حسنية وصديقة الملاية وصبري افندي

حسنية وصديقة الملاية وصبري افندي

فخري حميد القصاب

ان قصة الأغنية التي كانت العامل الاكثر أهمية في شهرته صبري افندي وذيوع صيته فان أسرته تؤكد ان المغنية الشعبية (حسنية) هي التي خلدت ذكراه في اغنية (الأفندي) بعدما مد لولدها يد المساعدة نافحا اياه مبلغ البدل النقدي ومن ثم اعفائه من الخدمة العسكرية آنذاك في (العهد العثماني) واعترافا منها بهذا الجميل غنت له هذه الأغنية

ثم تناقلتها المطربات الأخريات المتواجدات على الساحة الغنائية ومنهن (صديقة الملاية) التي سجلت الأغنية بصوتها في دار الإذاعة.. وكان ما كان من اثر هذه الأغنية التي أطربت جيلا كاملا وكانت الكثيرات من المغنيات اللائي يغنين هذه الأغنية في الأعراس والأفراح يعمدن الى تغيير اسم (صبري أفندي) باسم صاحب المناسبة من باب المجاملة واكتساب رضاه..
حياة.. ووالي البصرة
إلا ان الأستاذ البازي يروي قصة (صبري أفندي) مع الأغنية بشيء من الإفاضة اذ يذهب الى انه كان هناك مغنية حلبية اسمها (حياة) وكان والي البصرة (الدروبي) يحبها ولكنها كانت لا تأبه بحبه ولذلك اراد الانتقام منها فساق ولدها للخدمة العسكرية بينما لم يكن قد بلغ السن القانوني للجندية وكان صبري أفندي بحكم وظيفته المالية عضوا في لجنة السوق العسكرية وقد استاء من عمل الوالي ورفض قرار السوق ما أدى الى أزمة بين الوالي وصبري أفندي انتهت بان دفع صبري البدل النقدي عن ابن المغنية وهو حل وسط، اذ ساءه ان يرى الوالي ينزل الى درجة الانتقام من المغنية بالخروج على القانون.. وبرغم ان صبري أفندي كان يحب الطرب فهو لم يعمل فاحشة او يشرب خمرا طيلة حياته، واثر هذا الحادث نظمت المطربة حياة الأغنية بنفسها واعتقدت ان صبري أفندي يحبها فحاولت التحرش به.. ولما رفض ذلك أشارت عليه ان يعاشرها (بسكوت) اي سرا ولكنه رفض ذلك وقد غنت (حياة) تلك الأغنية وكان ذلك في العام 1912 في حديقة صغيرة تقام عليها اليوم بناية محاكم البصرة.. وكان من ضمن مقاطع هذه الأغنية:
بلسكوت بلسكوت.. عاشره بلسكوت..
الله يخلي صبري.. صندوق أمين البصرة
رمانتين بفد ايد متنلزم
غير ان الأستاذ البازي كان قد ذكر بان المطربة (نجاة) غنت هذه الأغنية في ملهى (اولكا) في البصرة في العام 1912 وغناها عبد الله أفندي مسجلا ذلك اسطوانة حاكي (كرا م فون) سنة 1928 ثم غنتها صديقة الملاية وسجلتها على اسطوانة العام 1926، ولكنه عاد مستدركا انه في سنة 1928 غنى المطرب إسماعيل أفندي هذه الأغنية مسجلة على اسطوانة (بيضافون) وعلى وجهها الآخر أغنية (رمانتين بفد ايد متنلزم) وفي سنة 1932 غنت المطربة البصرية صديقة الملاية (فرجة بنت عباس) هذه الأغنية على اسطوانة أيضا وألحقت بها ما يشير الى بصريتها مثل قولها (يا عسكر السلطان بالبر يخيمون) مشيرة الى معركة الشعيبة.. كما قالت أيضاً (ماتنفع الحسرات) (رحنة من ايديهم) مشيرة الى ضياع البصرة من ايدي العثمانيينيتصفح سيرة حياة (صبري أفندي) يلقاها مضمخة بالورع والتقوى منذ نعومة أظفاره وحتى انتقاله الى دار البقاء اذ نشأ نشأة دينية وشب على ذكر الله وقراءة القرآن الكريم واداء الفروض الدينية ولأنه كان مولعا بحضور مجالس اللهو البريئة.. ومن متذوقي النغمة الحلوة والكلمة المغناجة من هذه المغنية او تلك، فقد كان ذلك لا يخرج عن إطار سيرته الوقورة المهابة التي استعاض بها عن لذات الحياة وشهوات الدنيا بما كان يشيعه الورع في أعماقه، اما ان يكون هذا الرجل قد خلب لألباب بوسامته وجماله فذلك لا يقيم الدليل على رصفه مع تلك الفئة التي ذكرها الأستاذ المميز، كما ان هذه الصفات ليست مدعاة او سببا لان ينجرف الى ما انجرفت اليه هذه الفئة. ويتابع: وهناك سبب آخر أراه يقينا يبطل التهمة التي الصقت به وهو ان أغنية (الأفندي) التي خلدت اسم (صبري أفندي) لم تكن أغنية او (بستة) بغدادية بل هي أغنية بصرية الأصل شاعت واشتهرت في البصرة قبل ان تقتحم أجواء بغداد، فكيف حشرت مع البستات البغدادية التي كانت تغنى في المقاهي البغدادية المعروفة هذا فضلا عن ان (صبري أفندي) كان بصري المولد والنشأة حتى وفاته (باستثناء إقامته في العمارة بحكم نقل وظيفته اليها) ولم يكن مقيما في بغداد على امتداد مراحل حياته، اذا ما استثنينا بضع زيارات قصيرة قصد فيها بغداد لأغراض رسمية او خاصة.. فكيف بات محسوبا على تلك الفئة من فئات المجتمع البغدادي وهو لم ينتم اليها بحكم المعايشة والإقامة أصلا ؟