من طرائف تراثنا الشعبي

من طرائف تراثنا الشعبي

عبود الشالجي

كنت قد ادركت في صباي الكثير من المظاهر الحياتية التي آلت الى الاندراس والنسيان بفعل تطورات الحياة في كل شيء، وقد سجلت بعض مما اذكره وادخلت الكثير من تسجيلاتي في كتبي، ومن هذه التسجيلات:

ــ أول ماكنة صنع الثلج

على ذكر الثلج ونصب اول ماكنة ثلج ببغداد، حدثني المرحوم خان صاحب عبد العلي ادمجي قال: استأجرت في العهد العثماني قطعة ارض من وقف الملا حمادي ونصبت عليها ماكنة لصنع الثلج (هذه القطعة اتخذت بعد ذلك مقهى مقابل سينما الزوراء) ولما قمنا بادارة الماكنة وكان موضعها قريبا من دور قناصل الدول اذ كانت دورهم على النهر في شريعة السيد سلطان علي احضرني مامور القلع (مأمور المركز) وانذرني بوجوب ايقاف الماكنة لان القناصل شكوا من الضجة التي احدثتها الماكنة فحرمتهم من النوم، فراجعنا القناصل وترضيناهم فسمحوا لنا بادارة الماكنة من شروق الشمس الى غروبها يعني خلال النهار فقط وسرنا على ذلك اسبوعا ثم اخذنا نتحيف على الوقت فنمطه من جانبيه حتى عدنا الى ادارة الماكنة اربعا وعشرين ساعة، ولم اشعر ذات يوم إلا ومأمور القلع يطلبني مرة اخرى، ولما حضرت قال لي: ان ماكنة الثلج قد توقفت عن العمل وكان القناصل قد اعتادوا ان يناموا على صوتها، فلما توقفت اضطرب نومهم وهم يطالبون بان تعجل في اصلاحها وادارتها ليصلح لهم نومهم.

ــ الملح الفرنكي

الملح الفرنكي مسهل يداوي به الامساك الشديد، وهذا صحيح، واروي لك على سبيل المفاكهة ما قرأته في مجلة لبنانية عن رستم باشا الذي كان حاكما في لبنان في عهد من العهود العثمانية وكان عفيفا نظيفا وكان قد اتخذ من دفتر صغير مفكرة يكتب فيها الفقرات التي يرغب في درسها وانفاذها ويضع الدفتر في جيب البنطلون الخلفي فوق العجيزة، وحدث ان شكا اليه احد الخازنيين حاله فكتب رستم باشا اسمه في الدفتر واعاده الى جيب البنطلون الخلفي، وكلما عرض عليه الخازني امره قال له: قضيتك هنا واشار بيده الى موضع الدفتر في عجيزته، وفي احد الايام عاد الخازني المراجعة وعاود الباشا الاشارة الى موضع الدفتر فاخرج الخازني من جيبه لفة بيضاء واوما يريد ان يقدمها للباشا، وحسب الباشا انه يريد ان يقدم له رشوة لان الليرات الذهب كانت تقدم ملفوفة في اوراق بيضاء، فاغتاظ واستشاط فقال له الخازني: لا تغضب يا باشا وفتح له اللفافة واذا بها تحتوي على ملح افرنكي وقال له: ياسيدي الباشا كلما راجعتك اشرت الى مؤخرك وقلت لي:

قضيتك هاهنا، فقدمت لك هذا المسهل القوي وانا واثق بانه سوف يخرج قضيتي من موضعها الذي احتبست فيه، فضحك الباشا وقضى حاجته.

ــ أشهر عطاري بغداد

الوسواسيين الحاج عباس والحاج محمد حسين اللذين تحدثت عنهما في موسوعة الكتابات ج3/ ص271 فانهما كانا اشهر العطارين ببغداد في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين وكانت شهرتهما قد تعدت بغداد وامتدت الى جميع المدن المجاورة، وكانت شهرتهما بالديانة والامانة والخلق الكريم تعادل شهرتهما بالمعرفة والاحاطة بالعلاج والحشائش والبذور.

