برتولت بريشت.. الشاعر الذي أضاء الزمن المظلم

برتولت بريشت.. الشاعر الذي أضاء الزمن المظلم

محمد علي حسين

كان بريشت الذي ولد بمدينة آوغسبورغ الألمانية، في 10 شباط ير 1898 وتوفي في 14 آب 1956 شاعرًا وكاتبًا ومسرحيًا ألمانيا، مارس كل هذه الفنون ليقاوم بها المنفى في حياته، فقد غادر الرجل ألمانيا بعد أن وصل النازيون إلى السلطة في مطلع عام 1933.

وكانت النازية قد قامت بتكميم الأفواه والكلمات الحرة، فمنعت طباعة وعرض مسرحيات بريشت، التي تتسم بالسخرية، ومنعت بالتحديد مسرحية كان قد أعدها للعرض على “مسرح الشعب” تحت عنوان “رؤوس مستديرة ورؤوس مدببة”، وهي عمل يسخر بشكل مبطن من النازية.

حريق الرايخستاغ

شكّلت عملية حرق مبنى #البرلمان_الألماني (الرايخستاغ) في 27 فبراير 1933 بداية الخطر الذي شعر به الكاتب المسرحي والشاعر بريشت، بأن يفكر بالفرار من هذه الوضعية المقبلة، حيث أدرك أن النازية سوف تطارد الشيوعيين، والديمقراطيين، والمناهضين للفاشية، أي كل الذين يقفون ضد صوتها.

واستخدم هذا الحريق كدليل من هتلر على أن الشيوعيين والمناوئين له يخططون لمؤامرة ضد الحكومة الألمانية، والدليل أنهم عثروا على عاطل هولندي شيوعي داخل المبنى نسبت إليه الجريمة بأنه دخل البلاد لنشاطات سياسية مناوئة.

في اليوم التالي للحريق، فرّ بريشت إلى براغ، هربًا من النازيين، حيث بقي في المنفى قرابة 18 عامًا، متنقلًا بين براغ، وفيينا، وزيورخ، والدنمارك، والسويد، وفنلندا ومن هناك إلى أميركا.

برتولت بريشت كان له حضور كبير في العالم العربي في الستينات باعتباره رائداً مسرحياً، غير أن أشعاره ظلت مجهولة إلى حد ما. الآن بات بإمكان القارئ الاطلاع على ترجمة شاملة لأشعاره صدرت حديثاً. ولكن ما راهنية شعر بريشت اليوم؟

لم يؤثر كاتب في المسرح الألماني مثلما فعل برتولت بريشت (1898 – 1956)، ولم يجدد أحد في المسرحيات الألمانية شكلاً وموضوعاً مثلما فعل رائد المسرح الملحمي. لم ينحصر تأثير بريشت على المنطقة الألمانية فحسب، إذ ترجمت أعماله إلى معظم لغات العالم، وكان خلال الأربعينات والخمسينات من أكثر الكتاب حضوراً على خشبة المسرح العالمي. كما كان بريشت - المعروف عربياً بـ”بريخت” - حاضراً بقوة في العالم العربي خلال ستينات القرن الماضي. آنذاك انتشرت ما يشبه “حمى بريشت” في أنحاء المنطقة العربية، فأصابت أكثر من مترجم تنافسوا على نقل عدد كبير من مسرحياته، مثل “الاستثناء والقاعدة” و”دائرة الطباشير القوقازية” و”الأم شجاعة” و”غاليليو”. أما مسرحية “أوبرا القروش الثلاثة” فقد تم اقتباسها في أكثر من بلد عربي، ونذكر مثلا مسرحية “ملك الشحاتين” للشاعر المصري نجيب سرور، ومسرحية “عطوة أبو مطوة” للكاتب المصري ألفريد فرج.

ولكن ماذا عن الشاعر بريشت الذي يعتبر من أبرز الشعراء السياسيين في المنطقة الألمانية؟ لقد توارى بريشت الشاعر في العالم العربي خلف الكاتب المسرحي اليساري، ولذلك تأخر الاهتمام بشعره بعض الشيء. وكان المترجم وأستاذ الفلسفة عبد الغفار مكاوي من أبرز من عرّفوا القارئ العربي بأشعار بريشت، وهو قام قبل سنوات بجمع القصائد المبعثرة في المجلات وأعاد طباعتها في كتاب بعنوان “هذا هو كل شيء”، صدر عن “دار شرقيات” بالقاهرة.

والآن، بات بإمكان القارئ العربي الاطلاع على “مختارات شعرية شاملة” لبرتولت بريشت، وقام بإعدادها وترجمتها عن الانكليزية أحمد حسان. من بين نحو ألف قصيدة اختار حسان 325 قصيدة من مختلف المراحل الشعرية لدى بريشت لتقديمها للقارئ، وهو يقول عن هدفه من هذه المختارات في حديث لـ “دويتشه فيله”: “كان هدفي أن أقدم الشاعر كله، بكل اتساع أفقه الشعري. في المجموعة هناك قصائد سياسية مباشرة، وقصائد كفاحية وتحريضية، كما أن هناك قصائد حب وتأمل وقصائد في الطبيعة. كان طموحي هو تقديم مختارات شاملة لبريشت. »

«إلى الأجيال المقبلة»

