الفنان عبد الجبار عباس.. أم علي

الفنان عبد الجبار عباس.. أم علي

د. سالم شدهان

(اللي يعيش) تمثيلية كوميدية اسبوعية تتناول هموم الناس في تلك الفترة ومشاكلهم بطريقة فكاهية عرضت من على شاشة تلفزيون العراق بعد تأسيسه في عام 1956 اشترك فيها مجموعة من روّاد الحركة الفنية في العراق منهم المرحوم (كامل القيسي) بشخصية ابوعلي , و(كريم عواد) بشخصية الابن الشقاوة (ابو عظمة) ,

أما شخصية ام علي فقد مثلها باجادة تامة الفنان المرحوم (عبد الجبار عباس) في زمن كان فيه العنصر النسائي يكان يكون معدوما وجوده في الساحة الفنية. لم تكن ملامح عبد الجبار عباس انثوية , ولا صوته من الرقة أو بطبقة ناعمة تجعله يصلح لتمثيل شخصية امرأة , لكنها خطوة شجاعة من فنان موهوب له ثقة بنفسه تفوّق فيها على كل التقاليد والعرف البالية, فلبس الملابس النسائية وشدّ (الجرغد) أو (الفوطة النسائية) على رأسه واستعدّ جيدا لكي يمثل شخصية ام علي المرأة المسترجلة بصوته الاجش الذي لم يغيرأو يحاول ان يغير من طبقة صوته القاسية. كانت هذه الشخصية بداية لمجموعة من الادوارالنسائية التي مثلها هذا الفنان لشخصيات نسائية مختلفة الصفات والاوصاف, لكنه لم يغير من ملامح وجهه أو صوته الكثير بل اعتمد على قوّة شخصيته وموهبته في بث صورة من القناعة اتجاه عين وذهن المشاهد لكي يجعله يصل الى درجة من القناعة, بأن من يؤدي هذه الشخصية ليس سوى امرأة فنانة تقنع المتلقي بأنها صاحبة قضية تود ان تعلن عنها امام الجمهور المتعطش لمثل هكذا اعمال جريئة وممتعة في ان واحد.

حينما يقدم رجل فنان ولد في محلة باب الشيخ , الحي البغدادي المعروف بتقاليده الراسخة , الشقاوات والفن الاصيل المتمثل بالمقامات العراقية , وقراءة الموالد وو.. على مثل هكذا عمل هذا يعني الكثير لكن الفنان عبد الجبار عباس لم يفكر بكل هذا بقدر تفكيره بموهبته وقناعته بها فوقف مع زملائه ليسد ظاهرة قلّة العنصر النسائي انذاك ويستغل فرصة الظهور والحصول على فرص لتمثيل شخصيات نسائية اخر ىنجح في تجسيدها كثيرا. عبد الجبار شخصية شعبية محببّة لايمكن نسيانها. يمكنه ان يتفاعل مع المكان وساكنيه فيوزّع الافعال بالتساوي حسب اهمية الشخصية, وقيمة الفعل الذي عليها ان تقوم به داخل بنية العمل الفني , وبدل ان يصبح صوته الاجش وبالا عليه كان نعمة استغلها الفنان عبد الجبار الذي يجعل المتلقي يقترب منه ويتعايش معه ولا يشعر بأي ازعاج من ذلك الصوت الذي يمزّق علم الصمت ويخلق لنفسه مساحة صوتية تتلون في الحزن والفرح, وتشيع ملامح الحزن في المواقف الحزينة , وجو المرح والفرح في المواقف المضحكة. شخصية وحضور ومواصفات وموهبة هذا الفنان حجزت له مكانا في معظم الاعمال التي كانت تصنع انذاك من مسرح وتلفزيون وسينما, فكان القاسم الاعظم فيها بأدوار راسخة في اذهان مشاهدي التلفزيون والسينما ومتابعي الاذاعة. كانت طريقته في تمثيل الشخصيات النسائية تختلف عن باقي الممثلين الذين ادّوا مثل هذه الشخصيات مثل زميله الفنان (سمير القاضي) الذي كان يحاكي صفات المرأة لكسب المتلقي واضحاكه , لكن عبد الجبار بملامحه القاسية وصوته الرجولي المميز عمل بطريقة العارف الذي يبغي التمييز والبحث عن المختلف وسط التشابه في تلك المنطقة الفنية.