البطل الثوري  في قصائد مظفر النواب

البطل الثوري في قصائد مظفر النواب

كاظم غيلان

“يحزب حسين بس منك علامة أنسج عليهم سج

ندجهه النوب بالدم دج

حك ابحك.. ودم ابدم

يلن حك الذي ينلاج ويتسولف عليه أهواي يتعلج”

من قصيدته” حسن الشموس”

بقدر مايسجل للشاعر والمناضل مظفر النواب الفضل الأول في حركة التجديد للشعر الشعبي العراقي، يسجل له كذلك انتماؤه المبكر لحزبه الشيوعي العراقي وخوضه النضال المستمر والمشهود له عبر تعرضه للاعتقال والسجن من- نقرة السلمان- الى سجن الحلة- ودوره البارز والبطولي مع عدد من رفاقه في عملية حفر النفق في ذلك السجن الذي أرعب السلطة العارفية وقتها، وبقي صفحة بطولة مشرفة من صفحات بطولات الحزب وتحدياته، مروراً بالمنفى القسري الذي اختاره وملاحقات أجهزة المخابرات الصدامية له في العديد من البلدان التي راح يتنقل فيها ورفضه القاطع لكل مغريات السلطة في العودة للعراق حيث وجد مصيره مرتبطاً بمصير شعبه وحزبه العظيم.

النواب امتاز عن معظم الشعراء العراقيين والعرب في الخوض بداخل دائرة الحدث، ولم يتخذ موقف المتفرج على رصيف مجريات الأحداث اللاهبة، ويمكن لنا رصد ذلك بدءاً من قصيدته الشهيرة (مضايف هيل) المكتوبة في العام 1959 التي رثى خلالها شهيد الحزب وجماهيره الفلاحية (صاحب الملا خصاف) صويحب- للحد الذي دفعه لزيارة منطقة الكحلاء- التابعة لميسان بصحبة رفيقه الراحل (عبد الرحمن الشمسي) حيث التقى (أم فيصل) زوجة الشهيد والتعرف من خلال روايتها على تفاصيل حادثة استشهاده، وهذا ما أكدته لي شخصياً عبر حوار معها نشرته قبل أعوام قليلة على صفحات طريق الشعب، وفي القصيدة هذه اعتمد النواب على جماليات أسلوبه الشعري، مبتعداً عن لغة الرثاء المثقلة بالندب والنواح إيماناً منه بأفق مستقبل حزبه وشعبه:

“ هاي آنه اللحضنك لاتلم روحك

أضمك بالكصايب عين لتلوحك

يصويحب أفيي الفيه لجروحك

لاتفرح ابدمنه لايلكطاعي

اصويحب من يموت المنجل ايداعي”

ولأن الشهيد لم يكن شيوعياً حسب، بل قائداً فلاحياً أغاضت حماسته واندفاعه فلول الإقطاع إثر صدور قانون الإصلاح الزراعي الذي شرعته وأصدرته حكومة الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم مما دفعهم لاغتياله:

“ صويحب عالعكل صندوك عرس اجبير

حزمه امن الحصاد ايلفهه طيب اجثير

وينه اللي يكلي افلان وين ايصير؟

أوصله وأدك اشراعه بشراعي “

ومع انقلاب الثامن من شباط الأسود 1963 والانتكاسة التي لحقت بالحزب ممثلة بتصفية قيادته وفي مقدمتها سكرتير الحزب الشهيد- سلام عادل- الذي تعرض لعملية تعذيب فاقت الوحشية نفسها، وراحت سجون العراق ومعتقلاته تغص بمناضلي الحزب قيادات وقواعد، والنواب واحد منهم بعد إلقاء القبض عليه من قبل أجهزة (السافاك) الإيرانية أثناء محاولة هروبه للاتحاد السوفيتي عبر الأراضي الإيرانية وتسليمه لأجهزة الأمن العراقي، وكان له إبان الإنقلاب مشاركة بطولية بجانب رفاقه في مقاومة ميليشيا الحرس القومي سيئة الصيت بمنطقة أهله في (الكاظمية) وفي خضم تلك الأحداث المأساوية أقدمت سلطة البعث على إعدام المناضل الشيوعي (وعد الله النجار) من تنظيمات الموصل، والتي تتشرف اليوم بحمل اسمه الذي أطلق على أحد شوارعها بعد العام 2003 اذ كتب عنه النواب قصيدته (عين الرمد):

