كل عام وأنتم بخير..العيد وتقاليده في الجيل الماضي

كل عام وأنتم بخير..العيد وتقاليده في الجيل الماضي

محمد رؤوف الشيخلي

في صبيحة يوم العيد كان عامة الناس يتبادلون المعايدة بعد أداء صلاة العيد والخروج من الجامع يتصافحون مصافحة شرعية بقولهم (عيدك مبارك أيامك سعيدة)، فيقول له الآخر (متعايدين مقبولين الله يتقبل الطاعات) فيقول الأول (منا ومنكم أجمعين) وإذا كان أحد المتصافحين شاباً أعزب فيقول له الآخر (إن شاء الله العيد المقبل عريس)

وفي عيد الضحى يقول الواحد للآخر او الحاج لمن لم يحج (إن شاء الله العيد المقبل على جبل عرفات) وعند إتمام المعايدة يذهبون تواً إلى المقبرة يزور المتوفين من أهله فيقرأ على أرواحهم الفاتحة هو أو ولده أو قريبه سورة ياسين أما حفظاً أو بالمصحف الذي يكون قد أحضره معه ويخرج بعض النساء أيضاً إلى المقبرة فيبكين إذا كن من المتحضرات وإذا كن نصف متحضرات (بابة عرب) فيجتمعن حول القبر فيلطمن وينحبن ويسمون ذلك (جاينه) هذا إذا كان المتوفى غير قديم الوفاة ثم يرجع الجميع وهذه المدة تستغرق ساعة ونصف تقريباً وبعد ذلك يتزاور الأقارب فيما بينهم رجالاً ونساء أما الأولاد فيستعدون من الليل فيحضرون الملابس الجديدة كلها بجانب فراشهم فينامون وعند الفجر يلبسونها وبعد رجوع آبائهم من المقبرة يأخذون عيدياتهم، الطفل الواحد منهم ياخذ العيدية من أبيه ومن أمه ثم من عمه وخاله وقريبه على حسب درجاتهم أو حسب ما يصادفه أولاً فأول منهم بعد تقبيل أيديهم وبعد أن يملء جيبه يذهبون جماعات إلى المراجيح ودواليب الهواء وفرارة الخيالة فيصرفون ما معهم أجرة لها ويشترون ببعضها أنواع المأكولات من الباعة المتجولين من الشربت والحلويات والحامضات وغيرها، وتكون هذه المحال متعددة كل كل محلة أو جملة محلات لها مركز خاص فيه الدواليب والباعة.

ومن المحال العامة للجميع هو المحل الذي بجانب الشيخ عمر في الرصافة وبجانب الشيخ معروف في الكرخ فهؤلاء يستعدون لهذه الأمور قبل أيام لأنها تدر عليهم ربحاً لا يستهان به فما يمس المساء إلا ويكون الأولاد قد رجعوا إلى بيوتهم في غاية التعب وأكثرهم لا يتناول عشاءه لأنه قد عبى في جوفه ما طاب وما خبث فينامون عند الغروب ويستيقظون من الفجر وهكذا اليوم الثاني والثالث وهلم جرى والعيد عند العامة لا ينتهي بثلاثة أيام للفطر وأربعة للأضحى بل يمدونها وهذا التمديد يسمونه الكسلة فإذا صادف أول كسله يوم الثلاثاء فيقضونه في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني وحواليه ويوم الخميس للشيخ الخلاني ويوم الجمعة للإمام الأعظم ويوم السبت للإمام موسى الكاظم ويوم الأحد للسيد إدريس والسيد إدريس هذا لم يعرف ويجعل محل زيارة إلا في سنة 1312هـ تقريباً ومن الأمثال الخاصة بالعيد يقال للطفل الذي يلبس ملابسه الجديدة قبل يوم العيد (ياللابس جديد يخره عليه العيد) و (باجر عيد ونعيد نخرة بلحية سعيد) وإذا أنتهى العيد وذهب كل إلى محله وإلى عادته القديمة قيل (خلص العيد وامرقوا كلمن رد على خرقوا).

كانت الأفراح بالأكثرية دينية تشتمل على المولد النبوي فقط والبعض يستعمل الأنواع الأخرى التي نذكرها فيما يلي كلها أو بعضها:-

المولد النبوي- تقرأ قصة المولد النبوي (النسخة الواقدية) ومعها تنزيلات يسمونها أشغال وهي قصائد في مدح الرسول عليه السلام على نغم الأغنية ثم توسع في ذلك فدخلها الدف وإنشاد القصائد على نقره أما النسخة (البرزنجية) فتقرأ إذا كان المولد لأجل خيرات ومن جملة الأشغال كانوا يضمنونها قضية حرب الروس مع العثمانيين وأخرى الدعاء للسلطان عبد الحميد وقد ذكرناهما في الفصل الأول من هذا القسم ويرادف المولد ذكر مصري في الغالب.

