من ذكرياتي في دور السينما

من ذكرياتي في دور السينما

سرور ميرزا محمود

أصبحت دور السينما في نهاية الستينات والسبعينات متلألأة بجودة أفلامها المختارة مع أزدياد جمهورها وملاذاً لكثير من الأسر البغدادية، كنت مع زملاء لي أثناء فترة الدراسة في الكلية ندخل مجاناً لسينما الخيام لوجود زميل لنا يملك عمه جورج أسطيفان السينما وكذلك سينما بابل بأن مالكها عبد الرزاق نوري الجراح أخ أصدقائنا،فشاهدنا أجود الأفلام لجمس بوند وهتشكوك ورجل وأمرأة والفخ وأفلام مارلين مونرو وجمس دين وروبرت متشم وشامي وراج كابور وغيرها،وأستمر هوسنا وحبنا لمشاهدة الأفلام المختارة بعد التخرج والى الآن.

ومع جودة ونوعيات السينمات أقدمت النوادي الأجتماعية على تخصيص يوم في الأسبوع لعرض الأفلام المختارة لعوائل وضيوف المنتسبين لها،ويتذكر زملاؤنا الجيولوجيين كيف كنا نستأجر أفلاماً عربية وتأريخية نأخذها معنا في العمل الحقلي الذي كان يطول لمدة شهرين في مناطق الصحراء في الغرب والجنوب ومنطقة الشمال قرب القرى النائية عند الحدود مع تركيا وأيران، حيث تتوفر لدينا في شركة المعادن آلة عرض روسية للأفلام، فيتجمع يوميا في المساء من يسكن في المناطق القريبة من مخيمنا فيستمتعون مع عوائلهم لمشاهدة الأفلام التي نادراً ما عرفوا عنها لطبيعة معيشتهم خارج المدن والقرى وكنا نفتخر بأيصال هذا المجهود لهم.

في سنة1979 وأثناء زيارتنا لبومباي الهند إحدى أكبر المدن الهندية والتي تشتهر بصناعة الأفلام، دعانا قنصل العراق لمشاهدة أحد الأفلام الهندية في سينما جميلة ورائعة كأنها تحفة من داخلها وخارجها مؤطرة بلوحات تعكس جمال الهند، وفي نفس الشارع توجد أكثر من مئة سينما،وأن عدد السينمات في عموم الهند هو عشرة آلاف،وكانت مليئة بالمشاهدين وبين لنا بأن الهند تنتج ما يقارب ألف فلم سنوياً وأن رواد المشاهدة بالملايين لأن أصول شعبهم متنوع بثقافته وفنه الممزوج بالغناء والموسيقى،فقيرهم وغنيهم مهووس بالسينما.

في بداية الثمانينات بدأ عصر صالات ودور السينما في بغداد بالأفول التدريجي وأخذت تفقد بريقها ومجدها وضعف الأقبال مما أدى الى قلة وارداتها وبقيت على قدمها بدون أدامة وتطوير، ومن الأسباب المهمة لهذا الأفول هو تطور التلفزيون تكنولوجياً وبدء عصر الفيديو،وأن الموزعون أبتعدوا عن مواكبة تطورات الزمن وبدأو بالتفتيش عن أفلام رديئة وبعيدة عن مقص الرقيب، مما أبعد اغلب العوائل بعدم أرتيادها للسينمات مكتفية بما تشاهده في التلفزيون أو في النوادي الأجتماعية، وتوالت السنيين فتحولت معظم دور السينما الى صالات شاحبة ولا أكتراث لها،لقد غابت عن شارع السعدون والرشيد والأعظمية والكرخ وبغداد الجديدة دور السينما، فسينما السندباد أختفت وتحولت الى محلات تجارية،فسينما أطلس وبابل تحولت الى مخازن ومجمعات تجارية، ويقال بقت سينمتين يرتادها متسكعي الشوارع يتابعون أفلام قديمة ومخلة بكافة الآداب ومن نسخ (السيدي) غير الأصيلة مما يجعل عرض الفلم مهتزاً، أصبحت بغداد من دون سينما وأختفت الصالات التي كانت تعبر عن ماض هام وجميل من تأريخ بغداد وأختفت بعض من واحاتها الثقافية.

يبقى محظوظ من جمع ملصقات الأفلام أيام زمان لأنها تعتبر ثروة ثقافية وفنية والتي غابت عن وجهات السينما ومداخلها اليوم، لأنها كانت تمثل الصورة والرسم بألوانها الجذابة وصور الممثلين والممثلات وخصوصاً صورة البطل(الولد) حيث يمكن عمل معرضاً يعكس ما كانت تعرضه سينمات بغداد في ذلك الزمن الجميل، ومن الله التوفيق.

في زماننا كانت السينمات فيها نكهات أفلامها فكنا نعرف أسماء السينمات التي تعرض الأفلام الهندية والتي تصاعد أنتشارها بسبب تركيزها على الحب والأثارة والتشويق المطعمة بالموسيقى والغناء ولهدا أحبتها أكثر الأسر العراقية فقصصها مسلية وحزينة وشيقة فيها تشابه من حيث العادات والتقاليد الأجتماعية وأساليب العيش وحتى مشاكلها وتطلعاتها مما يجعل المتفرج يعيش ويسبح في عالم الخيال ويحلم مع أبطال الفلم،والسينمات التي تعرض الأفلام العربية والتي فيها جزء يشبه ما تطرحه السينما الهندية، والسينمات التي تعرض الأفلام الغربية والأمريكية ذات الأثارة والخيال والتأريخ وصراع بين قوى الشر والخير والبوليسيات والتجسس والحروب، وكان الفلم يتجدد أسبوعياً وعادة يوم الأثنين وفي بعض الأحيان يتجدد عرضه نتيجة الأقبال المتزايد عليه.