سهى الطريحي والدبلوماسية النسوية

سهى الطريحي والدبلوماسية النسوية

ياسمين سلمان الجعيفري

تنامي الموضوعات والقضايا الدولية وتشابكها والتي صاحبت التطور المتزايد في عالم الاتصالات والتواصل وتكنولوجيا المعلومات، أدت بمجملها إلى بزوغ مصطلحات جديدة وانماط حديثة في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية لمواكبة ذلك التقدم والتطور على المستوى التفاعلات الاقليمية والدولية.

ومن هذه الأنماط الحديثة للدبلوماسية هو (الدبلوماسية النسوية (Feminist Diplomacy وهي مفهوم لم يحظى بتعريف رسمي واضح ومحدد ومتفق عليه دوليا لحد الان، ويتعبر مفهوماً حديثا ومرناً ويختلف تفسريه من دوله الى آخرى.

وتؤكد الأمم المتحدة بان الدبلوماسية النسوية أو (السياسة الخارجية النسوية) كما اسمتها هي نهج مختلف لتحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تركيزها على نماذج جديدة للسياسات العامة التي تُمكّن المرأة في السياسة الدولية وتُحسن فرص امامهن من خلال التعليم والتمكين الأقتصادي فإن الدبلوماسية النسوية قد تكن الحل لتحقيق الهدف الخامس “ المساواة بين الجنسين” من أهداف التنمية المستدامة. فضلاً عن انها لا تُعنى بالنساء والفتيات فقط، بل تدور حول جعل العالم مكانًا أفضل يتم المحافظه فيه على الديمقراطيات الآمنة. وورد في تقرير نُشر على موقع الأمم المتحدة لدول اوربا الغربية بتاريخ 28 أذار 2022 يحمل عنوان (عصر الدبلوماسية النسوية (An era Feminist Diplomacy يوضح ان مصطلح الدبلوماسية النسوية (او السياسة الخارجية النسوية (Feminist Foreign Policy) وهو مفهوم قدمتهُ وزيرة خارجية مملكة السويد السابقة (ماكروت وال ستورم) في عام 2014، يُفيد بان الدبلوماسية النسوية هي جزء من مساعدات التنمية حيث يمكن للتمويل أن يعزز من خلال العلاقات الدبلوماسية الممارسات الجيدة لتحقيق المساواة بين الجنسين. وتتمثل أهداف السياسة الخارجية النسوية بمحاربة العنف الجنسي، والتحرير الاقتصادي للمرأة، وتعليم النساء والفتيات، وتعليم الرجال والفتيان. كما تركز على المرأة في القيادة وتسعى الى ضمان مشاركتها في السياسة وصنع القرار ومفاوضات السلام وعقد المعاهدات.

تُعد السويد من المنظور الدولي أول دولة طبقت نمط الدبلوماسية النسوية وأسستها على ثلاث ركائز: حقوق المرأة، وتمثيل المرأة، وتخصيص الموارد لضمان المساواة بين الجنسين. كما قدمت في أب 2018 كتيب بعنوان “ الدبلوماسية النسوية” لمشاركة دروس عن سياستها الخارجية بشأن حقوق المرأة. وجاءت فرنسا بعدها بتبني هذا النمط حيث نشر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ووزيرة الدولة لرئيس الوزراء مارلين شيابا في اذار 2019، مقالًا بعنوان “من أجل الدبلوماسية النسوية “ في مجلة (ليبراسيون) الفرنسية. ورد فيه: “خلال العام الماضي كانت فرنسا في مبادرة ديناميكية جديدة: دبلوماسية نسوية حقيقية. دبلوماسية نسوية لا تنسى أي موضوع. دبلوماسية لمكافحة العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. دبلوماسية لتعليم الفتيات والنساء، الفتيان والرجال في كل مكان في العالم “ واختتم المقال بعبارة “ فرنسا عادت والنسوية معها”. وكررت فرنسا هذا البيان في قمة ((G7 مجموعة السبع في بياريتز فرنسا، وبعد شهرين في أب 2019، تولت فرنسا رئاسة قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى وأعلنت عن خطتها لمحاربة عدم المساواة، كما أنشأت فرنسا “مجلساً استشارياً للمساواة بين الجنسين” يضم شخصيات بارزة مثل الممثلة إيما واتسون، والناشطة الأوكرانية إينا شيفتشينكو، وكاتبة المقالات كارولين فوريست والحائزين على جائزة نوبل ناديا مراد ودينيس موكويجي. وقد جمع المجلس 79 توصية تشريعية تركز على والعنف المنزلي والتعليم والإجازة الوالدية (إجازة الأمومة والأبوة).

