رضا علي ومرحلة معهد الفنون الجميلة

رضا علي ومرحلة معهد الفنون الجميلة

كمال لطيف سالم

كان يدخل للبيت خلسة وبيده العود... وكان يمثل ويغني بعيدا عن الأهل، فقد كانت العائلة تعتقد ان الفن ليس شرفا وفخرا بقدر ما كان يمثل اساءة لها امام الناس. في احد الايام احس الاب بميل ابنه للغناء.. فكسر العود ومنع الابن من الغناء ومرة رأته والدته يمثل امام المرآة احد المشاهد الخاصة بمسرحية هاملت فما كان منها الا ان قالت بصوت عال وبتعبير بغدادي “يمه ابني تخبل!»..

لهذا وحسب التقاليد الشعبية لم تبخل بأن عملت له حرملا كخلاص له من هذا المرض اللعين.

ورغم ذلك فالإبن لم يحس بهذه الصعوبات والعراقيل، فقد كان الفن بالنسبة له الشيء الكثير وبدأ الصراع من جديد بين الأهل والابن.

في الخمسينيات حين علم الاب بقبول ابنه في معهد الفنون الجميلة.. جن جنون الاب لسماعه النبأ، وحزنت العائلة في تلك الفترة، ولكن اصرار الابن كان قويا.. فدخل المعهد بثقة عالية، وبفرح لا يوصف وكم كانت فرحته وهو يجلس لاول مرة على مقاعد الدراسة في فرع التمثيل، وشعر بفرحة غامرة عندما نطق استاذه اسمه لاول مرة:

ـ يا رضا علي.. هل جئت الى المعهد عن رغبة اكيدة؟!

وكان جواب الطالب: بالتأكيد يا استاذ؟!

ويمر عام واحد... وينصحه استاذه “روحي الخماش” بالاتجاه الى الغناء والموسيقى خاصة بعد ان سمعه في احد الايام يدندن احدى الاغاني العاطفية القديمة.. مما جعله يفكر بشكل جدي بنصيحة استاذه.

بدأ رضا علي في الستينيات يأخذ مكانته في الغناء العراقي، واتخذ لنفسه لونا خاصا به.. وبدأت اغانيه تنتشر بشكل ملفت للنظر داخل القطر، واخذت اغانيه تذاع من اذاعة القاهرة وبيروت حتى لقبته الصحافة العربية بـ “سفير الاغنية العراقية”. اما الان.. فلم يسمع صوته رغم انه لا يزال شابا في العمر والفن.. ونسأله عن هذه الظاهرة.. ليجيب:

ـ ما زلت على نشاط، واشعر انني الان امر بمرحلة جديدة الا انني اشعر دائما بان الظروف غير مواتية بشكل ايجابي... فلا يوجد الشاعر الذي يعكس المرحلة الجديدة الا ما ندر، لهذا تجد ان اكثر الشعراء يميلون الى الاجواء الجنونية فقط. وهذه ظاهرة غير صحية في الغناء العراقي..

يتوقف رضا علي عن الكلام للحظات.. ثم يتابع حديثه ليقول بشيء من الحسرة:

ـ انني اشعر بشيء من الغبن يلحقني فالاغاني التي تقدم من الاذاعة قليلة.. واحيانا معدومة. في حين لم يسجل لي التلفزيون اية اغنية رغم طلبات المستعمين والمشاهدين من خلال الرسائل او من خلال البرامج العديدة.. ولا ادري السر في ذلك!

مادمت تحدثت عن الاغنية العراقية الحاضرة.. ما تقييمك لها؟!

يجيب بتردد وبحذر:

ـ استطيع ان اقول لك بصراحة متناهية ان الاغنية الحاضرة متطورة، ولكنها تفتقر الى تنوع الكلام واللحن بحيث تشعر انك تسمع نوعا واحدا من الغناء لملحن واحد ولشاعر واحد.. بمعنى انها تخاطب اهل الجنوب فقط!!

والاصوات الجديدة.. ما دورها في هذا التطور؟!

يجيب بتردد ايضا:

ـ بشكل عام هناك اصوات جيدة تمتلك خامات مناسبة للغناء، ولكن بعضها يحتاج الى تجربة ومران. لان الصوت ليس هو الشيء المهم دائما في الغناء.. هناك امور عديدة لابد من توفرها في المطرب.. الثقافة الفنية والعامة.. الالتزام بالفن ليكون معبرا عن الشعب.. سلوكية المطرب نفسه، لان الفنان دائما معرض لان تسلط عليه الاضواء.. من هذا المنطلق يكون دور المطرب الحقيقي في تطور الاغنية العراقية!

وعلى كل حال فالصوت المثقف هو الذي يفرض وجوده على الناس، وهو بالتالي يعطي للفنان قيمته كمطرب ملتزم.

والاغاني الفولكلورية التي يعاد غناؤها الآن... ما رأيك بشكلها الجديد؟!

ـ انا ضد ادخال الآلات الغربية على الاغاني القديمة... الفولكلور لابد ان يبقى على حاله دون تزويق او بهرجة.. ولكن لا بأس من تهذيب بعض كلماته التي قد تكون غير مناسبة للمرحلة الحاضرة!

كانت الساعة تشير الى السابعة مساء... وقد مضى على جلوسنا اكثر من ساعتين.. ربما لأن الجلوس على شاطئ دجلة الجميل قد أنسانا كل شيء.. ولهذا واصلت الحديث مع المطرب دون ان اشعر بالتعب..

حسنا.. مادمت تحدثت عن ضرورة الخروج بالاغنية العراقية الى العالم.. ماهو السبيل الى ذلك في رأيك؟

يقول بسرعة دون تردد:

ـ كما قلت سابقا بأن الاغنية العراقية الحاضرة لها حضور محدد، ومحدودية في التخاطب من ناحية الكلام واللحن... لذلك اعتقد ان تغيير نمط الاغنية الحاضرة وجعلها ذات كلام متنوع ومفهوم يسهل علينا نقلها الى الخارج وبالتالي تكون مفهومة عند كل أبناء الأمة العربية.

يضحك رضا علي... ثم يتابع حديثه ليقول:

ـ كيف تريد من المصري او الليبي او السوداني او الجزائري فهم كلمات اغانينا مادام ابن الوطن لا يفهم احيانا كلمات كثير من اغانينا؟

واعمالك الجديدة؟!

ـ لدي الكثير من الاعمال الجديدة.. لدي اغنيتان “اسعد حبيبين” و “وردة الف فلاح”.. اضافة الى اغنية لكنعان وصفي بعنوان “ردين”. وكل هذه الاغاني خاصة بالاذاعة. واحسست ان الوقت بدأ يدركنا. فالساعة كانت تشير الى الثامنة ليلا ولابد من مغادرة المكان لحضور اجتماع المجلة الاسبوعي.

مجلة الاذاعة والتلفزيون 1975