وزارة توفيق السويدي سنة 1946..بين الأسباب السياسية والصلات الشخصية

وزارة توفيق السويدي سنة 1946..بين الأسباب السياسية والصلات الشخصية

د. حميد حسون العكيلي

تكونت حكومة حمدي الباجه جي التي تشكلت في 3 حزيران 1944، من وزراء تم اختيارهم من قبل الوصي نفسه حتى قيل إن هذه الوزارة هي” وزارة الوصي»، وقد ضمّت بين أعضائها، شخصيات تنتمي إلى أسر ذات نفوذ سسياسي كبير، إذ استحوذت أسرة العمري على وزارتين مهمتين،

وذلك بإستيزار مصطفى العمري لوزارة الداخلية وأرشد العمري لوزارة الخارجية بالأصالة ووزارة التموين بالوكالة، حتى أن الأخير قام بالتدخل في شؤون وزارة الدفاع أيضاً التي كان على رأسها الوزير تحسين علي. أما التمثيل الكردي في هذه الوزارة، فلم يبتعد عن اسرة بابان، إذ تمّ اختيار احمد مختار بابان ليكون وزيراً للعدلية، فيما حظيت أسرة كبه بوزارة الشؤون الاجتماعية من خلال إستيزار محمد حسن كبه, وأسرة الازري بوزارة المواصلات والأشغال، من خلال إستيزار عبد الامير الازري. أما الوجوه الجديدة فقد تمثلت بوجود إبراهيم عاكف في وزارة المعارف وتوفيق وهبي في وزارة الاقتصاد. في حين, ذهبت وزارة المالية إلى صالح جبر وهو السياسي المتمرس في هذا الميدان.

ونتيجة التقاطعات داخل مجلس الوزراء، لاسيما بين أرشد العمري ومصطفى العمري وصالح جبر من جهة، ووزير الدفاع تحسين علي من جهة أخرى، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة إلى تقديم استقالة حكومته في 28 آب 1944. وعلى ما يبدو، إن هذه الاستقالة كانت صورية أكثر مما هي حقيقية، لأن الغاية الرئيسة منها، هي الخروج من الأزمة الوزارية، واستبعاد وزير الدفاع تحسين علي، وهذا ما تم فعلاً، عندما أُعيد تكليف حمدي الباجه جي بتشكيل الوزارة في اليوم التالي.

في الوقت الذي كان يتوقع أن تكون وزارة حمدي الباجه جي وزارة انتقالية، تمهد الطريق أمام وزارة جديدة، تلغي قيود الحرب العالمية الثانية، لكن قدر لها أن تكون من الوزارات المخضرمة، ومن بين أطول الوزارات عمراً، حين استمرت حوالي ثمانية عشر شهراً في الحكم, قضت منها حوالي السنة في ظروف الحرب، وستة أشهر في عهد السلم، والغريب في هذه الوزارة، إنها لم تقدم منهاجاً وزارياً لها، كما جرت العادة في الوزارات السابقة، الأمر الذي جعل وزارة الباجه جي أمام انتقادات لاذعة في مجلس النواب. فضلاً عن, غياب الإنسجام بين أعضائها، لينتهي الأمر بتقديم استقالتها.

ظلت وزارة حمدي الباجه جي تزاول أعمالها ما بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية, إلا انها قدّمت استقالتها في 29 كانون الثاني 1946, لتحل محلها وزارة توفيق السويدي في 23 شباط 1946، مشترطاً على الوصي، منحه حرية اختيار وزرائِه، ليكونوا من الوجوه الجديدة, والعناصر القوية, القادرة على نقل البلاد من حالة الحرب إلى حالة السلم، ولكن اثبتت الأحداث فيما بعد إن ما قاله السويدي هو كلام حق أريد به باطلاً، حيث لم يبتعد في خياراته عن الأسر المعروفة بنفوذها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. فقد اختار كل من علي ممتاز الدفتري صهر ياسين الهاشمي وزيراً للمواصلات والأشغال، وأحمد مختار بابان وزيراً للشؤون الاجتماعية، وعمر نظمي وزيراً للعدلية، لأنهم ينحدرون من أسر لها ثقلها السياسي المعروف. في حين, وقع الاختيار على نجيب الراوي وزيراً للمعارف، وهو سليل عائلة لها ثقلها الديني والسياسي في العراق الملكي. ومما يلفت النظر حقاً أن رئيس الوزراء توفيق السويدي، قد اتخذ قراراً بالإعتماد على محمد علي الجلبي مدير مصرف الرافدين ليكون وزيراً للتموين، حتى يتمكن من الاستفادة منه في الأمور التجارية والمعاشية، بحكم ما هو معروف عن أسرة الجلبي وثقلها المالي والتجاري، لكن رئيس الوزراء نسي اسم الوزير المذكور أثناء الإستيزار، واستوزر مكانه عبد الجبار الجلبي صهر عبد الهادي الجلبي، ظناً منه بانه هو الشخص المقصود.