ووفقا لتقرير بعنوان (الدبلوماسية النسوية: الانتقال من شعار لحشد الدعم إلى زخم حقيقي للتغيير) صادر عن المجلس الاعلى الفرنسي للمساواة بين الجنسين، ان فرنسا انضمت الى مجموعة الدول الصغيرة التي كانت تمارس الدبلوماسية النسوية وهم كل من السويد التي انتهجتها منذ عام 2014، وكندا منذ عام 2017 ومؤخرا تبنتها المكسيك عام 2020، كما ان هناك دول آخرى مثل كندا والولايات المتحدة والمكسيك تعمل أيضًا على مفهوم السياسة الخارجية النسوية، اذ يبين التقرير بان فرنسا فضلت التركيز على التطبيق الفعلي والعملي لهذا النمط من الدبلوماسية، على عكس السويد التي ركز على الصياغة النظرية لمفهوم الدبلوماسية النسوية، كما ان النهج الفرنسي لهذه للدبلوماسية محدد ومنصب على الدبلوماسية فقط بمعناها الثابت والرسمي، بينما كل من السويد وكندا شمل تطبيقها للدبلوماسية النسوية كل من السياسة الخارجية، الدفاع والآمن، والتجارة. من وجهة النظر الفرنسية انه ينبغي الإلتزام بمفهوم محدد لتعريف هذا النمط من الدبلوماسية بغية تقبله وتبنيه على مستويات اوسع.

تجدر الأشارة الى كندا والسويد تحتلان مرتبة الصدارة من حيث أعلى نسبة من السفيرات والممثلات الدبلوماسيات الدائمات في عام 2022، وفي النرويج تصل نسبة المرأة في مناصب السفراء الى 46.1% حيث هناك 35 سقيرة من بين عدد 76 سفيرا وسفيرة، وحسب ما جاء بـ(مؤشر المرأة في السلك الدبلوماسي لعام 2022) بنسخته الثالثة والصادر عن أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية.

مما لاشك فيه بان الحقبة القادمة ستشهد الدراسات توسعا بتوضيح مصطلح الدبلوماسية النسوية من حيث المفهوم والرؤية والأهداف وأليات التطبيق، كما ان هناك إحتمالاً قائماً بإيجاد تعريف موحد ومتفق عليه دولياً رسمياً لهذا النوع من الدبلوماسية الحديثة التي لها علاقة بصلب القضايا التي يتناولها المجتمع الدولي حاليا.

إلا أن فحوى مفهوم نمط الدبلوماسية النسوية الحديث بصورته العامة والتطبيقية هو ليس بحديث، فأذا رجعنا للتاريخ نجد ان العراق كان من أوائل الدول الذي أولج المرأة في العمل الدبلوماسي (المستوى الدبلوماسي والاداري) حيث ارسل العراق أولى بعثاته للعمل الدبلوماسي في أعوام 1934- 1935 الى اسطنبول وبيروت وكانت النساء ضمن كوادرها، ونقلاً عن الوزير المفوض سهى الطريحي (رحمها الله) بأن السيدة بديعة أفنان حضرت اجتماعات عصبة الأمم المتحدة، اي قبل تأسيس الأمم المتحدة. كما تُعد السيدة سرية خوجه (رحمها الله) اول دبلوماسية عراقية وعربية، حيث ذكرت الوزير المفوض سهى الطريحي (رحمها الله) بكلمة إلقتها في شبكة المرأة عام 2004، بانه لم يُسمع بدبلوماسيات من الدول الغربية حتى الخمسينات من القرن الماضي، وفي عام 1959 عملت الدبلوماسية العراقية الدبلوماسية فيحاء ابراهيم كمال (رحمها الله) في ممثلية جمهورية العراق الدائمة في نيويورك، وانتقلت الى العمل في الأمم المتحدة عام 1963 حيث تسلمت رئاسة سكرتارية اللجنة الثالثة في الأمم المتحدة في عقد الثمانينات. وكانت الوزير المفوض سهى الطريحي رحمها الله أول دبلوماسية عراقية وعربية عملت في المندوبية الدائمة للعراق في جنيف للمدة 1961-1964، وبعدها عملت في الهند وبروكسل وشغلت منصب القائم بإعمال السفارة العراقية في طوكيوا للمدة من 1978-1980.