شهادة على فترة المنافي في حياة بريشت: جواز سفره الفلندي

أي زمن هذا

الذي يكاد يُعد فيه الحديث عن الأشجار جريمة

لأنه يتضمن الصمت على العديد من الفظائع؟

بهذه الكلمات لخص برتولت بريشت مأساة جيله، وتراجيديا الشعر في زمن الحرب. استُدعي بريشت للتجنيد خلال الحرب العالمية الأولى، فخدم في مستشفيات الجيش، وهناك عايش عن قرب أهوال الحرب، ومن هذه التجربة نبع رفضه التام لكل الحروب. توقف بعد ذلك عن دراسته في كلية الطب وترك مسقط رأسه أوغسبورغ متوجهاً إلى برلين، عاصمة الثقافة والفن في أوروبا في العشرينات. وفي برلين انطلق نجم بريشت كاتباً مسرحياً، فنشر أول أعماله بعنوان “بعل” عام 1920، وبعد ثلاث سنوات نشر مسرحيته الكوميدية “طبول في الليل” وفيها نقرأ جملته التي وجهها للجمهور بعد ذلك في أكثر من عمل، وهي: “لا تحملقوا هكذا برومانسية. ” أعقبت ذلك مسرحيات عديدة، منها: “قائل نعم، وقائل لا” و”الاستثناء والقاعدة” و”ازدهار وسقوط مدينة مهاغوني”. ولكن سرعان ما يصل هتلر إلى الحكم في ألمانيا، وهكذا تبدأ في حياة بريشت رحلة المنافي التي أخذته من برلين إلى براغ إلى باريس إلى موسكو إلى الدانمرك وإلى السويد. هذه الرحلة المريرة تحدث عنها بريشت في قصيدته المشهورة “إلى الأجيال المقبلة” حيث قال:

أنتم يا من ستعقبون الطوفان

الذي غمرنا

حينما تتحدثون عن إخفاقاتنا

تذكروا كذلك

الزمن الحالك

الذي أفلتم منه.

فقد مضينا نبدل بلدا ببلد أكثر مما نبدل حذاء بحذاء.

استقر المقام بالشاعر في الولايات المتحدة، غير أن حملة المكارثية طالته عام 1947، فعاد إلى أوروبا، ثم استقر في برلين الشرقية. وفي عام 1956 رحل الشاعر ورائد المسرح الملحمي بعد حياة قصيرة، غزيرة الإنتاج، عميقة التأثير.

قد يبدو شعر بريشت أحياناً سياسياً مباشراً يقف على النقيض تماماً من جماليات الشعر الحديث الهامس، فماذا يضيف إلينا اليوم؟ أحمد حسان يعتبر في مقدمته أن بريشت – رغم كل هذه السنين – “ما زال قادراً على إثارة الدهشة لدى جمهور آخر”. وعن هذا الجمهور المختلف يقول في حواره مع “دويتشه فيله”: “كنت متهيباً أن يحاكم الناس بريشت قبل أن يقرأوه، لاسيما وأن الاهتمام بالسياسة بات منحسراً الآن بشدة. غير أني لاحظت إقبالاً كبيراً على شعر بريشت من الشبان تحديداً، وهو اهتمام ينطلق من شعره وليس من مواقفه السياسية”. هناك أسباب كثيرة تجعل عمل “هذا المبدع الكبير – وفي مركزه شعره – قادراً على البقاء كما تمنى رغم تغير الظروف وروح العصر”، يقول حسان في تقديمه للمختارات، وبترجمته الشاملة يدعو المترجم القارئ العربي إلى إعادة اكتشاف بريشت شاعراً إنسانياً جميلاً.

أثار فيلم “أوبرا القروش الثلاثة” في عام 1930 غضب كاتبه برتولت بريخت، وذلك على عكس فيلم “البطون الممتلئة أو من يملك هذا العالم” الذي رافق إنتاجه بريخت من الألف إلى الياء. بريخت كان يرفض تحويل الفكرة إلى “سلعة”.

بيرتولت بريخت: “الطعام يأتي أولا ومن ثم الأخلاق»

بين 2003 و2005 تم عرض مسرحية بريخت “أوبرا الثلاث بنسات” ثلاث مرات على مسارح مصرية بعد أن تم تمصيرها” لتصور أوضاع المجتمع في مصر بدلا من لندن مسرح أحداث المسرحية الأصلي. فهل نجحت عملية النقل أم فقدت المسرحية مصداقيتها؟

بيرتولت بريخت: “الشاعر الذي يلي غوتة في الأهمية»

بعد خمسين عاما من وفاته يبدو بيرتولت بريخت خارج الدوائر ودور النشر ووسائل الإعلام المهتمة بالأدب في ألمانيا. غير أن هذا المسرحي الفذ يلعب دورا كبيرا في عالم اليوم خارج بلده. ليندا كسابو حاولت إلقاء الضوء على ذلك.

بيرتولت بريخت: رائد المسرح الملحمي

بيرتولت بريخت هو أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في المسرح العالمي، فلقد تعدت شهرته حدود ألمانيا لتصل إلى كافة أنحاء العالم، حتى يمكن القول أن معظم الحركات المسرحية الحديثة خرجت من تحت عباءته. (19. 06. 2005)