ــ القاصة الحديدية

مررت ذات يوم بخان دلة فوجدت قاصة ضخمة اشبه بحجرة صغيرة كانت لصراف يهودي افلس اسمه ساسون زلخة، وهي معروضة للبيع فاشتريتها بستين دينارا واردت نقلها الى داري، وسالني خالي الحاج حمودي القاموسي حفظه الله عما اصنع بها؟ فقلت: ابنيها في داخل الحائط واحفظ فيها بعض المستندات فقال: الا ترى ان وجود مثل هذه القاصة في دارك يفتح عليك العيون ويوهم الاشرار انك تحفظ فيها اموالا وجواهر فتكون بادخالها دارك قد ادخلت عليك الاذى والضرر. فانبهني قوله لشيء كنت عنه غافلا، فاهملت نقلها وبعتها.

(ص104) أنا احفظ شطرا ثالثا للشطرين الواردين وتمام الاشطر الثلاثة:

يا بليس حل الجيس

مو مالنا مال الناس

ننطيك فردة مداس

ــ حمام البيت

ابصرت انا دارا من هذه الدور كانت دار الحمام فيها في زاوية من الدار الكبيرة وتشمل على مجلس ومنزع وغرف للحطب وغرف تحفظ فيها ادوات الحمام وفرش المجلس الذي يستريح فيه المستحمون قبل الحمام وبعده اضافة الى الغرفة التي يجري فيها الاستحمام. واروي لك على سبيل المفاكهة اني كنت في السنة 1929 كاتبا في مجلس النواب وكان اذ ذاك في الكرخ اي الجانب الغربي من بغداد فحدثني احسن الدين الحافاتي وكان كاتبا مثلي في المجلس عن دار لهم قديمة في بغداد، وعن دار حمام كانت فيها ووصف ما استملت عليه من غرف ومرافق وقال: ان هذا الحمام كان لسعته وكثرة مرافقه كثير الكلفة فكنا نتحاشى اشعاله الا في اوقات متباعدة وفي حمام السوق غنى، فسألته عن آخر مرة اشعل فيها الحمام عندهم فقال: اشعلناه اخر مرة قبيل الحرب العامة، فقلت له: مادام حمامكم بهذا العظموت فيظهر ان الحرب العامة اشتعلت بعيد اشتعال حمامكم.

ــ سجين وملح

اروي قصة عن رجل جاء الى خمارة خمار نصراني اسمه ميخا، وشرب فاكثر ولما حان وقت اداء ثمن ما شرب انكر انه شرب اكثر من ربع قنينة وقال للخمار: شوف ميخا وحق سميك سلمان باك الذي قال انا الله اني ما شارب اكثر من ربع، فقال ميخا للحاضرين: يا جماعة هل ان هذا حجي ربع؟

*(ص 79) ورد ان البغداديين اذا نعبت من سمائهم حدأة صرخوا (سجين وملح) اقول: قال التوحيدي (من رجال القرن الرابع الهجري) ان البغداديين اذا نعبت في سمائهم اليوم صاحوا (منا السكين ومنك اللحم) والظاهر ان هذا النداء اختصر وحرف فاصبح (سجين وملح).

ــ الفانوس البغدادي

الفانوس البغدادي الاصلي من صنع التنكجي البغدادي وكأن مركبا من لمبة بدون قاعدة عالية بل انها تستقر على قاعدة من التنك ويوضع على اللمبة شيشة وتحاط اللمبة بسياج مربع او مسدس من الزجاج يجمعها من اعلاها سقف من التنك له مقبض يحمل به. واذكر على سبيل المفاكهة اني في يوم من الايام في اواخر الخمسينيات كنت احدث اولادي عن عيشنا في بغداد قبل شيوع الكهرباء واخبرتهم باني قضيت ايام الدروس في الثانوية وفي الكلية اراجع دروسي على ضوء الفانوس اذ ان التيار الكهربائي لم يكن قد وصل الينا فاظهر ولدي علي حيدر وكان في الخامسة تعجبه وقال: اذا لم يكن لديكم تيار كهربائي فكيف كنتم تشغلون التلفزيون؟ واقول: علي حيدر الان حائز على شهادة p.h.d وهو دكتور في الكومبيوتر.

ــ حلاقة المجيدي

حلاقة المجيدي او «ابو الطرة» بان يحلق الشعر بالموسى وعلى دكة طرة بحجم المجيدي موسى وتحاط الكوكة بشعر دائرية.هذا النهج من الحلاقة يسمى (الكعكولة) اما حلاقة المجيدي فيحلق جميع الرأس بالماكنة وتحلق طرة في وسط الرأس بالموس في حجم المجيدي، وكنت وانا صبي لي شعري على هذا الطراز اي حلاقة المجيدي.

من اوراق الشالجي المخطوطة