أول مستشفى حكومي في تاريخ العراق

أول مستشفى حكومي في تاريخ العراق

د. لمى عبد العزيز

ان اول مستشفى عام في العراق تم أنشاءه في بغداد على يد الوالي مدحت باشا (1869-1872م) الذي ادرك منذ الوهلة الاولى يتدهور الاوضاع الصحية، فاحدث نقلة نوعية في الميدان الطبي حيث بدأت الحملة الاولى ضد التخلف والشعوذة والامراض المنتشرة بين الجميع آنذاك. ولما كانت خزينة الولاية لا تكفي لبناء المشروع المذكور ناشد مدحت باشا الاهالي بالتبرع لبناء المستشفى فانهالت عليه تبرعات الاغنياء والوجهاء… عند ذلك تم تشييد هذا المستشفى الذي جرى افتتاحه سنة 1289هـ/1872م وسمي بـ”مستشفى الغرباء».

إحتوى هذا المستشفى على 50 سريراً، وضم عدداً من الاقسام منها قسم الامراض الباطنية وقسم الجراحة، وقسم الامراض الزهرية، فضلا عن جناح خاص للمساجين والمعتوهين والعواهر. فيما الحقت بالمستشفى شعبة بسيطة للاسعاف وكان العلاج في المستشفى مجانا. اما ادارة المستشفى فقد اسندت إلى دائرة البلدية الاولى. ويبدو ان هذا المستشفى لم يلق اقبالاً عند افتتاحه بسبب تفضيل الناس لاساليب العلاج التقليدية القديمة. كما تم تخصيص هذا المستشفى للغرباء لذلك كان معظم الملتجئين اليه من الفقراء والمتسولين، إذ وجد بعضهم فيه المكان المناسب ليقضوا فيه بقية حياتهم.

واجهت المستشفى منذ بداية تأسيسها وحتى نهاية العهد العثماني، صعوبات عديدة لعل في مقدمتها إفتقارها إلى الموارد الكافية لتأمين استمرارية عملها، وأمام هذه المشكلة لجأت ادارة المستشفى إلى مناشدة الاهالي لبذل المساعدات المادية.

اما المشكلة الثانية التي واجهت عمل المستشفى فكانت الافتقار إلى الملاكات الطبية والادارية الكفوءة، التي كانت احد اسباب اغلاق المستشفى لاكثر من مرة. حتى قيام والي بغداد قدري باشا 1295هـ/1878م، باعادة ترميم المستشفى وتأمين لوازمه من الادوية والمعدات الطبية، الا ان الاهتمام لم يستمر طويلا، إذ سرعان ما تعرض للاهمال، لاسيما بعد نقل الوالي قدري باشا، ثم انتهى امر المستشفى نهائيا سنة 1309هـ/1891م، عندما نقلت محتوياته إلى المستشفى الذي انشأه نامق باشا –الذي سيأتي الحديث عنه لاحقا- في حين تم نقل عائدية بناية المستشفى إلى دائرة المعارف حيث اصبحت بناية للمدرسة الاعدادية الملكية.

يعود الفضل إلى نامق باشا الصغير (1899-1902م) في انشاء ثاني مستشفى في بغداد في جانب الرصافة. حيث جرى افتتاحه في 15 ذي الحجة 1318هـ/ 5 نيسان 1901م واشتمل على عدة اقسام (باطنية، جراحية، عيون، نسائية)، وردهات خاصة للعمليات، وقسم خاص للمجانين فضلاً عن صيدلية ملحقة به ومسجد ومطبخ وحديقة.

لقي المستشفى المذكور اهتماماً كبيراً من الوالي نامق باشا الذي كان يطمح إلى جعله افضل من غيره، لذا جلب له الادوية والمطهرات والآلات الجراحية من اوربا. اما عن الهيئة الادارية للمستشفى فتألفت من مدير ووكيله وعاملين أخرين لمختلف الشؤون الادارية فضلاً عن مجموعة من الاطباء لمختلف الاختصاصات الموجودة في المستشفى امثال الدكتور نظام الدين للامراض الباطنية، والجراح ذهني بك للامراض الجلدية، وطبيب العيون سامي سليمان.وبغية ديمومة العمل في هذا المستشفى، تم تشكيل لجنة مركزية اوكل اليها مهمة الاشراف على ادارة المستشفى، ضمت في عضويتها طبيب دائرة البلدية الاولى، ومعاون والي البصرة، وعدد اخر من الاعضاء.