ومهما يكن من أمر, فإن الثقل الأسري، وعامل المصاهرة والقرابة كان العامل الأبرز في اختيار الوزراء، واتضح ذلك بما لا يقبل الشك، عند استقالة أحمد مختار بابان من وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث تمّ اختيار شوكت الزهاوي ليحل مكانه، وبعد التمعن في هذا الاختيار، نجد أن الزهاوي ينتمي من ناحية النسب إلى نفس أسرة الوزير المستقيل من جهة، ولأنه عديلٌ لوزير المعارف نجيب الراوي بحكم كونهما متزوجين من ابنتي محمد فاضل الدغستاني (فضيلة وسالمة) من جهة أخرى.

أما عبد الوهاب محمود، فقد أصبح وزيراً للمالية بشفاعة وإصرار من قبل على ممتاز الدفتري صهر ياسين الهاشمي، لأن المرشح شقيق محمد زكي البصري، السياسي والوزير الأسبق من أمه، والأخير أحد أصدقاء الهاشمي المقربين حتى وفاته، ناهيك عن أن عبد الوهاب محمود، قد أصبح أحد أعضاء النخبة السياسية المعروفة، عندما تزوجت ابنته من اسامة تحسين قدري، إذ كان الأخير من مرافقي الملك فيصل الأول، ومقرب جداً من البلاط الملكي وفيما يتعلق بوزارة الخارجية، التي جرت العادة أن تعطي بالوكالة إلى رئيس الوزراء، فقد احتفظ بها توفيق السويدي بالأصالة،إضافة إلى منصبه رئيساً للوزراء، وهذا خرق فاضح للدستور, من رجل ضليع بالقانون، ويعتلي قمة الهرم الوظيفي في الدولة، الأمر الذي أثار إستياء الكثير من أعضاء مجلسي النواب والأعيان، بحيث اتهمه العين مصطفى العمري، بأنه قد اسند لنفسه وزارة الخارجية بالأصالة، من أجل أن يأخذ راتب وزير خارجية إضافة إلى راتبهِ كرئيس وزراء، وإن السويدي في كل سنة له قضية دستورية، في إشارة إلى قضية منصب نائب رئيس الوزراء عام 1943, التي اشرنا اليها سابقاً.

أما بقية الوزراء في الحكومة، فكان اختيارهم وفق معايير موضوعية ومهنية كالكفاءة والمقدرة، وهذا الأمر ينطبق على عبد الهادي الظاهر الذي عيّن وزيراً للاقتصاد، وإسماعيل نامق الذي عيّن وزيراً للدفاع، وسعد صالح الذي أصبح وزيراً للداخلية.

وبعد ان استحوذت الأسر المتنفذة على المناصب الوزارية, فلا غرابة أن تسيطر على المناصب الثانوية لاسيما في الالوية العراقية, حيث أصبح جمال عمر نظمي, نجل وزير العدلية في الحكومة القائمة, وصهر مدير الأوقاف العام رؤوف الكبيسي, معاون متصرف لواء اربيل, كما شغل نعيم ممتاز الدفتري شقيق وزير المواصلات والاشغال علي ممتاز الدفتري منصب قائمقام لأكثر من مرة.

كان امراً طبيعاً، أن تتعرض وزارة السويدي إلى إنتقادات شديدة من قبل مجلس الامة، وأصبحت ترى نفسها أمام مشكلة في كل يوم. بالمقابل، لم تجد المساندة من قبل البلاط، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء إلى تقديم استقالته في 30 آيار 1946، وعندما سُئل عن الأزمة التي مرت بها وزارته قال: “ليس هناك ازمة حقيقية، وانما أردنا أن نأتي إلى الحكم أقوياء ونخرج منه اعزاء».

على أية حال، اتجه الوصي نحو أرشد العمري، الذي كان ينتظر المكافأة من الوصي، نتيجة لولائه واخلاصه للبلاط، والذي اثبته عندما كان أميناً للعاصمة أثناء حركة رشيد عالي الكيلاني، وهكذا اسندت مهمة تشكيل الحكومة إلى أرشد العمري، وقد أعلن عن تأليفها في الأول من حزيران عام 1946.

عن رسالة (المصاهرات الإجتماعية وصلات القربى وأثرها السياسي في العراق الملكي)