عين الرمد ماهانت.. نعزهه

وكل رمدهه ايهون

ضموا اجفونكم عالعين

هذا الريح.. ما مأمون

كلهم عن (وعد) ماهان

بتراب المطر مضمون

وفي المنفى الصحراوي الرهيب (نقرة السلمان) الذي زج فيه مناضلو الحزب، وضع الضابط الشيوعي السجين (صلاح) خطة محكمة للهرب من السجن، وتمكن من تحقيقها لولا أنه ضَل الطريق الصحراوي فأصبح فريسة للذئاب وما كان من النواب الا وأن يكتب عنه قصيدته المعروفة(صلاح) التي نشرت في مجموعته الأولى(للريل وحمد):

المنايا الماتزوك زورها

خطة التسلم ذبايح سورهه

طافح اعله الريح عينه ايدورهه

وبأثر جدمه اتلوذ كل اطيورهه

وسفه.. ماحفظت صكرهه

وسلمته ابليل.. عمت ناطورهه

لعل ارتباط مظفر بحزبه اتخذ طابعاً حميمياً كرس وأفنى لأجله سنوات طويلة من عمره المثقل بالهموم والفواجع، عاش خلالها مع شرائح شعبه المسحوقة التي عانت من ويلات الأنظمة الدكتاتورية، ولذا فقد كان مبتكراً استثنائياً لتوظيف لهجة الريف العراقي - الجنوبي- تحديداً في معظم قصائده الملحمية مع انه مديني وابن لعائلة بغدادية عريقة، وهنا أخذ الانسلاخ الطبقي بمجمل تفاصيله طريقه السليم في المكون الأساسي لشخصية النواب شاعراً ومناضلاً واتخذ من أبطاله نماذج شعبية متطورة في مضامينها وأشكالها كما في (حسن الشموس):

جباشه امفلشه ايذبني عليك الزود

ايعطل اكليبي.. عيب اعطل

يمن جبت الحزب لبيتنه امعكل

وهنا يأخذ العقال رمزاً لمهابة إنسان الريف وشموخه وفروسيته:

حزبنه اليوم يبني امعكل ابحزنه

حزبنه ايدير عينه ايكلب الدنيه

أو... سكته

اتمطر الصحوة المشمسة مطرة المزنه

حزبنه اليوم يتهمهم عليهه

ومايعرف الكعده والهدنه

كذلك الحال في قصيدته- ابن ديريتنه حمد-:

حمد درع الحزب بالزركات

وايام المطر والشرجي لرفاكه سكيفه

...

تبتدي الدنيه بنهار الثار

ديرة اتبوس ديرة

عمت عين الكاع ضمتهم زلم

جانوا خميره

كول أدير العين عنهم

كلبي الملوع شكله.. اشلون اديره

شلون والقايد صدك بينه نفس منه وبصيره

شلون هذا الشعب للعفنين يسلم مصيره

كذلك الحال نجده في قصيدة لاتقل أهمية الا وهي (حرز):

سكينة الشمس بالهيمة

كبل جدحة شرارتها

نشيل الكاع للنجمه

ونذل انجوم ذلتهه

حرز لساع رشاشه

يدك ابليل محنتهه

أما في ملحميته المعروفة (حجام البريس) فقد أخذت سعتها بمجمل مفردات الشجاعة المقاومة التي من شأنها أن ترسخ آمال جماهير الحزب بأفق المستقبل الذي تجسد في شعاره (وطن حر وشعب سعيد):

أكلج جني أسمع ليل

يم عشرة وزمر زركه

يصح ردوا:

أكحل عين المبشرين واتنومس

وأفرك روحي للملكه

يصح رد الجبير النوكف ابابه

جثير الهله يا يابه

جثير الهله ملهاش خطابه

بدمشق وهو.. من غبتوا

وبقي مظفر النواب روحاً وضميراً مع نضال حزبه الشيوعي، فقد منح صوته لقائمة الحزب في أول انتخابات برلمانية جرت بعد تغيير 2003 برغم اعتلال صحته في ضاحية مزة بدمشق وهو يقف في باب قاعة انتخابات منشدا لشعبه وحزبه الشيوعي.