الجالغي- وهو يتركب من الكمانة والسنطور أو القانون والدف الزنجاري والدنبك وكان من المشهورين في الكمانة رحمين اليهودي فبعد الضرب على الكمانة طول الليل يقرأ عند الفجر مقام الصبا ومن المشهورين بقراءة المقامات البغدادية ابن زيدان وحسن الشكرجي وكان قبلهم ابن رباز وشلتاغ لم ندركهما وفي المثل البغدادي لمن لا يملك شيئاً (يقرأ في جيبه ابن رباز) ومن جملة آلات الجالغي صبي يلبس لباساً مزيناً خاصاً يرقص على النغمات في وسط المتفرجين يقال له شعار.

أبو طبل- وهذا يتركب من الطبل والزمارة والنقارة وهذا الجوق يستعمل في الأفراح السيارة على الأكثر في الزفات وفي الطهور (الختان) وفي تقديم النذور وأخصها السفرة إلى أحد المراقد وهي صينية فيها الطعام وعلى الأكثر الدولمة مغطاة بقطعة مزينة من الحرير فيمشي حاملها وخلفه الجوق المذكور إلى داخل الجامع فيعطونها لخدام الجامع والفقراء الملازمين هناك وكان أبو الطبل يحفظ معه عيدان من النوع التي يضرب بها على الطبل فيتجسس عن من ينوي أن يقيم فرحاً فيلتمس منهم أن يأتوا بأبي طبل غيره فيضع أحد العيدان في تلك الدار فتكون المسألة مضمونة فلا يأتوا بغيره مطلقاً فصارت مثلاً يقال لمن أمن قضيته عند أحد (لقد وضعت عصاة أبي طبل).

ميدان العبيد- وآلاته دنبك كبير جداً يوضع على الرض عمودياً ويضرب عليه بسير من جلد ثم آلة أخرى تشبه الهارب عند الأفرنج وتشبه نركيلة القصبة عندنا يسمونها الحجية لها أوتار يضربون عليها بأيديهم ويرقص بعض النسوه عليها.

المزيقه- وهي تشبه الموسيقى العسكرية بآلاتها وأكثرها تستعمل بالنفخ ومعها طبل وزيل وما أشبه، تستعمل في الختان وفي الزفة على الكثر.

الساس- ربما أصله ساز وهو آلة تشبه العود وبالتركيه (ساز طاقمي) هذه الآلة ومعها توابعها وهو المبارزة بالسيوف ولا يعرف تاريخ استعمالها، هذه المبارزة كلعبة في الأفراح وكيفية ذلك أن تكون مركبه من قسمين هيئة الطبل (الطبل والزمارة والنقارة) يجلسون في جانب من حوش الدار وهيئة اللاعبين أي المتبارزين وبقية الحوش لهم فيتقدم إثنان من المتبارزين يتمشون وبيدهم السيوف والدروق (التروس) الواحد خلف الآخر وبينهما خطوات قاطعين محيط دائرة ويتمايلون مؤشرين بيديهم ذات السيف وذات الدرقة كانوا يمدونها بالمناوبة يمدون أحدها ويخفضون الأخرى ثم يمدونها معاً ويدورون حول أنفسهم ويرجعون هكذا كل حركة لها نفعها الخاص فتكون الحركات من البطء إلى السريع وهيئة الطبل تكون متابعة للحركات حسب إرادة اللاعبين هذه لمدة دقائق معدودة ثم يبدأون بالمبارزة فيتضاربون بالسيوف ويتلقون الضربات بالدرق لدقيقة أو أقل ثم ينفصلون عن بعضهم بتمايل وتباعد خاص ويبقون كالسابق في الدوران ثم يتحمسون مرة أخرى ويتبارزون كالمرة الأولى يفعلون ذلك مرتين أو أكثر ثم تؤخذ من أيديهم السيوف والدرق وتعطى بدلها عصي من خشب السفرجل ودرق صغيره معموله من الجلد يسمى (طابق) فيتحمسون هذه المرة أكثر ويسرعون في المبارزة ثم ينفصلون وهكذا مرتين أو ثلاثة مرات ثم يذهبون إلى محلهم فيأتي غيرهم بعد إستراحة هيئة الطبل دقائق قليلة وتبقى هذه اللعبة من الصاج إلى المساء عدا أوقات الأكل والاستراحة وهذه تكون عادة ثلاثة أيام والبعض يجعلونها أسبوعاً كاملاً وترى بعض الشبان يتمرنون على هذه اللعبة يشتغلون بها على الدوام وبأيديهم العصي والدرق الجلدية (الطابق) في جانب من مقاهي المحلات استعداداً للدخول في لعبة رسمية.

عن كتاب (مراحل الحياة في الفترة المظلمة)