كيف أنير المشهد الكاظمي الشريف في الثلاثينيات؟

كيف أنير المشهد الكاظمي الشريف في الثلاثينيات؟

صلاح الدين سلمان

فيْ عام 1930 قدم من اوربا تاجر ايراني في طريقه الى طهران ونزل ضيفا عند السيد احمد المدامغة من وجهاء الكاظمية، ولاحظ ظلمات البلدة في الليل حيث كانت الانارة بالفوانيس النفطية، وحيث ان الزائر قادم من عالم مستغرق بالأنوار الكهربائية..

وعند زيارته لروضة (الأمامين الجوادين) حزّ في نفسه انها تنور بالشموع وسط ثرياتها الكبيرة الرائعة وبالفوانيس النفطية في اطرافها حيث ان البلدة يومها لا عهد لها بالكهرباء مطلقاً.. ولم يصلها تيار نوره بعد. على عكس بغداد اذ ما ان احتلت بريطانيا بغداد فجر يوم الاحد 11-3-1917 ودخلت جيوشها من الباب الشرقي جلبت معها اجهزة لتوليد الكهرباء ونصبتها في (محطة العباخانه) واعدت لها اطول مدخنة شاهقة في تاريخ العراق حتى لا يؤثر على راحة الاهليين.. حيث لم يكن للعراق عهد بالكهرباء. ومدت اسلاكها على اعمدتها الخشبية وعليها مصباح لانارة الشارع الترابي الوحيد في بغداد والمعروف يومها بـ(شارع العام) ثم سمي في سنة 1936 بـ(شارع الرشيد) وكانت المحطة الكهربائية تكفي لانارة الدوائر الحكومية وبعض بيوت المسؤولين اما اهل بغداد وطرقاتها والازقة فكانت تنار بالفوانيس النفطية ومع مرور الايام دخلت الطاقة بيوت معظم الوجهاء والاثرياء واليهود والنصارى. وبعدها تولت شركة بريطانية تنوير بغداد وضواحيها والمشتركين من الاهليين وتزويدهم بالكهرباء بسعر 28 فلسا لدور السكن وبسعر 14 فلسا للوحدة الى المعامل والدوائر وسائر المؤسسات (السيد جواد الشهرستاني). نعود الى الكاظمية فعند عودة التاجر الايراني الى بيت السيد احمد المدامغة قال لمضيفه السيد احمد: هل بالامكان ان ازودك بمولدتين للكهرباء تنور بها هذه الروضة المقدسة؟ ولك الاجر والثواب عليها. رحب السيد احمد بذلك واعد لهما مكانا خاصا في محله لتوليد الكهرباء الى الروضة واناط بمهمة التشغيل الى الطالب في كلية الحقوق (عبد الحسين القطيفي) سنة 1940 وبقي يديرها الى ان تخرج من الكلية وتعين موظفا في وزارة الخارجية وتدرج الى ان اصبح سفيرا ثم اصبح وكيلا لوزارة الخارجية عام 1958 واثر تزويد السيد احمد الروضة المقدسة بالطاقة الكهربائية غدت الروضة مضاءة على احسن وجه، مما جعل اهل الكاظمية يقضون معظم اوقاتهم في الاماسي بالصحن الشريف للتمتع بانوارها بالاضافة الى الزيارة وقراءة القرآن وخاصة في ليالي شهر رمضان الى الفجر.. والبعض يجلس على شكل مجاميع على الارض يتباحثون في مواضيع مختلفة دينية واجتماعية وسياسية اضافة الى السمر للتسلية وقتل الوقت. ومع مرور الايام رآني السيد احمد المدامغة ان لديه فائض من الطاقة فاخذ يزود بعض دور المحبين والمسؤولين والاصدقاء لقاء اشتراكات يدفعونها اليه. ثم توسع في تزويد البيوت والمحلات بالكهرباء بحيث اصبحت مولدة الكهرباء لا تحتمل لطاقتها المحدودة وضعفت طاقتها لدرجة ان المصباح تساوى مع الشمعة في الاضاءة حتى اخذت تنطفي في فترات متقاربة بحيث تصبح البلدة في ظلام دامس وبما ان الكهرباء في الكاظمية اقترن اسمها باسم السيد احمد وكان يقال كهرباء السيد احمد فاذا ما انقطع الكهرباء صاح الناس (أنطفا السيد احمد) واذا عاد الكهرباء صاح الناس (اشتعل السيد احمد). وقد اعتاد الناس على هذا القول واعتاد كذلك السيد احمد على سماعه باذنيه في السوق من المواطنين دون زعل..