اما عن نفقات المستشفى فكانت ثلثاها تدفع من واردات البلدية، اما الثلث الاخر فيجري استيفاؤه من الدائرة السنية وتحديداً من واردات التزام جسر الخر، وكانت الاصول المتبعة في ادخال المرضى إلى هذه المستشفى ان يحصل المريض على شهادة من البلدية تؤيد فقر حاله قبل دخوله المستشفى.هذا وقد بلغ عدد المراجعين في الشهر الاول من افتتاحه (84) مريضا، شفي منهم (43) مريضاً،مات (4) مرضى وبقي (37) مريضا تحت المعالجة.

وابان ولاية نجم الدين ملا (1908-1909م) تم استرداد بناية مستشفى الغرباء الذي شيده مدحت باشا من دائرة المعارف، حيث نقلت اليه محتويات المستشفى الذي كان نامق باشا قد أنشأه، وقام هذا الوالي باعادة اعمار المستشفى عن طريق تبرعات

الاهالي، وباسهام خاص منه ايضاً فيما تولت دائرة البلدية الثالثة مهمة الاشراف عليه، الا ان المستشفى سرعان ما اخذ يتدهور بسبب افتقاره إلى الملاكات اللازمة إلى ان تولى الدكتور محمد كاني(*) ادارة المستشفى سنة 1327هـ/ 1909م الذي كانت له اسهاماته في الارتقاء بواقع المستشفى من خلال توسيعه لقاعاتها، والاعتناء بتنظيفها، والتوسع في خدماتها العلاجية. فعلى سبيل المثال ارتفعت اعداد العمليات الجراحية التي اجراها اطباء المستشفى المذكور، إذ قام الدكتور كاني وحده باجراء ما لا يقل عن 60 عملية جراحية خلال شهر ايلول سنة 1331هـ/1913م.ولاول مرة في تاريخ العراق الحديث اسندت وظائف التمريض إلى بعض الراهبات الفرنسيات حيث كان ذلك احد أسباب زيادة إقبال النساء على مراجعة المستشفى المذكور.

وقد استمر هذا المستشفى في تقديم خدماته العلاجية حتى الاحتلال البريطاني لبغداد سنة 1335هـ/1917م، حيث قام العثمانيون باخلائه ونقلوا كافة محتوياته وسجلاته واتلفوا بعضها، اما الانكليز فقاموا بتحويله إلى مستشفى للامراض العقلية.

ويذكر وليس بدج الذي زار بغداد سنة 1306هـ/1888م وجود مستشفى اهلي عائد إلى احد الاشخاص البغداديين كان يعالج الناس مجانا.

وفي سنة 1313هـ/1895م صدر الامر من نظارة الداخلية العثمانية (وزارة الداخلية) لانشاء مستشفى اخر في ولاية بغداد حيث جرى إفتتاحه سنة 1315هـ/1897م سمي بـ”مستشفى المجيدية”، جرى تخصيصه لمنتسبي الجيش العثماني في العراق، وكان يديره الاطباء العسكريون الملتحقون بالقطعات العسكرية العثمانية في العراق.وقد جرت محاولات عديدة لتحسين المستشفى وتوسيعه منها المحاولة التي قام بها قائد الفيلق السادس (صدقي باشا) سنة 1325 هـ/ 1907م.أستمر المستشفى في تقديم خدماته العلاجية حتى الاحتلال البريطاني لبغداد عندما اتخذته القيادة العسكرية للجيش البريطاني مقرا لمستشفاها العسكري تحت اسم المستشفى العسكري البريطاني الثابت رقم (23).

وفي سنة 1328هـ/1910م جرى افتتاح مستشفى اهلي في بغداد شيدها احد اثرياء اليهود ويدعى مستشفى (مير الياهو الياس) حيث عُدٌت من افخم المستشفيات وأكبرها آنذاك.وهناك مستشفى (دار المعلمين) التي فتحت ابوابها للمراجعين في نيسان 1330هـ/ 1912م، في مستشفى (السبع ابكار) التي أخذت تستقبل جرحى الحرب العالمية الاولى بشكل يومي.

عن رسالة (الخدمات العامة في العراق 1869-1918)