، الذي دخل القلوب والروح دون تكلف أو استئذان. حسن زيرك كان صوته يصدح في كل المناسبات والأفراح والمواسم، وفي يوم نوروز الخالد تتحول أغنيته الوطنية ئه م روزى سالي تاز ه يه، الى نشيد يومي طيلة أيام نوروز الخالدة على شفاه الناس، وعلى شاشات الفضائيات الكردية. كيف يموت صاحب هذا الصوت الأصيل وكلمات شعراء الكرد من أمثال بيره ميرد، كوران، أحمد هردي. وكيف يطويه النسيان. هذه هي معادن أصحاب الأصوات الأصيلة التي لا تصدأ.

حسن زيرك الذي عاش معدماً وعفيفاً بين محبيه ولم يمد يده الى أحد، تاركاً حبه ومكانته بصوته وخفة روحه في قلوب الملايين. ترعرع في مجتمع قاس و صعب. عانى المعاناة وشظف العيش منذ طفولته، قاوم بصوته الرخيم الفقر، وبمجالسه العامرة بروح الطرب. حسن زيرك الذي زار أكثر مناطق، لحبه لوطنه وشعبه، ومن جالس حسن زيرك مرة تمنى أن يكون دوماً في مجلسه، كان معجباً بتراثه الكردي وبشعرائه الكبار. وفي ذكرى رحيله المأساوي مع المرض في حزيران 1972، ودعنا زيرك في زحمة ظروف قاسية وبصمت، ولم تسلط الأضواء كثيراً على حياته المليئة بالعطاء والنشاط والحيوية في خدمة الأغنية الكردية.